العدد 4789 - السبت 17 أكتوبر 2015م الموافق 03 محرم 1437هـ

تاريخنا وعقدة التوريث

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ماذا يعني أن تنتهي من كتابٍ يحمل آخر فصوله عنوان «عقدة التوريث» أيام حسني مبارك، وتبدأ في اليوم التالي بقراءة مسرحية تبدأ أول مشاهدها بمناقشة قضية التوريث في عهد يزيد بن معاوية؟

إنها إحدى العقد الكبرى التي شوّهت تاريخ الأمة وحرّفت مسار الحضارة الإسلامية، فقد تحوّلت الخلافة الإسلامية إلى إمبراطورية هرقلية، بمجرد إشهار الأمويين السيف لفرض حاكم متجبّر لم يحظَ بإجماع الأمة، تحت تهديد السيف: «إن هلك هذا فهذا، وإن أبى فهذا». وهي معادلةٌ حكمت ومازالت تتحكم في حياة الشعوب العربية والإسلامية... إلا من رحم الله.

في الفصل الأخير من كتابه، يكشف حسنين هيكل عن رغبة مبارك في توريث ابنه الحكم، لكن بشرط ألا يتم ذلك في حياته. كان صعباً عليه أن يتنازل عن الحكم حتى لابنه، ولذلك كان يماطل في الإعلان عن ذلك رغم إصرار الكثير من المنتفعين، على أساس أنه إن لم يفعلها في حياته، فيستحيل أن يتم ذلك بعد وفاته، خصوصاً مع وجود معارضة قوية من المؤسسة العسكرية، ورفض شعبي عارم للتوريث. وهي القضية التي أثارت مشكلةً كبرى على مستوى مصر، وكانت أحد أسباب الثورة على مبارك، بحجة «إننا تحملناك ثلاثين عاماً، فهل تريد أن تفرض علينا ابنك ثلاثين عاماً أخرى»؟

في مسرحية عبدالرحمن الشرقاوي، «الحسين ثائراً... وشهيداً»، يبدأ المشهد الأول بخبر موت حاكم الشام، حيث يدور حوار بين سعيد (أحد أصحاب الحسين) وبين أسد (أحد المرتشين):

رجل لما آل إليه الأمر انفرد به حتى استأثر

فعطّل أصلاً في الإسلام

وزيّف قاعدة الشورى

وخالف نصاً في القرآن

وأهدر أحكام السنة

قاتِلُ جدّي وهو يصلّي لما اعترض على رأيه

فيرد أسد: قد كان يشاورنا في الأمر.

- ليستكمل أبهة الحكم. أنتم آفتنا الكبرى

كنتم شكلاً للشورى وكان رضاكم يسبقكم.

لم تفتح أفواهكم أبداً إلا لتقول نعم!

الشرقاوي رحمه الله، قارئ متفحّص للتاريخ الإسلامي وعارفٌ بصراع الطبقات ونفسيات البشر، والتأثير الطاغي للمال في شراء الذمم الفاسدة، وهو يقيم بناء مسرحيته على وقائع وحقائق التاريخ. وتعكس فصولها صراع الخير والشر، وما يمثلهما من نماذج تحلق في القمة أو تهوي إلى الحضيض. ومن ذلك نموذج وحشي، العبد الذي اشترى حريته بقتل سيد الشهداء حمزة (رض)، بطريقةٍ جبانةٍ غادرة، تلاها بقر بطنه ومضغ كبده والتمثيل بجسده الشريف في العام الثالث للهجرة. وهي مشاهد تكرّرت بعد نحو ستين عاماً في كربلاء، التي تدور حولها المسرحية، حيث تكرّرت مشاهد القتل وحرق الخيام والتمثيل بجثث الشهداء وقطع الرؤوس ورفعها على الرماح والطواف بها من بلدٍ إلى بلد، لنشر الرعب في قلوب كل من يفكّر بمعارضة حكم بني أمية. وهي مشاهد تكرّرت بحذافيرها هذه الأيام على يد تنظيم «داعش»، في العراق وسورية وليبيا ونيجيريا.

في الطريق إلى العراق، يرسم الشرقاوي «من بعيد على قمة ربوة، منظر رجل منهك محطم يضرب الصخور بسيفه الخشبي»، فيظنه بعضهم عاشقاً جُنّ بحبيبته، ولكن يتضح أنه كان قائداً سابقاً في جيش الأمويين، تم إطلاقه على المدينة المنورة، ليأخذ البيعة قسراً من الأنصار، وقتل الناس على قبر الرسول، وأطلق جند الشام لسبي النساء. وبعد أن تخلّوا عنه فقد عقله وهام في البراري في هيئةٍ رثّةٍ، بعدما خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.

هذا الرجل التعيس هو بسر بن أرطاة القرشي، وقد تم إرساله لليمن بعد المدينة لإخضاعها أيضاً للأمويين، حيث قتل الآلاف بأساليب غاية في العنف والبشاعة، وسبى النساء المسلمات، مما حفظته كتب التاريخ. وكان من بينها ما فعله بطفلَي عبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب، الذي كان والياً للإمام علي (ع) على اليمن، حيث أخذهما جنوده ورميا بهما على الجدار، حيث تفجّر رأساهما، وقد جُنّت أمهما وهي تشاهد هذه الجريمة المروّعة.

في المشهد الرابع، يصوّر الشرقاوي الحسينَ واقفاً بخشوع أمام قبر جدّه محمد (ص) بعد صلاة الفجر، في مناجاة طويلة يسترشد روحه في حيرته:

أنا لا أعرف ما أصنع من أمري هذا فأعنّي

أنا إن بايعت للفاجر كي يسلم رأسي أو لكي يسلم غيري لكفرت

ولخالفتك فيما جئت للناس به من عند ربّك

وإذا لم أعطِه البيعة عن كرهٍ قُتِلت

وإذا عشت هنا كي أحشد الناس عليه

خاض من حولك بحراً من دماء الأبرياء

امتحانٌ كامتحان الأنبياء.

ألهذه الدرجة لعبت وتلعب «عقدة التوريث» في تاريخنا العربي والإسلامي؟

في الإهداء، يشير الشرقاوي إلى أنه حاول أن يقدّم لقارئ عصرنا «أروع بطولة عرفها التاريخ الإنساني كله»، وأهداه لأمّه «التي علّمتني منذ طفولتي أن أحبّ الحسين، ذلك الحب الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسى غامضاً، وحنيناً خارقاً إلى العدل والحرية والإخاء وأحلام الخلاص».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4789 - السبت 17 أكتوبر 2015م الموافق 03 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 11:08 ص

      إن شاء الله المقال القادم عن قصة توريث بشار الأسد للحكم في سوريا!

      أغرب قصة لتوريث الحكم كانت قصة بشار الأسد. فالدستور الذي وضعه الرئيس الرمز الراحل حافظ الأسد كان ينص على أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون عمره على الأقل 40 سنة، و لكن بعد وفاة الرئيس الرمز حافظ الأسد، اتضح أن الوريث الدكتور بشار عمره 34 سنة، فتم تغيير الدستور و التصويت عليه في أقل من 24 ساعة من وفاة الرئيس حافظ!
      على الأقل مبارك تنازل عن الحكم بعد 18 يوم من المظاهرات ضده! كان يستطيع أن يستخدم سياسة الأرض المحروقة التي استخدمها بشار، كان يستطيع أن يستخدم الجيش ضد المتظاهرين لكنه لم يفعل!

    • زائر 19 | 6:22 ص

      الى هاده

      الى هاده اليوم وهم يقتلوون الشيعه لحقدهم على اهل البيت وهم يصلون على النبى \\ص\\ مع انه النبي وصاهم بعترته لاكن ويش اتقول اله قاتل الله الجهل الله يهلك كل من شب نار الفتنه الطائفيه لقتل الابرياء

    • زائر 23 زائر 19 | 11:15 ص

      فقط من مستواك المتدني في الإملاء باللغة العربية أستطيع أن أقول أنك لم تغادر القرية التي ولدت فيها

      مظلومية و بكائيات و العالم كله يتآمر ضدكم، و انتوا الحبوبين اللي عمركم ما أذيتوا نملة، تتربون على العقد التاريخية و تصبحون تتخيلون الآخرين كلهم يتآمرون لقتلكم و ظلمكم!

    • زائر 18 | 6:18 ص

      ليش مواضيعكم بعيدة عن عشرة محرم والحسين ؟

      ______________________________________ سلام الله عليك يا أبا عبدالله .

    • زائر 16 | 5:11 ص

      ليست كراسي الحكم فقط

      حتى نحن الشيعة عندنا توريث. فمثلا يستشهد السيد محمد باقر الحكيم فيخلفه أخوه السيد عبدالعزيز الحكيم فيموت السيد عبد العزيز ليتم إختيار إبنه السيد عمار- ولو كان صغيراً غير ذي خبرة- لخلافته.
      وأيضا بشار الأسد قد فصل الدستور على مقاسه بعد أبيه.

    • زائر 14 | 4:39 ص

      شعر جميل يوثق بداية اختطاف الاسلام وتحويله إلى حكم دكتاتوري

      رجل لما آل إليه الأمر انفرد به حتى استأثر
      فعطّل أصلاً في الإسلام
      وزيّف قاعدة الشورى
      وخالف نصاً في القرآن
      وأهدر أحكام السنة

    • زائر 11 | 2:59 ص

      زائر 3

      انت مريض وطائفي ليش مركز على بشار......................

    • زائر 9 | 2:05 ص

      الموضوع القادم عن التوريث في سوريا

      الموضوع التالي للتوريث في سوريا التي تدعي انها جمهوريه ، من الجد الي الحفيد ولم تجد سوريا غير هذه العائله تحكمها بالنار والحديد حتي ان الحفيد لا يحق له الحكم فعدل القانون لكي يكون الاسد الثالث الذي دمر بلده وقتل الاطفال والنساء ،، لماذا نتهرب عن الكتابه ونجعل مصر كمثل ولكن الثوره افشلت ذلك ،،شكرا

    • زائر 7 | 1:45 ص

      اشمعنى؟

      كلهم دون استثناء....... وليس بشار وحده يا رقم 2

    • زائر 5 | 1:15 ص

      معاوية هو من سنّ سنّة التوريث

      سنّة التوريث سنّها معاوية بن ابي سفيان وتبعه من جاء بعده وهكذا يكون كما قال النبي صلى الله عليه وآله من سنّ سنة حسنة... الخ الحديث

    • زائر 10 زائر 5 | 2:13 ص

      معاوية

      جاء بعد معاوية بن أبي سفيان ....البشار بن حافظ الأسدي ......هذا للتذكير.

    • زائر 24 زائر 5 | 11:18 ص

      تعجبني زائر 10 ... قصفت الجبهة!

      البشار بن حافظ الأسدي!

    • زائر 4 | 1:03 ص

      اروع اهداء

      «أروع بطولة عرفها التاريخ الإنساني كله»، وأهداه لأمّه «التي علّمتني منذ طفولتي أن أحبّ الحسين، ذلك الحب الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسى غامضاً، وحنيناً خارقاً إلى العدل والحرية والإخاء وأحلام الخلاص».

    • زائر 3 | 12:23 ص

      بشار الأسد

      الاخ قاسم كان من الاولى الإشارة الى ما حدث في سوريا لان التوريث قد حصل اما مصر فهي مجرد فكرة لم يكتب لها النجاح

    • زائر 12 زائر 3 | 4:12 ص

      شغب وتشويش

      السيد قاسم يتكلم عن كتابين لكاتبين مصريين مشهورين. ويتكلم عن قضية اسسها الامويين وفرضوها على الامة قسرا فلماذا محاولة تحريف وعي الامة والتشويش على الموضوع الاصلي. على طريقة كفار قريش:لا تسمعوا لهذا القران والغوا فيه.

    • زائر 1 | 10:44 م

      توسيع الفكرة

      التوريث مبني علي نظرية الخلود و طيران الفرعون في السماء بعد وفاته و هذا كان ممكنا بقيام الابن الوريث بدفن والده في مراسم تبجيل و تعظيم. استمر الحال حتي الان. لماذا التحديد بألف و أربعمائة عام؟

اقرأ ايضاً