العدد 2473 - السبت 13 يونيو 2009م الموافق 19 جمادى الآخرة 1430هـ

البنية التحتية 2/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ولكي تكون الخطوة على طريق تشييد البنية التحتية في اتجاهها الصحيح، لابد من الاتفاق على تعريف المقصود بالبنية التحتية. هناك من يكتفي بالتعريف الضيق والتقليدي لها فيطلقها على «كل ما هو متعلق بالمرافق والهياكل والنظم والعلاقات والمهارات التى تساعد المؤسسات والمنشآت على إنجاز أهدافها. وبالتالي فهي مجموعة مترابطة من العناصر الهيكلية التى توفر إطار دعم هيكلي، يشمل فيما يشمل الطرق والمطارات والمنافع الأخرى». لكن دراسة «منتدى الرياض» التي أشرنا إليها في الحلقة الأولى من هذه المقالة توسع من هذا التعريف وتعتبر البنية التحتية «هي الخدمات التي تمثل العمود الفقري والأساسي من تجهيزات يتم تشييدها لكي تلبي الاحتياجات الحضرية والرفاهية للمواطنين وتساند الاقتصاد الوطني وتلعب دور الرابط الذي يربط المجتمعات ويجعلها متلاحمةََ، وتصنف إلى نوعين: الاقتصادية أو الفيزيائية: وتشمل خدمات المرافق المختلفة، مثل شبكات المياه والصرف الصحي والسطحي... الخ. الاجتماعية: وتشمل تشييد منشآت التعليم والمستشفيات وخدمات الأمن والدفاع المدني والترفيه وخلافه».

وتميز هذه المقالة – منطلقة من التعريفين المشار إليهما أعلاه - بين نوعين مختلفين نوعيا من أنواع البنية التحتية، الأول ذلك الذي يقدم خدماته للاقتصاد التقليدي، والثاني ذلك الذي يقدمها للاقتصاد المعرفي. فبينما يقتصر الأول أساسا على البنية الفيزيائية من طرق ومواصلات واتصالات، يتسع نطاق الثاني كي يشمل الطبقة الثانية من هياكل الاتصالات والمقصود بها هنا التشبيك والبرمجيات أو حزم التطبيقات، والتي باتت جزءا لا يتجزأ من البنية التحتية التي يحتاجها الاقتصاد المعرفي لأداء وظائفه وتسسير العلاقات بين مؤسساته، سواء في نطاق السوق الواحدة، أو في نطاق عدد من الأسواق المترابطة اقتصاديا مع بعضها البعض.

ولتقريب الصورة إلى ذهن القارئ، يمكنا أن نقارن بين البنية التحتية الضرورية لتسيير علاقات التجارة التقليدية في السوق الواحدة، أو علاقات التبادل التجاري بين عدد من الأسواق، وبين تلك التي تقوم بنفس الوظائف لتسيير متطلبات التجارة الإلكترونية في ذات الدائرتين المحلية أو المتعددة. فبينما ستعتمد الأولى أساسا على الطرق والمواصلات والمنافذ، وستكون حاجاتها الاتصالاتية محدودة إلى درجة كبيرة، سنكتشف أن التجارة الإلكترونية، بوسعها أن تقلص حاجاتها، وفي بعض الحالات يمكنها أن تستغني عن الطرق التقليدية والمنافذ، وتكثف من استخداماتها لوسائل الاتصالات. ولعل تجارة البرمجيات هي أسطع الأمثلة على ذلك، حيث بات في وسع المشتري، باستخدام منصات الشراء الإلكتروني، تنزيل البرمجيات التي يشتريها، والتي قد تصل كلفتها إلى مئات الملايين من الدولارات، ويحق له استخدامها، دون الحاجة إلى استخدام أي من طرق المواصلات التقليدية.

لكن، وكما كانت عليه الحال في الاقتصاد التقليدي، حيث برزت الحاجة إلى تأمين سلامة الطرق على المستويين: الأمني والاستخداماتي، كذلك أصبحت البنى التحتية الملائمة للاقتصاد المعرفي تقتضي توفير أرقى أشكال الأمن والسلامة لمن يستخدمها. وبالفعل، بدأت الدول التي أصبحت اقتصادياتها تتجه نحو الاقتصاد المعرفي تولي هذه الأمور الاهتمامات التي تستحقها، لضمان تدفق البضائع والمعاملات بين من يستخدم البنى التحتية تلك. وباتت معدات وبرمجيات «الأمن والسلامة» المرافقة لبناء منصات الشراء الإلكتروني جزءا لا يتجزأ من شروط تشييدها واستخدامها. وبالوسع الاسترسال في ضرب المزيد من الأمثلة التي تميز، نوعيا، بن أشكال البنيتين، وتوضح الاختلافات المرافقة لمتطلبات كل منهما. ولا ينبغي هنا إغفال الأمور المترتبة على عمليات البناء تلك، والتي تنعكس على مرافق الحياة الأخرى من خدمات صحية، وسياسة تعليمية، ناهيك عن التشريعات الدستورية، بما يشمل ذلك من قوانين وأنظمة تنبثق عنها.

عودة بعد ذلك للموضوع الأساسي، وهو نوع البنية التحتية التي تحتاجها البحرين، ومستوى وطبيعة الخدمات التي تقدمها. ليس من الصحيح، ولا من المنطق في شيء القفز فوق أهمية، بل وضرورة تشييد بنية تحتية تقليدية متينة توفر خدمات متطورة للاقتصاد البحريني، الذي ما يزال بكل المقاييس، اقتصادا تقليديا بحاجة ماسة إلى ذلك النمط التقليدي من البنى التحتية، التي ينبغي الاعتراف بأنه ما يزال يفتقر، في بعض المواقع، إلى الحدود الدنيا منها. لكن الحديث هنا لا يخاطب الحاضر ولا يتوقف عنده، دون أن يهمل واجباته، بل يرنو نحو المستقبل، ويتطلع نحو آفاقه وحجم العائد الاقتصادي الإيجابي الذي يختزنه.

البحرين اليوم في أمس الحاجة إلى بنية تحتية «اتصالاتية» متينة توفر خدمات كفوءة قادرة على مواكبة احتياجات العلاقات التجارية القائمة بين أفراد مجتمع الأعمال البحريني، وبين البحرين والدول الأخرى. وأكبر خطأ يمكن أن ترتكبه الجهة المناط بها القيام بذلك أن تجري مقارناتها بتلك البنى القائمة في البلدان العربية، رغم أن بعضها، من دون الحاجة إلى التسمية، قد سبق البحرين بأشواط على هذه الطريق.

وعند الحديث عن البنية التحتية المعرفية، لايقف الأمر عند تشييد خطوط الاتصالات وما يرافقها من عمليات تشبيك، فحسب، فالحديث هنا يتحدث عن بنية تحتية متكاملة تشمل فيما تشمل البنية التحتية البشرية، والتي هي الأهم. ففي غياب الموارد البشرية الماهرة – وهي عمود أساسي في تلك البنية - القادرة على تشغيل نظام الاتصالات بكفاءة عالية، وبمواصفات تناقسية عالمية، يصعب الحديث عن تقدم ملموس في الأداء الاقتصادي البحريني على النحو الطموح الذي وصفه سمو ولي العهد، الذي كما يفهم من حديث سموه يتطلع نحو الأمام دون التفريط بما نقف عليه

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2473 - السبت 13 يونيو 2009م الموافق 19 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً