العدد 4790 - الأحد 18 أكتوبر 2015م الموافق 04 محرم 1437هـ

أمينة الفردان تتناول الزواج البحريني القرَوي بموروثاته الثقافية

في العدد الـ 31 من «الثقافة الشعبية»...

من طقس «المتيرب» وهو الإتيان بمشمر أخضر مُذَهَّب - لحظة حنِّاء العروس
من طقس «المتيرب» وهو الإتيان بمشمر أخضر مُذَهَّب - لحظة حنِّاء العروس

تُواصل مجلة «الثقافة الشعبية»، في عددها الحادي والثلاثين، اشتغالاتها الرصينة على موضوعات الثقافة الشعبية، وما يرتبط بها من تراث مادي ولا مادي، عبْر نخبة من الباحثين والأكاديميين العرب، غلب على الأسماء انتماؤها إلى بلدان شمال إفريقيا، مع تنوُّع في الخريطة العربية. واحتوى العدد مساهمة الكاتبة البحرينية أمينة الفردان، ببحث تحت عنوان «الزواج البحريني القرَوي والموروثات الثقافية المتأصِّلة»، وبحسب التقديم للبحث تشير الفردان إلى أنه ينطلق «من مقاربة اجتماعية للزواج (العرْس) في المجتمع البحريني، بوصفه موضوعة تكتنز في طيات تداولها معاني الفرح والسعادة، وتحمل في طياته الكثير من الدلالات والرموز التي يمكن استحضارها في ثنايا الاحتفال بهذه المناسبة، والتي يختلط بين عناصرها الطابع التراثي المحلي، والطابع الإقليمي، والعالمي، بفعل التثاقف الإنساني، القيمي والحضاري بين الشعوب».

القرية نموذجاً في موضوعة الزواج، وما يرتبط به من طقوس، وما يستحضره من عادات وثقافات، وطقوس أيضاً، ضمن موروث ظل ثرياً، وإن بدا متحركاً بعض الشيء، إلا أن القواسم المشتركة تظل قارَّة، وإن اختلفت صورها بين منطقة وأخرى، مما لا كبير فرق فيه، ضمن البيئة الواحدة، المترابطة والمتجاورة.

بين الأعراف وتسلُّط الذكورة

تحت عنوان «الزواج القروي البحريني القديم، بين أعراف المجتمع وتسلُّط الذكورة»، تستعرض الفردان الجوانب ذات الصلة «بالمنحى الحياتي الذي يحكم الزواج القروي البحريني، وما ارتبط به من عوامل تقديس، تتخذ من سنن الشريعة الإسلامية مرجعاً لها»، متناولة الدراسة الجوانب المتعلقة بأخذ رأي الفتاة القروية في الموافقة على من يتقدَّم لطلب يدها للزواج أو عدمه «دون إغفال الجوانب المتعلقة بالطقوس الاجتماعية المتوارثة المُصاحبة لهذه المناسبة».

في متن البحث، تتناول الفردان، وتحت عناوين: «المرأة المتزوِّجة في الثقافة الشعبية لمجتمع القرية»، الواقع الذي عاشته ابتداء، من انتشار الأمية، وانعكاس ذلك على واقعها، بطبيعة المجتمع القروي، وفصل المرأة عن حقها في إدارة شئونها وأمورها الشخصية، وبتعبير الفردان «اعتبرت فاقدة للأهلية». في عمق ذلك الواقع يمكن اكتشاف أن الهيمنة على مفاصل المجتمع ذكورية، ولعل المرأة هي الكائن الأضعف ضمن سلسلة طويلة من تلك الهيمنة.

وفي عنوان «الحظ المايل»... في مقولات تأخُّر زواج الفتاة القروية، تورد الفردان، ما يصاحب ذلك الممثل من ممارسة لفظية تقع تحت طائلها الفتاة، والأثر النفسي الذي ينجم عن «القهر اللفظي» بحسب تعبير الفردان «المتمثِّل في سطوة لسان الأمهات، وضمَّتْ في هذا الباب ضمن تناولها عدداً من الأمثال الشعبية والأهازيج المتعلقة بالتي تكون تحت رحمة العنوسة، وما يجره ذلك عليها من تمنِّي الموت، الذي هو بمثابة فرج لها، وإنقاذ لها من ذلك الواقع الذي يتحوَّل إلى «سُبَّة» في شكل أو آخر.

مروراً بعدد من العناوين التي تناولها البحث وهي: الزواج القروي البحريني في مجتمع متغيِّر، وبعض عادات الزواج وتقاليده في مجتمع القرية بين القِدم والتحوُّل، ويتفرَّع عن هذا العنوان، تناول لزواج الأقارب بين الثابت الاجتماعي والمتحوِّل الحضاري، وزواج المرأة بزوج أختها بعد وفاته، ومنع مشاهدة العروس من قبل خطيبها إلا في ليلة الدخْلة، وطقوس الزواج القروي، ويتفرَّع عنه: طقس التزيين، طقس التنوير، طقس الحنَّاء للعروسين، طقس الجلْوة، طقس تحسين/ تحسونة المعرس، طقس يوم الوليمة، طقس زفاف المعرس، طقس التدويس، طقس المتيرب، وهو الاتيان بمشمر أخضر مُذَهَّب، بعدها تقف جميع النسوة من الأقارب غالباً حول العريسين، طقس الحراسة، وطقوس ما بعد ليلة الدخْلة وصباحية الصبْحة، وطقس الحِوال، «وهو طقس يتم التهيئة له بعد مضيِّ سبعة أيام على الزواج والإقامة في الفرْشة، حيث ينتقل العروسان من بيت العروس إلى بيت والد المعرس»، مختتمة الفردان بحثها بتناول التحولات في صورة الزواج البحريني القروي، وتجاوز حضور الموروثات الثقافية المتأصِّلة فيه، بفعل المتغيرات التي طالت الكثير من أوجه الحياة التي امتدت إلى القرية.

المُفتتَح... و«مُعجم الألفاظ»

في مُفتتَح العدد، تناول رئيس التحرير، باحث التراث والشاعر، علي عبدالله خليفة، الجهد والإضافة الغنيِّة التي احتواها «معجم الألفاظ والتعابير الشعبية في البحرين والخليج العربي»، للباحث والموسيقي محمد أحمد جمال، الذي جاء في أكثر من 500 صفحة من الحجم الكبير، احتوى على مادة ثريَّة وموسوعيَّة من المعلومات والروايات والأبيات الشعريَّة، والمووايل والأمثال الشعبيَّة والعربية «والأسانيد المختلفة حول معاني ومصادر الألفاظ والمسمَّيات والتعابير الشعبية البحرينية؛ إنْ لم نقُل العربية في منطقة الخليج العربي».

وقد التفت خليفة في تناوله لجهد الباحث جمال، إلى جهود من سبقوه من باحثين وكتَّاب، اشتغلوا على مشروعات توثيقية، وموسوعية، كانت محل إهمال وإعراض من قبل دوائر رسمية، كان من المفترض أن تلتفت إلى تلك النوعية من المباحث والموضوعات، لما لها من رمزية في تثبيت جانب مهم من جوانب الذاكرة، وجوانب من الثقافة التي شكَّلت وعي الإنسان، من دون أن تجعله أسير تلك الثقافة؛ بل نزع - بطبعه - إلى الانفتاح على ما حوله من ثقافات وتجارب وفنون. ويستذكر رئيس التحرير أسماء روَّاد في هذا المجال أمثال: الربَّان راشد فاضل آل بنعلي، عبدالله محمد خميس، والعلامة السعودي حمد الجاسر، وعبدالكريم الجهيمان، والشيخ محمد علي الناصري، والأديب عبدالله الطائي، والباحث والمؤرخ الشاعر مبارك الخاطر، وسيف مرزوق الشملان، التفاتاً منهم إلى العصب والركن الذي تشكِّله الثقافة الشعبية باعتبارها مرآة، وجانباً مهماً من ذاكرة أي شعب من الشعوب.

وأشار خليفة إلى أن مجلة «الثقافة الشعبية»، في صدد تنظيم ورشة عمل خاصة لتقييم «معجم الألفاظ والتعابير الشعبية في البحرين والخليج العربي»، بمشاركة اختصاصيين وخبراء لتحديد ما على هذا العمل من ملاحظات، وما يجب الأخذ به من تصويبات وإضافات، مع مراعاة أن تُعالج مجمل مادته الكتابية، وما يلزمه من رسوم وصور، برؤية إخراجية احترافية لائقة، مع اقتراح أن تتم إعادة طباعته في أجزاء يسهل تداولها.

