العدد 4824 - السبت 21 نوفمبر 2015م الموافق 08 صفر 1437هـ

ما أغناكِ يا عاصمة «الأنوار» عن كل تلك الفواجع!

رضي السماك

كاتب بحريني

حينما ضرب الإرهاب المتوحش على يد «داعش» برج البراجنة في الضاحية الجنوبية ببيروت مساء يوم الجمعة، 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، والذي راح ضحيته ما يقرب من 50 مواطناً لبنانياً من الأبرياء المدنيين، عدا الإصابات الخطرة والبليغة، بدت الكارثة للعالم الغربي حينها ليست سوى حلقة من حلقات مسلسل الزلازل العادية الضعيفة التي يستحق الإلتفات إليها، بل ومثلها في ذلك حتى الزلازل الكبرى التي لطالما فرمت لحوم العراقيين، بالدرجة الأولى، منذ الاحتلال الأميركي لبلادهم، ثم دارت آلة الفرم الداعشية تباعاً على لحوم السوريين واليمنيين والمصريين والليبيين والتونسيين والخليجيين بدرجات متفاوتة. أما وقد وقعت هجمات باريس الإرهابية المباغتة على يد نفس التنظيم ولم تمضِ سوى 24 ساعة فقط على زلزال برج البراجنة حتى زلزلت الأرض زلزالها وبدا كما لو أن هذا الزلزال ضرب كوكبنا بأسره فاستنفر العالم الغربي أشد أستنفاراً، أمنياً وعسكرياً وسياسياً وإعلامياً، هذا مع أن القتلى الذين ناهزوا 230 قتيلاً،حتى كتابة هذه السطور، الذين سقطوا ضحايا الإجرام البربري «الداعشي» بشر أبرياء لا يختلفون عن عشرات الألوف من البشر الأبرياء الذين يلقون حتوفهم في منطقتنا العربية على أيدي الجماعات الإرهابية ذاتها.

لا تكمن المفارقة في الزلزال الذي ضرب عاصمة «النور» في أن فرنسا واحدة من دول الغرب التي تتبع سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع قضايا منطقتنا العربية، وإنما أيضاً أن يرث هذه العاصمة العظيمة سياسيون ليسوا جديرين بتمثيل إرثها الفكري والسياسي المستنير لثورتها العظيمة التي نفحت العالم قيم الحرية والعدالة والمساواة. فهؤلاء، وبخاصة من يملكون صناعة القرار في «الإليزيه»، أبعد ما يكونون اليوم عن مراعاة مصالح وأمن شعبهم المضلل سياسياً طويلاً، دع عنك مراعاة شعوبنا العربية، وهم كانوا كذلك طوال الحقبة الاستعمارية لأسلافهم، ولا يتسع المقام هنا لاستعراض أهوال جرائمهم بحق شعوبنا العربية التي تعرضت للاستعمار الفرنسي وسرقة ثرواتها ثم منعتهم العزة بالإثم بعد نيل تحررها حتى من مجرد الاعتذار عنها، فما بالك بحقوقها المشروعة في التعويضات المالية؟!

وإذا ما اقتصرنا على الأزمة السورية الراهنة وصرفنا النظر عن تاريخ خطايا السياسات الفرنسية في عالمنا العربي فما كان ينبغي على باريس البتة أن تنساق وراء واشنطن وتزج نفسها في هذه الأزمة وتتوهم بسقوط دكتاتور سورية الوشيك، بل كان لديها ما يكفي من دروس غنية جديرة بالاتعاظ من فشل السياسات الأميركية الخرقاء في أفغانستان إبان التدخل العسكري السوفياتي فيها أواخر الحرب الباردة بدعمها لمن يُسمون بـ «المجاهدين العرب» الذين أسسوا القاعدة الاُم الشرعي، مروراً بتكرار الفشل بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 في نفس البلد، ثم العراق، وربما ليس انتهاءً بالأزمة السورية الراهنة بحيث يجنبها هذا التورط الأعمى في أسوأ وأخطر مستنقع يعرفه تاريخ الشرق الأوسط الحديث والذي بات يهدد السلم العالمي برمته الآن. كان ينبغي على فرنسا، كما البلدان الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، أن تدرك أن مسألة إسقاط الأنظمة الشمولية، أياً تكن وحشيتها ودمويتها تجاه شعوبها تُترك لقوانين التطور الداخلي الاجتماعي لشعوبها، وأن التدخل من الخارج، حتى بافتراض صدق النوايا لمساعدة الشعوب في التخلص من أنظمة دكتاتورية دموية، يزيد الأمور الداخلية تعقيداً بل ويؤخر فرص التغيير السلمي الصبور الذي يجنب شعوبها المآسي الباهظة كما كان ومازال الشعب العراقي وكما كان ومازال الشعب السوري.

فضلاً عن ذلك فإن إسقاط الأنظمة بالقوة من الخارج ليس سوى شكل من أشكال القفز على مراحل التطور الاجتماعي السياسي الداخلي نحو نضج الظروف الذاتية والموضوعية للتغيير إما إصلاحاً أو ثورةً. النظام السوري يتمتع بشرعية العضوية في الأسرة الدولية، ومازال عضواً كامل العضوية في الامم المتحدة وليس هو بأسوأ أنظمة العالم الشمولية دمويةً التي تحظى بعلاقات حميمة مع باريس وواشنطن، وهنا تكمن سياسة الكيل بمكيالين الصارخة التي يتبعها الغرب. نتفهم أن تلجأ فرنسا المجروحة في كبريائها لاتخاذ تدابير أمنية مشددة بما في ذلك إعلان حالة الطوارئ بعد الزلزال الوحشي الداعشي الذي ضربها، لكن درهم وقاية خير من قنطار علاج، فلئن كان العلاج الأمني في دولنا العربية الشمولية أثبت فشله بامتياز على الدوام بعيداً عن مقاربة الإصلاحات السياسية الجذرية الشاملة، ففي الحالة الفرنسية التي ليست هي بحاجة لإصلاحات جذرية فإن مخاطر أمنها الداخلي الراهنة لا يمكن عزلها عن أخطاء سياساتها الخارجية القاتلة في الشرق الأوسط، ناهيك عن سياسات التهميش والاقصاء المتبعة في الداخل تجاه سكان الضواحي من العرب والمسلمين والتي تبيّن انتماء بعض القتلة إليها، بما يُغيّب فرص اندماجهم الاجتماعي كمكون من مكونات النسيج الوطني للشعب الفرنسي بأعراقه كافة على قاعدة المواطنة الواحدة المتساوية التي فرنسا هي الأجدر بترجمتها على أرض الواقع من دول العالم العربي التوتاليتارية... فما أغناكِ يا عاصمة «الأنوار» عن كُل تلك الفواجع الظلامية لو تجمل ساستكِ منذ البداية بتلك السياسات البسيطة العقلانية الرشيدة!

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4824 - السبت 21 نوفمبر 2015م الموافق 08 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:35 ص

      مستوى الساسة

      ضعف وعدم قدرة الساسة في الغرب على معالجة أزماتهم المحلية أو الأوروبية أو تورطهم في حلقة أزمات القارة الأمريكية المالية والاقتصادية،عمقت مواقع الخلل مما أدى إلى استنساخهم وتبعيتهم للحلول الأمريكية القائمة على محاولات الاستفادة من بؤر الأزمات التي تخلقها(أمريكا) حول العالم وفي المقدمة مناطق الثروة النفطية والطاقة وخاصة في منطقتنا العربية ...مع التحية

اقرأ ايضاً