العدد 4738 - الخميس 27 أغسطس 2015م الموافق 13 ذي القعدة 1436هـ

العالم أصبح قرية واحدة... ولم يعد هنالك مجال لـ «دور الرقيب»

الحركة الثقافية بين الماضي والحاضر:

جيهان حسن
جيهان حسن

المنامة - مصطفى الشاخوري

رحابة الفضاء الإلكتروني وسعته غير المحدودة أعطت فرصة لكثير من المثقفين لعرض أفكارهم ومناقشتها وطرحها أمام الناس، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالمثقفين والمثقفات وصارت ملاذاً للعديد من المثقفين، كما أعطتهم الفرصة للتواصل مع بعضهم البعض أكثر وأكثر، ولم تعد الساحة الثقافية كما في السابق محصورة في الأوراق والصحف والمجلات بل أصبح هنالك تعدد للوسائط التي يستطيع المثقف إيصال أفكاره من خلالها كبرامج «السناب شات» و«الإنستغرام» و«الكيك»... وغيرها من البرامج التي تتجدد وتشهد صراعاً كبيراً كل يوم.

حول موضوع التغيرات التي طرأت على الساحة الثقافية اليوم ومقارنتها بالماضي، قال الأخصائي النفسي والمستشار الأسري علي التمار: «إنه بدءاً من قبل نصف قرن كان أعداد المثقفين أقل من الآن وطبيعة الحراك مع أنه عال في مضمونه وعطائه، إذ ينسب لهذه الحقبة جيل من التنويريين بالإضافة إلى تنامي المدارس المختلفة كالقومية واليسارية والتيار الإسلامي والإسلامي السياسي فضلاً عن تنامي حركة التعليم والنهضة بإطارها العام والحراك سابقاً مع صعوبة التواصل».

وأضاف «لايزال الانتشار يكاد ينحصر في طبقات معينة ومع أن الاستهداف لكامل المجتمعات هدف وارد إلا أن المعوقات تحول دون ذلك سواء مستويات الأمية العالية أو ندرة أو قلة البرامج التنموية، ولكن خلال العقود الماضية يلاحظ زيادة الاهتمام عن طريق التعليم وأيضاً ازدياد مؤسسات المجتمع المدني التخصصية».

وتابع التمار «هذا انعكس بدوره على نمو طبقة المثقفين وتشكل مجاميع وتيارات فكرية وثقافية ذات أبعاد مختلفة ولقد عاشت المجتمعات في العقد الأخير تسارعاً في انتقال المعلومات والمعرفة بتسارع غير مسبوق عبر وسائط التواصل التي أعطت بعداً وإمكانية لمختلف الأطياف للإسهام والمشاركة، مع الأخذ ببعدي الحالة الإيجابي والسلبي».

وحول النقطة نفسها، يؤكد الكاتب حسن آل حمادة أن «وسائل التواصل بنمطها الحديث تستنزف من المثقف الكثير من الوقت إذا لم يضع لنفسه بعض الكوابح، لكنها في المجمل مفيدة وبشكل مهم ومرن لمن يجيد استخدامها في تلبية حاجته للحصول على المعلومة وبثها، كذلك ومن أهم فوائدها أنها سهلت التواصل بين الجمهور العريض والمثقفين، وبين المثقفين وبعضهم البعض».

وتضيف الأخصائية الاجتماعية الباحثة جيهان حسن أن «الحركة الثقافية كانت في السابق أكثر تعدداً وقوة وتخرج منها مفكرين نوابغ كما أن محتواها لم يكن ينشر إلا بعد التأكد التام من محتواها ومدى صحتها وصلاحياتها».

مضيفة «أما الآن فالحركة الثقافية أصبحت أكثر اتساعاً وحجماً، ولكن للأسف أكثرها لا تعتمد على الواقع لأنها تكون من وجهة نظر الكاتب فقط وقد تغطي شريحة معينة من المجتمع». وتابعت «أما في الماضي فقد كانت تحاكي معظم فئات المجتمع دون تميز للجنسية أو المذهب أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي».

ونوهت حسن «كما كانت الإيجابيات للحركة الثقافية سابقاً تكمن في التعدد وتغطي جميع شرائح المجتمع إلا أنه وفي الوقت ذاته كان هنالك صعوبات واضحة في الحصول على المعلومات والمنتوجات الفكرية وقد يلجأ الشخص ربما إلى قطع العديد من المشاوير والأوقات والتنقل لأكثر من مكان كالمكتبات العامة وقد يستمر البحث عن كتاب معين لأيام وأسابيع. أما اليوم فتوفر العديد من الكتب في الإنترنت سهل البحث وأصبح الحصول على المعلومات في غاية السهولة والإمكان ولكن المصداقية قلت بشكل ملحوظ جداً جداً».

المثقف بين السلب والإيجاب

يؤكد الأخصائي النفسي والمستشار الأسري علي التمار «أن قيمة المثقف والكاتب فيما يحتويه هو وليس فيما ينتسب إليه، وربما المثقف الحقيقي احتاج أن يمارس حضوراً بالتكثيف وبين وسائل الاتصال المتعددة لكون المتطفل والضعيف والمبتدئ له نفس قدرة الحضور مما يجعل الاضطراب الثقافي متواجداً، إلا أن المثقف الحقيقي يستطيع أن يميزهم عن غيرهم لأن ذلك من اختصاصه».

ويضيف «من هنا على المثقف وهو يعي دوره التنويري ألا يترك المجال من الاستفادة من وسائط التواصل، مع جهد مضاعف، وحضور المثقف والكتاب نعم يعطي القيمة الحقيقية وخصوصاًعندما يتم نهب وسرقة أكثر من معلومة منه عن طريق المناقشات وطرح الأسئلة والأخذ والعطاء والصراع الفكري، والتعرف أكثر على فكرة الكاتب قد تكون عن طريق الرسم التمثيلي إذا كانت معلومة موصلة وجهاً لوجه من الكاتب نفسه وقد يتبرع الكاتب بإعطاء الحضور بعض المواقع والمعلومات الإضافية كما أن الكاتب قد يلجأ عن طريق المناقشات للتطرق لمواضيع أخرى تتم الاستفادة منها أيضاً».

أما حسن آل حمادة فقال «أتصور الآن أن الحابل اختلط بالنابل ومع ذلك فالجمهور يميز بين الجاد والمهرّج من نجوم شبكات التواصل، فهو ليس سطحياً كما يتوهم البعض».

الخطوط الحمراء

يؤكد آل حمادة أن «ما نشهده من خوض المجتمع في الخطوط الحمراء هو حالة طبيعية بعد تراكم لحالة الكبت التي عاشها المجتمع وهو يختنق ويكاد يلفظ أنفاسه منها. أما الآن، فحالنا كمن يستنشق الحرية لأول مرة أو من هو لتوه يبصر النور بعينيه، لذا تجده شغوفاً في الحديث في كل شيء».

ويضيف «أتصور أن المثقف سيعي الحدود التي لا ينبغي عليه تجاوزها والدخول فيها بسطحية لأنه قد يقع في حفر عميقة يكون فيها هلاكه وهلاك من يسير خلفه. عموماً، النقد لا يضر ونحن معه إلى أقصى الحدود».

وتضيف الباحثة جيهان «أن أسباب غوص كتّابنا في المساس بعاداتنا وتقاليدنا هو أولاً عدم الرقابة الكافية لهم وإعطاؤهم الحرية فوق ما نتصور، وهناك مثل يقول إعط الخباز خبزه، هناك بعض الكتاب يغوصون في كتاباتهم بآرائهم فقط دون الأخذ بعين الاعتبار أن العادات والتقاليد».

وتابعت «هنالك شريحة معينة فقط هي من تستطيع أن تكتب عنها وليس كل من هب ودب يكتب عن العادات والتقاليد قد ترى كاتب غير بحريني يكتب عن قيم وعادات البحرين فقط لأنه قرأ عنها. وهنا يأتي دور التواصل الإلكتروني ينقل الفكرة في ثوانٍ فقط، عن رأي كاتب قد كتب عن العادات والقيم وللأسف تكون مدمرة، وبها قد يتدمر المجتمع بل يتشجع المجتمع على التمادي في التخلي عنها وهو الأمر الذي لا يحمد عقباه وخصوصاً لدى الشباب».

ويؤكد التمار «تدخل المثقف في شئون لا يعرفها أو الغوص أكيد سوف يغرقه بسرعة، وبالنسبة للمجتمع فهنالك تأثر من بعض المتطفلين وليس المثقفين في الدين والشأن الاجتماعي والتربوي والسياسي وغيره».

ويضيف «المجتمع الواعي يستطيع أن يميز بين الحقيقه والمشتبهات، ولكن ربما ضخامة المطروح وأساليب النشاط الإعلامي وإدارته بمنهجية فضلاً عن المجاملات الاجتماعية كأحد الأمراض أتاحت للمتطفل مساحة حراك داخل المجتمعات أو للتأثير وتعطيه نشوة للاستمرار في إطروحاته والإكثار منها التي ربما كانت في مجملها من النسخ واللصق».

ويقول «إننا نلاحظ مثل هذا المتطفل يراهن على قلة فاعلية المثقف وحضوره فيرى أن المثقف الحقيقي قد ينسحب من المجتمع، وهنا يأتي سؤال وهو هل يلزم المثقف أن يتصدى لأمثال ذلك؟ نقول نعم، إنها إحدى مهامه بإيقاف تلك الأنواع من الممارسات بطرح البدائل الحقيقية للمتلقي وكشف زيف الآخر وهي مهمة تحتاج لهمة ونشاط لكن إذا تخلى المثقف عنها فمعنى ذلك أنه تخلى عن دوره».

المثقف بين الماضي والحاضر

يقول التمار «إنه في السابق كانت قنوات التعبير محدودة جداً وربما لا يستطيع المثقف طرح مايريد طرحه إلا في منطقته أو مع أهله، وفي حالات قليلة قد يكون لديه قدرة للتواصل مع مصادر الثقافة خارج إطار بلده وهي عملية صعبة، وكانت الإصدارات في غالبها إصدارات ورقية (مجلات وصحف ومؤلفات)».

وأضاف «أما اليوم فقد أصبح فيه العالم قرية معرفية يستطيع أن يعبر الشخص فيها عن رأيه بالكتابة والصوت والصورة وهو في مكان وبكل بحرية وتصل للمتلقي دون عناء ودون أن يقلق من مقص الرقيب والذي يبدأ بالمنع وربما تعرض لتحريف أو غير ذلك قبل النشر».

من جهتها، تضيف الباحثة جيهان أن «فرصة المثقف سابقاً كانت محدودة نوعاً ما من خلال مرورها بدور النشر والاعتماد عليها، كما أن المثقف لديه حدود معينة وخطوط لا يمكن تجاوزها أو المرور بها».

وأضاف «أما الآن فالمثقف أصبح يمتلك جميع الطرق والأدوات والمجازات والأطروحات المتوفرة تحت يديه حتى صار البعض يهج ويعج بما يريد وصار في يد الكاتب رفع من يريد والإطاحة بمن يريد في كتاباته، وأصبح المثقف يتلوى على الأحبال للوصول إلى مبتغاه». وتابع «كما أصبح لديه قابلية أكثر للتعبير الساخط والمسيء سواء لشريحة من المجتمع أو طائفة معينة أو بلد ما».

صراع الأفكار

يقول التمار «إن الحركة الثقافية اليوم لم تعد تتوقف في نشرها على المواقع الرسمية والمصرح لها، بل أصبحت وسائط سهلة ودون تكاليف مادية، مما عبد أرضاً خصبة لهذه الحركة وسهل الأمر واختصر الزمن».

وأضاف «لكن تبقى الوسائط الإلكترونية لا تفي بالغرض لإيصال المعلومة وتحقيق الهدف عبر طرحها ومناقشتها في القنوات الإلكترونية فقط، وهنا يلزم المثقف الانتباه لذلك حتى يصل للمتلقي بإيجابية بأكثر من وسيلة وضمان دوره التأثيري الفاعل».

أما آل حمادة فقال «نعم، الفضاء الإلكتروني قفز بنا قفزة عظيمة وصرنا نشهد حراكاً غير مسبوق، لأن التفاعل بين طرح الفكرة والرد عليها يحدث قبل أن يرتد إليك طرفك. بخلاف الحالة السابقة فقد تنشر الفكرة والردود تأتيك بعد أيام وربما أسابيع، فالفضاء الإلكتروني حالياً يسهم في ضخ الأفكار وترويجها ويصنع رأياً عاماً بسهولة».

وأكدت جيهان أن «الفضاء الإلكتروني أصبح ساحة خصبة للصراع الفكري، فمن لديه فكرة أو أطروحة أو مشاحنة أطلقها في هذا الفضاء ليعج من وراء هذا الكاتب من يتبعه، إذ لا حساب يحاسبه وقد يتهافت الجميع له بالمدح والثناء لما كتبه وما يلمح له من مغزى سواء كان المغزى سياسي أو ديني أو اجتماعي».

الثقافة بين البحرين والقطيف

يقول التمار «لاشك إن النظر إلى البحرين من منظار الثقافة سيحتم على الناظر أن يرها من زاويتين هما الرسمية والأهلية عبر مؤسسات المجتمع المدني والمتتبع يمكنه رصد المخرجات لأنها هي المعيار بين وجود المواقع والإصدارات والنشاطات أو الفعاليات المختلفة».

وتابع «البحرين بين دول الخليج العربي لها موقع متقدم في الثقافة حتى مع حضور المشاركين من خارجها فضلاً عن تطور الفنون المختلفة، ولا يمكن وضع البحرين في إطار مقارنة ضيقة شعبوية وإنما إجمالي حضورها هو الذي يجعلها مرتادة من شعوب دول الخليج المختلفة».

ويضيف «يحسب للبحرين السبق التعليمي في الخليج وتوثيق التراث ونمو الفنون ويلاحظ أن حضور البحرين في المجال الإلكتروني يتعدى حدود جغرافيتها ليكون دولياً. ولنا قول في الأحساء والقطيف أن أي مجتمع يتمتع بمؤسسات مجتمع مدني وتخصصي مخرجاته حتماً تكون أكثر من تلك المجتمعات التي لايوجد بها مؤسسات مجتمع مدني وتخصصي وتعتمد الشمولية في الحضور».

وتابع «لذلك لا يمكن الاعتداد بالحضور على الظاهرة الصوتية إنما على مستوى مخرجات الإبداع المحلي والوطني. فعندما يقال إن البحرين مبدعة في توثيق التراث أو في النشاط الثقافي والسياحي فمن ناحية أخرى يناسب القول إن الأحساء والقطيف مبدعة في الأدب الشعري واحترافية التنمية الأسرية وغير ذلك، من هنا يمكن المقارنة والأفضل أن يشار للتكامل مع وعي الفرق بين البهرجة والواقع».

ويؤكد آل حمادة «أتصور بشكل عام أن القطيف شهدت طفرة كبيرة قرّبت بين النخبة والجمهور العريض وأثمر ذلك في تحقيق منجزات ملموسة في المشهدين الثقافي والاجتماعي، وما عاد المثقف يسكن في برجه العاجي المعهود أما من أصرّ على البقاء في برجه فقد بقي عرضة للنسيان،وأترك تقييم الحركة الثقافية بين البحرين والقطيف لمن ينظر للاثنين بموضوعية».

حسن آل حمادة
حسن آل حمادة
علي التمار
علي التمار

العدد 4738 - الخميس 27 أغسطس 2015م الموافق 13 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:55 م

      بريطانيا و الهند و باقي اعرق الدول الدمقراطية عندها رقابة

      يجب ان تكون هناك رقابة و الا امن البلدان في خطر محدق ..انتم فاهمين الدمقراطية غلط بغلط
      الرقابة ضرورية لحفظ امن الدول والبشر والا كل اصحاب الفكر الهدام سوف ينسفون المبادى والقيم الانسانية والمعتقدات .
      نعم يجب الكل يعرف حدوده و ان الدمقراطية لها حدود .. لا يجب نترك لكل من هب و دب يهدم مبادئنا ويدمر اجيالنا بأسم الحرية ... ما هكذا تورد الابل

اقرأ ايضاً