العدد 4759 - الخميس 17 سبتمبر 2015م الموافق 03 ذي الحجة 1436هـ

حسِّنوا خدمات الطاقة تنخفض الانبعاثات!

أشوك خوسلا

رئيس منظمة «بدائل التنمية» في الهند. وكان رئيس الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة ورئيس نادي روما

تقود غالبية الحكومات بلدانها نحو المستقبل مسترشدة فقط بمرآة الرؤية الخلفية. وعلى رغم الأدلة العلمية المتزايدة على أن أنماطنا الاستهلاكية والإنتاجية تؤدي إلى اختلال هائل في نظم دعم الحياة على الأرض، وخصوصاً المناخ والموارد الحية، فان زخم اقتصاداتنا يزداد باطراد. وتتفاوض الدول على معاهدات لإبطاء هذا السباق المتهور إلى التدمير الذاتي، لكن القدم على دواسة الوقود أشد وطأة من القدم على دواسة الفرامل. وأكبر الملوثين مازالوا هم أكبر المخالفين.

ونظراً للوقت الطويل بين السبب والنتيجة، أي بين انبعاث العازات الدفيئة والتغير في درجات حرارة الغلاف الجوي، سوف يتبدل المناخ العالمي مهما سارعت اقتصادات العالم بتخفيض استهلاكها للوقود الأحفوري وتدميرها للغابات، فهناك تراث 150 عاماً من الاستهلاك المبذر للطاقة والمواد. والكثير من هذا التغيير غير مؤات، بل هو ضار.

بالطبع، على العلماء والبيئيين والدبلوماسيين أن يعملوا ليلاً ونهاراً لتدارك هذا الأمر والتوصل إلى اتفاقيات عالمية وسياسات وطنية تقلل الأسباب المستقبلية لتغير المناخ العالمي. لكن علينا الآن أيضاً أن نستنبط طرقاً أبعد من الحلول المبسطة المتعجلة التي ينشدها حالياً أولئك الذين لهم مصلحة في استمرار الوضع الراهن.

ميزة المشاكل المجتمعية أو الطبيعية المعقدة، وخصوصاً تلك التي يأتي أثرها بعد السبب بفترة طويلة، هي أن الحلول التي تولد النتائج المبتغاة ليست بالضرورة الحلول البديهية. والحلول الأكثر فعالية قد تكون غير بديهية إلى حد أنها تثير سخرية الخبراء. هذه هي الحال مع تغير المناخ، حيث تأتي الاستجابات منسجمة مع المقاييس الزمنية للعمليات التي تسببه في الغلاف الجوي، أكانت عقوداً أم قروناً.

نحن طبعاً بحاجة الى عمل فوري للحصول على نتائج فورية، من أجل إقناع الجمهور بأن الحكومات والشركات تستجيب فعلاً، ولأن اجتناب كل طن من الكربون يعني اجتناب طن من الأسى. وأهم من ذلك، نحن بحاجة إلى عمل فوري للحصول على نتائج حقيقية في المدى الطويل، حيث سيكون الأثر أكبر. والانبعاثات الكربونية التي يجب ضبطها عاجلاً هي تلك التي سينتجها الاقتصاد العالمي بعد خمسين سنة، في عالم سيكون حتماً أكثر ديموقراطية وعدالة مما هو اليوم، حيث سيكون لكل فرد الحق في طلب مستوى أعلى من الاستهلاك الطاقوي.

الرقمان الأساسيان اللذان سيحددان حالة المناخ سنة 2050 مثلاً هما عدد سكان العالم والاستهلاك الفردي للطاقة، وخصوصاً في شكل وقود أحفوري. ومعدل النمو السكاني في المجتمع ليس عاملاً مستقلاً، فهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستوى خدمات الطاقة المتوافرة لأفراده. وللخصوبة البشرية علاقة عكسية قوية مع حالة التنمية الاقتصادية، فكلما حسنت الظروف المعيشية والفرص المتوافرة للناس انخفض حجم الأسرة عموماً. إن مؤشر التنمية البشرية لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهو مقياس لجودة الحياة مقبول على نطاق واسع، يرتبط إلى حد كبير بتوافر خدمات الطاقة. وهكذا، فإن تحسين سبل الوصول الى خدمات الطاقة هو وسيلة ممتازة لتخفيض الخصوبة، مهما تكن الروابط السببية المحددة. وفي هذا السبيل، ينبغي استهلاك الطاقة بمزيد من الكفاءة، مع الوصول الى طاقة أولية إضافية عند الضرورة.

التدخل الأهم المطلوب للحد من تغير المناخ هو توفير خدمات الطاقة للفقراء على مستوى معقول، من خلال تحسين الكفاءة واستعمال مصادر الطاقة المتجددة والبدائل الأخرى، وليس فقط من خلال تأمين المزيد من الطاقة التقليدية. وهذا قد يجعل عدد سكان العالم سنة 2050 أقل 30 في المئة من العدد المتوقع وهو نحو 10 بلايين نسمة، ما يسفر عن انخفاض كبير في الانبعاثات الكربونية.

قد لا يبدو الأمر بديهياً، لكن الوسيلة الأفعل لتخفيض أثر النشاط البشري على المناخ في المدى الطويل هي تسريع استخدام الطاقة، أو على الأقل تسريع الخدمات التي تتيحها الطاقة، لدى فقراء العالم. وهذا يتطلب أيضاً تخفيض الاستهلاك المهدر للطاقة لدى الأغنياء.

إقرأ أيضا لـ "أشوك خوسلا"

العدد 4759 - الخميس 17 سبتمبر 2015م الموافق 03 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً