العدد 4784 - الإثنين 12 أكتوبر 2015م الموافق 28 ذي الحجة 1436هـ

المهام الآنية الملحة المنتصبة أمام وزيرة الصحة الجديدة

رضي السماك

كاتب بحريني

إذا ما صرفنا النظر عن عملية الدمج التي طالت وزارتين، لأغراض اقتصادية تقشفية بحتة فإن المتمعن جيداً للتعديل الوزاري، سيدرك أن التغيير الجوهري في التعديل إنما يتمثل في تعيين فائقة الصالح وزيراً جديداً للصحة، وهذا يعني أن القيادة السياسية كانت راضيةً عن أدائها كوزيرة سابقة للتنمية الاجتماعية، وانطلاقاً من هذه الثقة التي تمتعت بها تم توزيرها على واحدة من أكثر الوزارات الخدمية لاتصالها بمهمات بالغة الخطورة وفي منتهى الأهمية تتصل بحيوات المواطنين والمقيمين الصحية. بهذا المعنى ظلت وزارة الصحة دائماً من أصعب الوزارات وأكثرها في تعقد وتضخم مشكلاتها إن لم تكن أكثر الوزارات على الإطلاق. ولربما لهذا السبب تحديداً ومنذ انطلاق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وعلى رغم تعاقب ستة وزراء خلال أقل من 15 عاماً، لم يستمر أي منهم خمس سنوات متواصلة، بل إن أولهم لم يكمل عامين، في حين استمر الأخير ثلاث سنوات ونيفاً فقط. وبهذا المعنى أيضاً فإن الوزيرة الجديدة فائقة الصالح وهي المرأة البحرينية الوحيدة في التشكيل الوزاري الجديد بعدما كان يضم امرأتين، وبهذا شاءت الأقدار أن يقع على عاتقها حملان ثقيلان تنوء عن حملهما ليس الرجال فحسب بل والجبال، وهما بمثابة تحديين كبيرين متداخلين في اثبات مدى مقدرتها على تحملهما وكان الله في عونها:

المهمة الأولى: إثبات جدارتها كامرأة ليس في تقلد منصب وزير فقط، بل وعلى وزارة، كما قلنا، هي من أصعب وأعقد الوزارات الخدمية إن لم تكن أصعبها.

المهمة الثانية: حلحلة أهم الأزمات الكبيرة المزمنة الموروثة من عهود الوزراء السابقين المتعاقبين على وزارتها والبدء بأكثرها وأهمها أولويةً وإلحاحاً.

وبطبيعة الحال فإن مفتاح حل هذه الأزمات الكبرى المزمنة الموروثة المتشعبة إنما يتمثل في إعادة بناء كادر إداري بحريني كفؤ يمكن الاعتماد عليه سواء من الكفاءات القديمة وبخاصة المهمشة أو الجديدة المعوّل عليها بما تملكه من طاقات شبابية واعدة مملوءة بالطموحات المتحمسة، ووضع استراتيجية أوخطة عمل واقعية قابلة للتطبيق.

وإذ يصعب في هذه العجالة استعراض مجمل تلك الأزمات والمهام الآنية الملحة المنتصبة أمام الوزيرة الجديدة فإنها بلاشك تبدأ برفع طاقة وكفاءة قسم الطوارئ، وزيادة عدد الأسرَّة فيه وفي جميع أقسام مركز السلمانية الطبي، وزيادة أعداد المراكز الصحية في المحافظات ورفع كفاءتها الاستيعابية نوعياً وكمياً، وفتح أكبر عدد منها في الفترات المسائية، مروراً برفع مستوى الخدمات العلاجية والصحية لأكثر الأمراض انتشاراً بين المواطنين كفقر الدم المنجلي، والسكر، والقلب، والضغط، وغيرها من الأمراض المشابهة الأخرى التي ما انفك المواطنون يشكون بمرارة من تدني الخدمات العلاجية لها وعدم كفاءة الأجهزة العلاجية، ونقص الأطباء أو تدني كفاءات عدد منهم، وسد نقص البعثات العلمية في المجالات المرضية المذكورة وصولاً إلى الاستغناء، إلى أكبر حد ممكن، عن إرسال المرضى الذين لا يتوافر لهم علاج ناجع متقدم في الداخل إلى أوروبا أو الدول العربية أو الآسيوية والتي تُكلف مبالغ باهظة، وأخيراً حل مشكلة الأطباء العاطلين عن العمل منذ سنوات، وهي مسألة آنية مابرحت تؤرق المئات من الأطباء والطبيبات البحرينيين منذ سنوات طوال، ناهيك عن خريجي وخريجات التمريض، وهذه المشكلة من أكبر الأزمات المزمنة التي عجز عن حلحلتها كل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الصحة منذ إعلان المشروع الإصلاحي مطلع العقد الماضي، وكان آخر تداعياتها ما ورد في الخبر الذي نشرته «الوسط» في عددها الصادر في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري أي في اليوم التالي للتعديل الوزاري الذي تم بموجبه تعيين الوزيرة الصالح وزيرةً للصحة والمتمثل تحديداً في إعلان وزارة الصحة عن قبول 120 طبيباً وطبيبة في البرنامج التدريبي وغموض مصير 40 طبيباً لم تقم الوزارة حتى الآن بالاتصال بهم لإبلاغهم بقبولهم من عدمه على رغم أن الشواغر المعلنة يبلغ تعدادها مبدئياً 133، أي يُفترض أن المستثنين من القبول لا يتجاوز عددهم سبعة أطباء أو أقل من عشرين طبيباً في أي حال من الأحوال.

وحيث إن الوزارة وعدت الأطباء المستبعدين بأن قائمة المقبولين ليست نهائية وأنها خاضعة للتدقيق والمراجعة وبخاصة في ظل وجود عدد من المقبولين الذين لم يثبتوا طلباتهم للالتحاق بالبرنامج التدريبي ولم يوقعوا العقود الخاصة به مع الوزارة ومن ثم شغور كراسيهم، ولكي لا نستبق الأحداث وبخاصة أن هذا التطور جاء في اليوم التالي لتعيين الوزيرة الجديدة، فإن آمال هؤلاء الأطباء الخريجين الذين لم يتم الاتصال بهم بعد معلقة بقوة على الوزيرة الجديدة، ولاسيما أن بعضهم من خريجي جامعات غربية تتمتع بالسمعة العلمية العالمية، وبعضهم الآخر تخرج بنسبة مئوية مرتفعة. وغني عن القول إن دراسة الطب هي من أصعب الدراسات العلمية وأطولها في سنوات الدراسة، ما يعني إضاعة فرصة أي سنة لقبولهم بعد سنوات طويلة من الانتظار ليتم قبولهم، ثم يتفاجأوا بأن عليهم الانتظار المزيد من السنوات هو بمثابة مقتل نفسي عظيم لا تتحمل قواهم وطاقاتهم المعنوية صدمته النفسية المتجددة سنوياً.

وكلنا ثقة بأن هذا العدد القليل المتبقي ليس عصياً على الاستيعاب ضمن باقي المقبولين الذين تم الاتصال بهم، وبإمكان التفكير الاقتصادي الخلاق للوزيرة أن يُدبر ما يغطي من موازنة من المناقلات المالية أو بأي حيلة أو وسيلة ما أخرى لشمولهم كلهم أو جلهم بالبرنامج التدريبي.

وفي تقديرنا أن الكادر الحالي المجرّب، سواءً المعني بالمشكلة الأخيرة الآنف ذكرها والتي تقع تحديداً ضمن اختصاص الدكتور محمد أمين العوضي، الوكيل المساعد للتدريب والتخطيط، أم فيما يتعلق بنظرائه الوكلاء الآخرين المساعدين التي تقع في اختصاصاتهم سائر المشكلات الأخرى المشار إليها سلفاً هم خير معين في مساعدة وزيرتهم الجديدة في إثبات جدارتها بهذا المنصب كامرأة وكمسئولة تنفيذية في حل هذه المعضلات الكبرى الموروثة، بدءاً بالمشكلات الأكثر أولويةً والتي قد تراها القابلة للحل مما عجز عنه سلفها، وذلك إذا ما تم تخطي العقبات والعراقيل الروتينية ومورس العقل الابداعي الخلاّق في كيفية الاستفادة من الموازنة المرصودة حتى في إطار محدوديتها وتشديد الضوابط على أوجه الإنفاق منها.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4784 - الإثنين 12 أكتوبر 2015م الموافق 28 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً