العدد 4772 - الأربعاء 30 سبتمبر 2015م الموافق 16 ذي الحجة 1436هـ

طموحات ألمانيا وخيبة آمالها بالمهاجرين

هاني الريس comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي بحريني

أحد الطموحات الكبرى، التي سعت ألمانيا لتحقيقها على المديين الراهن والاستراتيجي، هو تقليص الآثار المدمرة لسكانها الذين يشيخون، وتخفيض نسبة البطالة المتصاعدة بشكل تدريجي في ظل استمرار تداعي الأزمة الاقتصادية العالمية، التي طالت بعض جوانبها عصب الاقتصاد الألماني، أو «المعجزة الاقتصادية الألمانية» التي ظلت تتفاخر بها ألمانيا في أوروبا وعبر العالم، وخصوصاً بعد أن ظلت البلاد تواجه التزامات ضخمة تجاه مهمات تكريس وتعزيز الاندماج الأوروبي، وضمانات حماية منطقة اليورو، التي أصبحت في ظل تداعيات المحنة الاقتصادية تتعرض إلى الانهيار، وخلال مراحل الأزمة الأخيرة للمهاجرين واللاجئين في أوروبا، تحملت ألمانيا القسط الأكبر من حصص المهاجرين واللاجئين المفترض تقاسمها بين مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بعد أن تخلت غالبية هذه الدول، عن الوفاء بكامل التزاماتها وتعهداتها المقطوعة، تجاه الاتفاقيات والمعاهدات الأوروبية بشأن مسائل الهجرة واللجوء في أوروبا.

ولكن المفاجأة الأكبر، التي أقلقت مضاجع الألمان، وحركت مشاعر الغضب في نفوس القوى المتشددة والمتطرفة والنازية الجديدة في ألمانيا، التي دأبت ولأعوام طويلة جداً، على مواجهة قضايا الهجرة في ألمانيا، وعبر إصرارها الشديد على رفض «الأجسام الغريبة» في أنحاء القارة الأوروبية برمتها، وتسببت بأعمال التخريب وإشعال الحرائق وزرع المتفجرات وقتل الأبرياء في مختلف مراكز اللاجئين في ألمانيا، هو ما أوردته بعض الدراسات الاجتماعية والصحية، الصادرة عن عدد من مراكز البحوث الاجتماعية والعيادات النفسية الألمانية، التي كانت قد أشارت، إلى ما يعانيه غالبية اللاجئين الوافدين على ألمانيا في الفترة الأخيرة، من اضطرابات عقلية وصدمات نفسية بالغة الشدة والخطورة، بسبب حالات التعذيب القاسية والصعبة، التي كانوا قد تعرضوا لها، أو كانوا قد شاهدوا أحداثها المأساوية، سواء في سورية أو العراق أو أفغانستان، أو غيرهم من الدول الأخرى، التي ظلت تعاني من جحيم الحروب والنزاعات المسلحة، في نفس الوقت الذي لفتت فيه تلك التقارير إلى ضآلة فرص علاج كل هؤلاء المرضى النفسيين والمشوهين عقلياً بسبب النقص الشديد في عيادات ومراكز تأهيل ضحايا التعذيب في ألمانيا، على رغم وجود قرابة 23 مركزاً للعلاج النفسي في المقاطعات الفيدرالية الألمانية كافة، وعجز غالبية مؤسسات التأمين الصحي الحكومية الرسمية، عن توفير المبالغ الضرورية لتطبيق استراتيجية خاصة للعلاج النفسي والجسدي للنازحين من مختلف مناطق الحروب والاضطرابات، كما أن معظم مراكز استقبال اللاجئين في مختلف البلاد، تفتقر إلى المزيد من الأطباء المتخصصين في علاج الأمراض النفسية والعقلية.

وتشير الدراسات، إلى أن هناك قرابة 43 في المئة من اللاجئين الجدد في ألمانيا، قد تعرضوا لمختلف صنوف التعذيب، ونحو 70 في المئة كانوا شهود عيان على أعمال العنف، وقد تعرض أكثر من نصفهم للعنف الجسدي الخطير، مع بعض حالات الاغتصاب للنساء، وكنتيجة لتلك الممارسات الشنيعة، ظل يعاني كل هؤلاء المرضى، من كوابيس أثناء الليل أو خلال النهار، بسبب استرجاع الذكريات الأليمة، التي عايشوها. وهذا الأمر ـ بحسب ـ الأخصائيين في العلوم النفسية، ربما ينعكس وبصورة كبيرة على حياة أبناء الأسر والأشخاص المتضررين من كل هذه الانتهاكات، وقد يؤدي ببعضهم إلى طريق الضياع، نتيجه افتقارهم لأساليب التنشئة والتربية الأسرية الصحيحة.

وفي سياق متصل، كان هناك قلق آخر في ألمانيا، بخصوص قضية اللاجئين الجدد، حين أعرب جهاز المخابرات الألمانية، عن بالغ قلقه من محاولات بعض الحركات والمنظمات الإسلامية المتشددة والمتطرفة، نشر «أفكارها المسمومة» بين مئات الألوف من المهاجرين الجدد في البلاد، والسعي لتجنيدهم عبر جملة من الإغراءات الخدمية والعينية.

وصرح مدير مكتب حماية الدستور «المخابرات الألمانية الداخلية» هانز جيورج ماسين، في بيان للمكتب صدر أخيراً «قلقون جداً من أن يسعى إسلاميون في ألمانيا تحت ذرائع تقديم المساعدات الإنسانية لاستغلال أوضاع اللاجئين بما قد يخدم أهدافهم ونشر أفكارهم والسعي لتجنيد طالبي اللجوء لصالح الحركات والتنظيمات المتشددة والمتطرفة».

وهذا يعني أن ألمانيا، التي كانت تتطلع إلى الاستفادة التامة، من تواجد المهاجرين واللاجئين، لتقليص فجوة التراجع السكاني، الذي يتوقع له خبراء التنمية البشرية والسكانية، أن ينخفض من 82 مليون نسمة، إلى نحو 70 مليون نسمة بحلول العام 2050. وإغراق أسواق العمل الألمانية بالأيادي العاملة الرخيصة، تواجه الآن مشاكل ضخمة، تجاه هذا الواقع المرير للاجئين العاطلين عن الفكر والعمل والمتقاعدين المستقبليين، الذين خصصت لهم الدولة الألمانية، مئات الملايين من اليوروات، من أجل تكريس دمجهم بصورة واقعية ومقبولة في المجتمع، وتأهيلهم لسوق العمل، أصبحوا اليوم يشكلون عبئاً صارخاً على صعيد وضعها الاجتماعي والاقتصادي، وحالة مخيبة لآمالها وتطلعاتها نحو الاحتياجات والمهام المستقبلية المرجوة من المهاجرين واللاجئين الجدد في البلاد.

إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"

العدد 4772 - الأربعاء 30 سبتمبر 2015م الموافق 16 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:40 ص

      المانيا

      المانيا قد تجني على نفسها من استقبال من هب ودب من الذين يدعون بالحرمان والعذاب وغدا سوف تندمين يا ميركل على هذه السياسة التي تمارسينها باسم الانسانية اذا حل الخراب في البلد من افعال الجهلة والمعاقين

اقرأ ايضاً