الثقافة الشعبية

بين المادي واللامادي

تضمَّن العدد دراسات وأوراق بحث شارك فيها كل من: أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، عاطف عطية، ببحث حمل عنوان «الثقافة الشعبية بين المادي واللامادي»، استهله بالإشارة إلى أن الثقافة الشعبية يمكن أن تكون متوافقة أو متناقضة مع ثقافة السلطة، من حيث هي مُعبِّرة عن أماني الناس العاديين، وتطلعاتهم وأحلامهم، قربت أو بعدت عن اهتمامات السلطة وثقافة النخبة. مُقرِّراً أنه يمكن للثقافة الشعبية أن تتغلَّب إذا ما داخلتْها ثقافة المعارضة السياسية لتتحول، من بعد، إلى ثقافة سلطة، ومن ثم إلى ثقافة رسمية لتعود إلى الفصل بين ما هو رسمي وما هو شعبي. وفي محصلة ذلك التقرير، يرى عطية، أن ثمة إمكانية تغلُّب الثقافة الشعبية على الثقافة الرسمية بطوباويتها، ولو إلى حين، ومن ثم تتحول هذه الطوباوية إلى ثقافة واقعية تغلب عليها أيديولوجيا السلطة، من حيث كونها ثقافة رسمية بديلة، عمل على تأبيد سلطتها، وتوجهها المتعالي.

وخلص عطية في بحثه إلى أن التراث اللامادي أمانة مجتمعية، على المجتمع بكل أطيافه المحافظة عليه بعد جمعه وتصنيفه؛ ليبقى ذخيرة حيَّة للأجيال القادمة. وهذا الاهتمام، وهذه الرعاية لا يأتيان دون الوعي بأهمية التراث لا مادياً كان أو مادياً. فالتراث دليل على الهوية، والهوية هي التي تحفظ لنا مكاناً في هذا العالم، وهي التي تقدِّم بالصوت والصورة والكلمة ثقافتنا إلى العالم.

الشعر الشفوي النسوي

«الوحدة والتعدُّد في الشعر الشفوي النسوي»، ورقة للباحثة المغربية فاطمة الدليمي، تناولت فيها مثل هذا النوع من الشعر، الذي بدأته بالهجينيات الرباعية، الذي يقصر أو يطول ليبلغ عدد أبياته سبعة أو أكثر، ما يجعله عرضة لانكشاف الصنعة فيه، ويفتر فيه جانب الوهج الوجداني، واللاندي: وتنشده نشاء البشتون الأفغانيات، وهو شعر شفوي يرافق المرأة حيثما كانت، وترتجله عند نبع الماء أو في الحقل أو في الأعراس، ومن سماته أن مقطوعاته قصيرة جداً، وله ثيمتان: الهجاء، وتغلب عليه لغة الاستفزاز. مثال: لا يود «البشع الدميم» الموت إثر حمَّى أصابته، قررتُ أن أدفنه في الغد حيَّاً. قفزت إلى النهر، فلم تجرفني الأمواج، «البشع الدميم» محظوظ، يُلقي بي دوماً مرفوضة على الضفة.

وهنالك الغزل في هذا النوع، ومثاله: حين أمرُّ بضريح وليٍّ أرميه بالحجارة، لأن كل نذْر نذرته لم يُستجب. ومنه الدَّارمي، وهو شعر نسائي شفوي عراقي، يتكون من بيت أو بيتين، وموضوعه إما فرح أو حزن، إلا أنه عموماً يتوجَّه إلى الغزل. وهناك الهجيني النسوي، وكذلك التبْراع، وهو نسوي محض سائد في موريتانيا والصحراء، والتبريعة بيت شعري من شطرين تعبِّر به الفتيات عن عواطف الحب.

وفي البادية، من الناحية الشرقية في ليبيا، تألف المرأة وتؤدِّي أغنية تُدعى «غنَّاوة العَلَم»، وبعد أن كان حصراً على النساء صار الرجال يغنُّونه أيضاً، والغنَّاوة، هي الأغنية، والعَلَم، هو المكان المرتفع أو مكان إشعال النار. مروراً برباعيات نساء فاس، وهي مقطوعات شعرية غزلية تقتصر على نساء فاس، أثناء تجوالهن في الحدائق، ولعبهن بالأرجوحات، ويختتم الإنشاد بالزغاريد، وغيره من ضروب الشعر، مختتمة الدليمي ورقتها في ما يتعلق بتقسيم الأشكال والأنواع بين الرجل والمرأة في هذا الضرب من الشعر المصاحب للغناء أو الإنشاد، بالقول، إن ذلك «يرتبط عند الشعوب بالنظام العائلي، وبتقسيم العمل خصوصاً، فالغناء لدى شعوب إفريقيا وأميركا، عند الهنود الحمر، طقس من طقوس العمل»، علاوة على الفواصل التي يتم وضعها في هذا المجال لرسم الحدود لدى لبعض الشعوب، فهنالك منها «من يضع حدوداً فاصلة بين أداءات المرأة وأداءات الرجل، والبعض الآخر تكون أقلَّ حدَّة، إلا فيما يتعلق بالغزل، فالحدود غالباً غير موجودة».

مقاربة أنثروبولوجية من جنوب المغرب

وفي ورقة بعنوان «الواقعي والأسطوري في الثقافة الشعبية... مقاربة أنثروبولوجية ثقافية من جنوب المغرب»، للأستاذ بجامعة محمد الخامس المغربية، محمد جودت، يعمد إلى رصد مكوِّنين أساسيين في الأدب الشعبي، من خلال نصوص عملية مأخوذة من سياق ثقافي حكائي قوي؛ ومستمر في التحول ضمن بنية مجتمعية في جنوب المغرب، محاولاً تتبُّع ميكانيزماتها في بناء القيم والذاكرة الجماعية.

وتُحدِّد الورقة «مقاربة وجهين أساسيين من وجوه هذه الإبداعية، وتحدِّد المجال النصي الذي تقترحه في: امتصاص التخيُّلي الأسطوري»، وذلك من خلال تحليل نص أسطوري مغربي (حمو أونمير)، النموذج المرويّ من عدَّة قبائل مغربية، محكياً أو مُغنَّى، و «امتصاص اليومي والواقعي»، بمقاربة من الشعر الشعبي المغربي المُغنَّى، الذي كان سبباً في اندلاع الثورة ضد المستعمر.

وكما يشير جودت في ورقته، فإن الأنثروبولوجيا عمل إشكالي، لارتباطها بالشعوب البدائية، مستشهداً بكلود ليفي شتراوس، الذي يرى أن «الأنثروبولوجيا ولدت ضمن صيرورة تاريخية، تم من خلالها استبعاد القسم الأكبر من البشر بواسطة قسم آخر»، مُعتبراً شتراوس بأنها «ابنة عصر العنف، وهي إذا ما كانت قادرة على التعاطي موضوعياً مع بعض الظواهر الإنسانية، فهي مدينة بهذه الميزة المعرفية إلى حالة من الواقع ادَّعى فيه قسم من البشرية حق معالجة (الآخر) كموضوع، شيء».

تضمَّن العدد أوراق كل من: صادق السلمي: «الأمثال والأغاني الشعبية في الرواية اليمنية»، محمد أحمد: «الصلحاء والصالحات في الجنوب التونسي»، محمود تهامي: «الحضرة الصوفية لدى أتباع الطريقة الخلوتية الجودية»، بوعزيز سمحون: «الغناء البدوي للمهاذبة بمنطقة المزونة»، عبدالكريم قادري: «موسيقى الإمزاد... شمس الطوارق التي لا تغرب»، ليلى صالح البسَّام: «الأزياء التقليدية في منطقة جازان وعلاقتها بالبيئة والمجتمع»، تهاني ناصر العجاجي: «الأزياء التقليدية للأطفال في بادية نجْد»، عبداللطيف محمد حسين: «صناعة الفركة: بين الموروث الحضاري والمردود الاقتصادي»، سلام مراد: «الأدب الشعبي والذاكرة الشفهية»، مع الكاتب والباحث منير كيَّال، وتستعرض سعاد محمود نجيب كتاب «توفيق الحكيم والأدب الشعبي... أنماط من التناص الفولكلوري»، للراحل، أستاذ الفولكلور سابقاً بكلية الآداب بجامعة الكويت، محمد رجب النجَّار، وختاماً، قراءة لمدير عام مركز دراسات الفنون الشعبية بالقاهرة، أحلام أبوزيد، كتاب «ملامح التغيُّر في القصص الشعبي الغنائي»، لأستاذ ورئيس قسم الأدب الشعبي بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون بمصر، إبراهيم الحافظ.

غلاف العدد
غلاف العدد




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً