العدد 4824 - السبت 21 نوفمبر 2015م الموافق 08 صفر 1437هـ

سائق الأجرة السابق... يوكيان الذي اشترى لوحة موديلياني بـ 170 مليون دولار

موديلياني في صورة تعود إلى العام 1909
موديلياني في صورة تعود إلى العام 1909

بائع حقائب اليد المُفلس، ومن بعدها سائق سيارة الأجرة الذي تحوّل إلى ملياردير، لُو يوكيان (52 عاماً) الجاهل بالفن أساساً كما يعترف هو، من بين 5 تنافسوا على شراء لوحة الفنان الإيطالي أميدو موديلياني «المتكئة العارية» في مزاد كريستي بنيويورك يوم الاثنين (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)؛ حيث دفع عبر الهاتف من خلال وكيلة له في مكتب كريستيز بهونغ كونغ، أكثر من 170 مليون دولار ثمناً لها.

ابن الأسرة التي تنتمي إلى الطبقة العاملة في مدينة شنغهاي، قرَّر أنه لا ينتمي إلى المدرسة وكان في المرحلة المتوسطة؛ اختياراً لمدرسة الحياة، وكان خياره مساعدة أمه كبائع جائل لحقائب اليد. مع توفيره مبلغاً مكّنه من شراء سيارة مستعملة، في فترة أنهت فيه الحكومة الماركسية الماوية الاحتكار؛ وصولاً إلى استثمار مبالغ متفاوتة في البورصة الصينية في تسعينات القرن الماضي؛ وذلك ما وفَّر له مبلغاً ضخماً قُدِّر وقتها بميلونيْ يوان، فتح أمامه «طاقة السعْد» كما يقال، ليبلغ ما بلغ، وليصبح واحداً من مليارديرات الصين، باستثمارات متنوعة، تملكها شركته القابضة «سن لاين»، النشطة في مجال المواد الكيميائية، التنمية العقارية، ووحدة في الاستثمار المالي. التقارير؛ بما في ذلك مجلة «فوربس» في قياسها لحجم الثروات، تشير إلى أن ثروته وصلت إلى ملياريْ جنيه إسترليني.

ومثلما فُغرت أفواه في صالات المزادات التي يشارك فيها يوكيان؛ فغر كثيرون أفواههم لقصة رجل بدأ من تحت الصفر، وبات يتحكّم في ثروة لم تضع صاحبها رهين الخوف على تلاشيها؛ بل على العكس من ذلك؛ إذ بدأ بالمخاطرة، ولا يزال يمارسها ولكن بعد الاطمئنان اليوم إلى تنوع محفظته الاستثمارية.

ومن الأحكام السائدة لدى عديد من الصينيين على تبذيره، إضافة إلى شرائه اللوحة الأخيرة وكوب الخزف الصيني بقيمة 21 مليون جنيه إسترليني، اشترى العام الماضي منسوجة تعود إلى القرن الخامس عشر للتيبتي «ثانغكا»، في مزاد بقيمة 30 مليون جنيه إسترليني.

يضاف إلى المنسوجة، شراؤه في مارس/ آذار الماضي، ألبوماً للفن البوذي، وخط يد يرجع إلى 600 عام، بمبلغ 10 ملايين جنيه، وفي الشهر الذي تلاه، اشترى إناء بالمبلغ نفسه.

وعلى رغم كل الانتقادات من حوله، والحملات التي تشنها الحكومة بشكل أكثر صرامة من حيث تحقيقاتها مع الذين تتضخم ثرواتهم، يكرر يوكيان القول، إن نشاطه في عالم المزادات العالمية، وشراء أعمال بتلك المبالغ القياسية، هدفه الحفاظ على الكنوز الفنية الصينية وإرجاعها إلى موطنها وشعبها الأصلي، كما أنه جمع ثروته بالطرق القانونية والمشروعة.

كين آمي، وتغطية من بكين لصحيفة «نيويورك تايمز» يوم الثلثاء (17 نوفمبر 2015)، مع هوامش ارتأى محرر «الوسط» ضرورتها ترتبط بتفاصيل من حياة يوكيان لم ترد في التغطية/ التقرير.

9 دقائق حسمت المنافسة

مع أن كلفة ما جاء لاقتناصه لُو يوكيان تخطَّى بكثير الـ 100 مليون دولار، حافظ على هدوئه.

قال: «كنت على الهاتف مع فتاة من (كريستيز) في هونغ كونغ، وكانت تزايد على اللوحة نيابة عني. ظلَّت تُسقط الهاتف لفرْط توترها وارتباكها. كانت في حال عصبية جداً». ويتذكَّر لُو في غرفته الفندقية بالعاصمة الصينية (بكين) يوم الجمعة. «قلت لها: «لماذا أنت عصبية جداً؟ أنا الشخص الذي سيدفع، ومع ذلك لست عصبياً. عليك شراء اللوحة».

وبذلك أمَّن لُو اللوحة الزيتية التي تصوِّر امرأة عارية ممدَّدة للفنان الإيطالي أميديو موديلياني، والتي تعود إلى مطلع القرن العشرين، وتم عرضها في مزاد كريستيز بنيويورك يوم الاثنين (9 نوفمبر 2015).

خلال لحظات التوتُّر التي استمرت فيها المزايدة على اللوحة، بيعت بعد 9 دقائق من المنافسة الشديدة بين ستة مشترين واستحواذ لُو على اللوحة التي ظلَّت في المجموعة الخاصة ذاتها لنحو ستين عاماً، وعُرضت لتكون العمل المحوري ضمن مجموعة تضم 34 من أعمال موديلياني تحت عنوان «ملهمة الفنان»، بحسب خبر أوردته وكالة «رويترز»، ليعلن لُو أنه تغلَّب على خمسة منافسين، من خلال تقديم عرض وصل إلى 170,400 مليون دولار أميركي؛ مع الرسوم، ليعدَّ واحداً من أعلى الأسعار التي تم دفعها لعمل فني في مزاد علني.

وقالت زوجة لُو، وانغ وي، والتي كانت في هونغ في ذلك الوقت: «بمجرد أن سمعت أن اللوحة ذهبت إلى مشترٍ آسيوي، عرفت أنه هُوَ».

وأضافت «لم يرسم موديلياني عدداً كبيراً جداً من اللوحات العارية، وتعدُّ هذه واحدة من أفضل أعماله. كانت بالتأكيد تستحق الثمن الذي دُفع من أجلها».

كوب خزف بـ 21 مليون جنيه

صنع لُو وزوجته وانغ، وكلاهما في الثانية والخمسين من عمرهما، لنفسيهما اسماً في الأوساط الفنية الصينية، ولُو على وجه التحديد، واحد من ضمن مجموعة صغيرة من جامعي الأعمال الفنية الرئيسية في البلاد. بالنسبة إلى كثيرين، يظل سائق سيارة الأجرة السابق الذي تحوَّل إلى ملياردير، وأثار ضجة في أوساط الصينيين عندما اشترى العام الماضي (2014) في مزاد سوثبي كوباً خزفياً صغيراً من عهد سلالة مينغ، عمره 500 عام بمبلغ 21 مليون جنيه إسترليني (36,300 مليون دولار أميركي)، والتقطت له صورة وهو يشرب الشاي من الكوب العتيق.

تُعرف زوجته وانغ باعتبارها القوة الدافعة والمدير العام الذي يقف وراء متحف لونغ التابع لهما، والذي يتفرَّع عنه اثنان في شنغهاي. وعلى مدى أكثر من 20 عاماً، اقتنى الاثنان مجموعة واسعة من الفن الصيني أغلبها ضمن الفن التقليدي والمعاصر، والكثير منها معروض في المتاحف الثلاثة.

يوماً بعد آخر، انخرط لُو في عمليات الشراء. هو ووانغ استأنفا حضورهما في المزادات العالمية، يسافران إلى بكين لحضور مزادات فنية في أحد كبار البيوت «چاينا غارديان». وقالا إن هدفهما هو تحويل «متحف لونغ» ليصبح وجهة عالمية المستوى، يمكن له أن يستقطب محبِّي متحف الفن الحديث ومتحف غوغنهايم في نيويورك. (يحتوي متحف لونغ، الذي يملكه الزوجان على أكثر من 2300 قطعة يعود امتدادها إلى موطنه الأصلي في الصين «شنغاي»).

وقال لُو: «كل متحف يحلم بوجود لوحة موديلياني ضمن مقتنياته»، مضيفاً «الآن، لدى متحف صيني تحفة مُعترف بها عالمياً، ولم يعد أبناء بلدي بحاجة إلى مغادرة البلاد لرؤية تحفة غربية. أشعر بالفخر حيال ذلك».

موضحاً أن «الرسالة واضحة للغرب: لقد اشترينا مبانيهم، واشترينا شركاتهم، والآن نمضي لشراء فنهم».

بائع حقائب اليد

مع اقتنائه اللوحة التي رُسمت في الفترة ما بين 1917-1918، يبدو أن الرسالة تلك قد بلغت الأرجاء. «كان شراء اللوحة بمثابة إعلان لوصوله»؛ بحسب ما قال العضو المنتدب للمزادات في «Paddle8»، وهو بيت للمزاد على الانترنت، توماس غالبريث، والذي أضاف «أي شخص في عالم الفن لم يعرف اسمه (لُو) بات يعرفه الآن».

صعود لُو تأتَّى من قصة إحدى الطبقات التي برزت في فترة ما بعد مرحلة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، بالثراء الذي بدأ يطل. ترعرع وسط عائلة من الطبقة العاملة في شنغهاي فترة ستينات وسبعينات القرن الماضي. وقال، إنه عرف في وقت مبكر رغبته بالانخراط في الأعمال. بعد أن انسحب من دراسته في المرحلة المتوسطة؛ حيث بدأ في مساعدة والدته ببيع حقائب اليد الجلدية، ليعمل سائق سيارة أجرة في وقت لاحق.

في العام 1983، كان لايزال يحتال على العيش كصاحب أعمال صغير، عندما التقى وانغ، وكانت تعمل طبَّاعة في جامعة شنغهاي.

وبحلول أواخر ثمانينات القرن الماضي، مع التحرُّر الاقتصادي الذي عرفته الصين، قال لُو، إن حظوظه تحوَّلت في شكل سلسلة من الاستثمارات.

اليوم، هو رئيس مجلس إدارة مجموعة سن لاين، وهي شركة قابضة مقرُّها في شنغهاي، وتشمل نشاطاتها حقل المواد الكيميائية والتنمية العقارية ووحدة مالية. بالإضافة إلى امتلاك حصة في شركة أدوية، كما كان مستثمراً في وقت مبكِّر في مجلس بكين للمزاد الدولي، وهي شركة مزاد في العاصمة الصينية، ساهم في إنشائها أحد اصدقاء وانغ. واستناداً إلى مجلة «فوربس»، بلغ إجمالي أصول لُو في العام 2015 نحو 1.22 مليار دولار.

وقال رئيس مجلس بكين، والصديق القديم للزوجين، دونغ جوتشيانغ: «قد تبدو قراراته خطرة جداً، ولكن الناس ينسون أنه أمضى حياته كلها في تقييم المخاطر في أسواق رأس المال».

الهواية أصبحت هاجساً

وكانت سوق الفن الصينية لاتزال في مراحلها الوليدة عندما بدأ لُو ووانغ حضور المزادات لشراء الأعمال الفنية في وقت مبكِّر من تسعينات القرن الماضي. وعلى مَرِّ السنوات، ما بدأ هواية أصبح هاجساً.

وفي حين يفضِّل لُو جمع الأعمال الفنية والأشياء التقليدية الصينية، ركَّزت وانغ على اقتناء أعمال فنية من عصر الثورة الثقافية، وبعد ذلك اتجهت إلى الفن الصيني المعاصر والفن من جميع أنحاء آسيا، وانطلقا في جمع أعمال لفنانين غربيين أيضاً، وتشمل مقتنياتهما الآن عمل لجيف كونز.

قبل عدَّة سنوات، بدرت لوانغ، التي نصَّبت نفسها كـ «متعصب للفن» فكرة فتح متحف كي يتمكَّنا من عرض مجموعتهما للجمهور. ولكن قبل ذلك، كانت في حاجة إلى إقناع لُو.

وقالت: «كل أصدقائنا كانوا يشترون الطائرات الخاصة، وأفصح عن رغبته هو أيضاً في امتلاك واحدة. رفضتُ ذلك. قلت له: دعنا نخصص مزيداً من المال للبدء في متحف، وسيكون مفيداً لشنغهاي، وكذلك للبلد عموماً»؛ لذلك افتتح لُو ووانغ، متحف لونغ بودونغ، في العام 2012، وهو واحد من العديد من المتاحف الخاصة التي بدأت تبرز في شنغهاي في السنوات الأخيرة؛ حيث تحاول الحكومة المحلية تحويل المدينة إلى عاصمة للثقافة العالمية.

وفي العام 2014، تم افتتاح الفرع الثاني: متحف لونغ غرب بوند، وهو جزء من مشروع ترعاه الحكومة لتطوير ممر ثقافي على الواجهة البحرية في شنغهاي، ويضم المتاحف الخاصة، ويعدُّ مجمعاً ترفيهياً كبيراً، وقريباً، سيتم افتتاح مقر لـ «دريم ووركس»، وهو عبارة عن مشروع استوديو صيني مشترك للرسوم المتحركة.

وتتراوح المعارض بين فعاليات كبيرة للفن الثوري احتفالاً بالذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، ومعرض لأداء فني برعاية كلاوس بيسينباتش، من متحف الفن الحديث، وهانس أولريخ أوبريست من «Serpentine Gallery» في لندن.

التخطيط لمتحف ثالث

وكما قالت وانغ، فقد حصلا على خصم من الحكومة على الأرض في منطقة غرب بوند، وتبلغ تكاليف التشغيل الإجمالية 9.5 ملايين دولار لكلا المتحفيْن هذا العام. وجاءت تلك التقديرات من قبل لُو وزوجته.

من جهته، قال لُو، وهو ينفث سيجارته: «أعتقد أنني سأخصِّص بقية حياتي والمال لبناء هذا المتحف». (ويخطط الزوجان لفتح فرع ثالث في جنوب غرب مدينة تشونغتشينغ، في العام المقبل).

إلى ذلك قالت رئيسة كريستيز الصين ساى جينكينغ، إن الزوجين يُجسِّدان «أفضل مثال» لهذا الجيل من جامعي الأعمال الفنية الصينية.

«انطلقا بما يعرفانه، وهو الفن الصيني، ثم توسَّعا باتجاه الفن الآسيوي، والآن، يحتضنان الفن الغربي، وبدأ الاثنان في جمع ما يعرفانه».

ولكن قلَّة من هواة جمع التحف في الصين يتباهون علناً بثرواتهم بالطريقة التي يقوم بها لُو ووانغ؛ وخاصة أن الحكومة تشن حملة على بذخ الموظفين الذين يتقاضون أجوراً منها (بالتقصي عن مصادر ذلك البذخ الذي توفره الثروات). ولايزال لُو تاجر أسهم نشطاً، موضحاً أنه لا يشعر بالقلق بشأن الحملة الامنية، لأنه اكتسب ماله من خلال الوسائل القانونية والمشروعة؛ بحسب قوله.

وانتقد عديدون لُو ووانغ بسبب ما يرونه تبذيراً منهما، وافتقاراً إلى الذوق. وفي المناقشات التي من حولهم، يُعرف الاثنان باسم «تاهو»، وهو مصطلح صيني لوصف الأثرياء الجُدد الذين يفتقرون إلى المرجعية الثقافية. إلا أنه لم يَنفِ عن نفسه ذلك الوصف «بالتأكيد أنا (تاهو)؛ ولكن على الأقل هذا (التاهو) يستقطب تحفة إلى الصين والشعب الصيني كي يستمتعوا بها». مشيراً إلى أنه لا يُخطط لبيع اللوحة.

ضوء

يُذكر، أن أميدو موديلياني ولد في 12 يوليو/ تموز 1884، وتوفي في 24 يناير/ كانون الثاني 1920، بليفورنو، في مقاطعة توسكاني الإيطالية.

انتقل إلى فلورنسا ليلتحق بصفوف الدراسة على يدي فاتوري العام 1902 في المدرسة الحرة للعراة، وقام بنقل نفسه بعدها في مارس 1903 إلى فينيسا؛ حيث سجَّل في مدرسة مشابهه؛ ليلتقي هناك بمن سيصبحون قادة المدرسة المستقبلية: فيليبو توماسو مارينيتي، أومبيرتو بوكوني، وأردينجو سوفيسي.

يشار هنا إلى أن المستقبلية، حركة فنية تأسَّست في إيطاليا في مطلع القرن العشرين، وكانت تشكِّل ظاهرة. كان الكاتب الإيطالي مارينيتي مؤسّسها، والشخصية الأكثر نفوذاً فيها. وينشط المستقبليون في جميع فروع الوسط الفني، بما في ذلك الرسم والنحت، والخزف، والتصميم الجرافيكي، التصميم الصناعي، التصميم الداخلي، والمسرح، والأزياء، والمنسوجات، والأدب والموسيقى والهندسة المعمارية وحتى فن الطهي. وهي عموماً ذات سمات تبتعد عن كل ما هو قديم وتقليدي وهادئ. واعتُبر هذا الفن من مبتدعيه فناً للمستقبل؛ ولذا رفضت فلسفة هذا الفن كل الفنون السابقة قاطبة، واعتبرتها فنوناً فاشلة ومزيَّفة، ودعت إلى محوها وبناء فن جديد لا يشبه أي فن آخر سبقه.

كوب اشتراه لو بـ 21 مليون جنيه إسترليني العام الماضي
كوب اشتراه لو بـ 21 مليون جنيه إسترليني العام الماضي




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً