العدد 4816 - الجمعة 13 نوفمبر 2015م الموافق 30 محرم 1437هـ

اللاجئون بين الاشتراكية والرأسمالية

رضي السماك

كاتب بحريني

لعل واحدة من أبرز المفارقات السياسية التي كشفتها لنا مواقف الدول الأوروبية، وكيفية تعاطيها مع أزمة تدفق اللاجئين والذين جلهم من السوريين تتمثل في أنه في الوقت الذي أبدت فيه معظم دول غرب أوروبا الرأسمالية وفي مقدمتها ألمانيا تعاطفها بدرجات متفاوتة مع اللاجئين الذين فرضوا أنفسهم على أوروبا كأمر واقع انطلاقاً من دواعٍ إنسانية وتمشياً مع أنظمتها وتقاليدها وقيمها الليبرالية في الالتزام بحقوق الإنسان والديمقراطية، فإن دول شرق أوروبا المعروفة سابقاً بالمعسكر الشرقي أو «المنظومة الاشتراكية « التي انهارت أنظمتها في أواخر ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي أبدى معظمها امتعاضه من تدفقهم ولم يتورع بعضها من إصدار تهديدات عنصرية تحذر من خطورة تهديدهم لهوية أوروبا المسيحية كما تجلى في تصريح رئيس وزراء هنغاريا فيكتور اوربان وهي أكثر الدول الأوروبية تشدداً ليس في استضافتهم فحسب؛ بل وفي قمع تجمعاتهم وتظاهراتهم المسالمة لمنع عبورهم إلى أوروبا الغربية، وبخاصة ألمانيا التي رحبت بهم وأعلنت أخيراً إتاحة فرص العمل لهم في شركاتها الصناعية مما يعني تعاطيها معهم كلاجئين مقيميين لفترات طويلة .

ووجه المفارقة إنما يكمن تحديداً في أن دول أوروبا الشرقية ذات الأنظمة «الاشتراكية» السابقة إنما عُرفت بتأييدها لقضايا العرب وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وبدعمها وصداقتها للأنظمة القومية العربية ومنها فيما يهمنا هنا بوجه خاص سورية، وكذلك عُرفت برفعها الشعارات الأممية التي تنبذ العنصرية والتعصب القومي.

بينما عُرف عن دول غرب أوروبا الرأسمالية ومازال يُعرف عنها تأييدها ودعمها القويين لعدوة العرب «إسرائيل» مقابل علاقاتها الفاترة إن لم تكن المعادية مع الأنظمة القومية العربية ومن ضمنها بطبيعة الحال سورية؛ بل إن ألمانيا نفسها التي توحّد شطراها الشرقي والغربي بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أُقيم على الأول دولة اشتراكية والثاني تمت عليه إعادة بناء ألمانيا رأسمالية بوجه ليبرالي جديد إثر دحر النازية فإنه بحسب استطلاع اُجري بعد تفاقم أزمة اللاجئين الأخيرة تبين أن سكان الشطر الشرقي الذين عاشوا في ظل النظام «الاشتراكي» السابق أبدوا معارضة شديدة لاستضافة اللاجئين العرب، في حين تراوحت ردود أفعال في الشطر الغربي في الغالب بين الترحيب باللاجئين والتفهم لمأساتهم وبين معارضة يمينية محدودة.

ولعل من أهم الدروس المستفادة من تلك المفارقة بين أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية في طريقة معاملة اللاجئين ما تكشّف لنا من انفصال مُثل وقيم كلا النظامين الاشتراكي السابق والرأسمالي الحالي عن الممارسة، فالأول بالغ كثيراً في منجزات بناء الاشتراكية المتحققة على أرض الواقع بما في ذلك الهالة التي صورها عن الإنسان الاشتراكي الجديد الأممي المتسامي على ذاته المُحب لسعادة الشعوب ونصرة قضاياها المبدئية وهذا مناقض لما كشفه انهيار أنظمتها من جذور عميقة تعتور التجربة وأفضت إلى انهيارها ولاسيما غياب الديمقراطية ومبدأ تداول السلطة والفصل بين السلطات الثلاث. والثاني وإن تميز عن الآخر بهذه المزايا فإنه مازال يفتقر للقدرة على تطوير تجربته الليبرالية الرأسمالية ولو بحد أدنى من الوجه الإنساني غير المتوحش من خلال التحكم في فلتان النهم اللامحدود لجني الأرباح الاستغلالية حتى لو جاء ذلك على حساب العدالة والمساواة الاجتماعيتين لصالح أقلية عبارة عن طبقة منتفعة هي التي تحدد السياسات الخارجية المتساوقة مع مصالحها.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4816 - الجمعة 13 نوفمبر 2015م الموافق 30 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:20 م

      طبيعة السلطة

      الانطمة القائمة حالياً في العديد من دول أوربا الشرقية، ليس لها علاقة بالاشتراكية وخاصة القوى السياسية التي انقلبت وغيرت لافتاتها السياسية من أجل السلطة والمال، حتى بقية الحرس القديم المتمكن والذي استمر وجوده بعد الفترة الاشتراكية، كان لهم دور سلبي ومدمر في تلك الحقبة .......س.د

اقرأ ايضاً