العدد 4774 - الجمعة 02 أكتوبر 2015م الموافق 18 ذي الحجة 1436هـ

هؤلاء كتبوا حكاية مريم

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

كثير من العائلات تسلّم وتستسلم اذا ألفت نفسها أمام طفل مريض بمرض مزمن لا شفاء منه، أو مصاب باعاقة عضوية أو «متوحد» أو جانح جنوح مرَضيّ كالاضطراب الاجتماعي والنفسي، الذي صار العلم الحديث يصنفه كمرض وليس مجرد « شيطنة»، أو موروث جيني مستمدّ من بعض صفات العائلة أو قدر حتمي، ولا مجال لتغييره. قِلةٌ من هذه العائلات من تقرر قهر المرض أو الاعاقة سواء كانت وراثية أو مكتسبة، والمضي قدما في رحلة البحث والتقصي، وملاحقة ورصد كل جديد في مجال التطور العلمي والطبي والمعرفي، وبذل الغالي والنفيس في سبيل ايجاد علاج، ووضع هذا الطفل او الطفلة على سكة الأسوياء، وإدماجه بشكل سلس وطبيعي في المجتمع.

قبل عدة أعوام استمعت إلى حكاية السيدة دلال الشروقي، التي قد تكون الأولى في البحرين ممن خاضت غمار تجربة تحدي مرض التوحد مع ابنها، فسافرت معه إلى بريطانيا، وأقامت 13 عامًا برفقته، خضع خلالها الابن إلى تعليم نوعي وتدريب متخصص فانتقل من حال الى حال وحقق نقلة نوعية ايجابية على خلاف ما يقال من ان «التوحد» لا شفاء منه.

ومؤخرا قالت لي شابة بحرينية رزقت بابن متوحد إن الأطباء في فرنسا قالوا لها: «إن هذا الطفل الذي تم تدارك حالته مبكراً، من الممكن جدّاً أن ينضم الى عالم الأسوياء ويدخل المدرسة اذا توافر على علاج طبي وتدريب مستمر وربما شاق لكنه مؤكد النتائج».

نعم ثمة الكثير من التجارب المتميزة والجديرة بالسرد والتوثيق والتقدير لأصحابها؛ كونها تجارب تحقق أكبر قدر من الفائدة للآخرين، وتبعث على الأمل، والأهم من كل ذلك هو أن هذه التجارب من شأنها أن تُلهِم وتشجع على إقامة المراكز المتخصصة وتوفير الكوادر المتخصصة والمدربة التي يحتاج إليها المجتمع، وتوسع شريحة المستفيدين منها، وتعويض النقص الطبي لدينا، وخصوصاً لتلك العائلات غير القادرة على العلاجات المكلفة في الخارج.

إن هذه التجارب تحضر بوصفها قصص نجاح يتحدى من خلالها الانسان حواجز الموروث، ويرفض الاستسلام لليأس او الرضا بالقضاء والقدر فحسب، او التوجه الى العلاجات الوهمية المعتمدة على الخزعبلات والخرافات.

يوم الاحد الماضي اتيح لنا ان نلتقي بكتاب مريم فؤاد الشهابي، والكتاب يحمل توقيع المؤلف فؤاد شهاب، بيد ان المحتوى يشير الى ان كثيرين اسهموا في كتابة قصة مريم، واولهم مريم نفسها بما امتلكت من شغف وذكاء واصرار وحب للحياة، ثم نادية والدتها التي سارعت في تطبيق المرحلة العملية وتحويل النظرية الى فعل بعد ان افصح لهم الطبيب المختص بأن «مريم تعاني من ضعف شديد في السمع الا انها تتميز بذكاء كبير، فلو عملتم معها بجد واجتهاد فستنقلونها من عالم الصمت الى عالم الكلام».

سافرت نادية وعاشت مع مريم 4 سنوات لكي تلحقها بالمعهد المختص ببرنامج التأهيل التخاطبي في القاهرة ثم عادت بها الى البحرين لتكمل تدريبها، ثم الأب فؤاد وتضحياته وبحثه المستمر وتجاوبه مع اية بادرة أمل، مستفيدا من شبكة معارفه واصدقائه واهله، ثم اولئك الاعضاء المتطوعون الرائعون في جمعية الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة، وتبني فكرة انشاء مركز متخصص لتأهيل اطفال البحرين المصابين باعاقات سمعية، ثم الاسرة الشهابية المتحابة والمتضامنة مع بعضها بعضاً مرورا بمديرات ومدرسات المدارس العامة اللاتي احتضنَّ مريم وساعدنها على الاندماج المدرسي والجامعي لاحقاً.

كتاب مريم يوثق رحلتها مع تحدي الإعاقة السمعية والتضحيات والجهود التي بذلها الأبوان بدافع من الحب والتضحية والمسئولية والعطاء اللامحدود والمساندة العائلية والمجتمعية، ومنح مريم كل الفرص الممكنة لحملها على الانضمام الى عالم السمع والنطق، وثمة تجارب أخرى مماثلة وربما ناجحة وعلى شاكلة قصة مريم بيد ان اصحابها حبذوا التكتم عليها وعدم الافصاح عنها، فظلت مستترة ولم يستفد منها احد.

كتاب مريم يقول ان تحويل التجربة الفردية الخاصة الى عمل جماعي يحتاج الى الكثير من الجرأة والشجاعة، وهو الذي يحدث التغيير في المفاهيم وفي النظرة الى الاعاقات وفي التخلص من العقد النفسية الملازمة لها، ويمنح الكثيرين الامل في التطور العلمي والطبي المتواصل والقادر على تحقيق المعجزات.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4774 - الجمعة 02 أكتوبر 2015م الموافق 18 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:59 ص

      تحدي

      سيدتي العزيزة عصمت. لقد ضغطتي على الجرح وادميته لكن هل هناك صدى في مجتمعاتنا. الوعي مطلوب. وأولنا الحكومات ان فتح مراكز مجانا لهذة الفئة بالذات سيكون لها الأثر الكبير في عملية دمجهم في المجتمع. ام عطاء

اقرأ ايضاً