العدد 4826 - الإثنين 23 نوفمبر 2015م الموافق 10 صفر 1437هـ

من أوجه العناية الهندية بتراث البحرين العلمي

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

يُعد كتاب (كشف الحجب والأستار عن أسماء الكتب والأسفار) للعالم الهندي الجليل السيد إعجاز حسين النيسابوري الكنتوري (ت 1825م/ 1240ه‍) من أهم فهارس الكتب التي وضعت في الربع الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، والسيد الكنتوري يعد من العلماء القلائل الذين أولوا علم فهرسة المخطوطات وإبراز التراث العربي والإسلامي عناية خاصة في ربوع الهند وخارجها.

ينحدر السيد إعجاز حسين من عائلة لها مجد في العلم ضارب وشرف في النسب، فوالده السيد محمد قلي بن السيد حامد الموسوي النيسابوري الكنهوي الكنتوري كان من أجلاء علماء عصره، غير أن الفضل في شهرة الأسرة العلمية تعزى بالدرجة الأولى إلى شقيقه المير حامد حسين النقوي (ت 1306هـ/ 1889م) صاحب الكتاب الشهير (عبقات الأنوار) الذي حاز على صيت واسع نظراً لضخامته وعظمة الجهد العلمي الذي أظهره المؤلف.

لم يُقدّر لكتاب (كشف الحجب)، رغم أهميته، أن ينال الاهتمام اللائق به منذ صدوره لأول مرة في العام 1912. لقد ضم بين دفتيه توثيقاً لثلاثة آلاف وأربعمئة وأربعة عشر كتاباً (3414) كان نصيب تراث البحرين العلمي منها 259 مصنفاً علمياً غطت فترة ستة قرون من القرن السابع وحتى القرن الثاني عشر الهجري (13 - 18م)، وهذا العدد من المصنفات هو فقط ما سمحت به أسفاره وقراءاته الوقوف عليه.

وقد اعتمد شيخ المفهرسين آقا بزرك الطهراني (ت 1389هـ/ 1970م) كثيراً على هذا الكتاب في موسوعته الضخمة (الذريعة) والواقعة في 26 مجلداً، لكن الطهراني اطلع على نسخة مخطوطة منه حوت أغلاطاً كثيرة، كما عاب على العمل افتقاره للشمولية إذ لم يذكر من مصنفات علماء الإمامية إلا القليل منها. (راجع: الذريعة 18: 28).

وقد طبع الكتاب لأول مرة في كلكتا بالهند العام 1912، ولكن نسخه تلقفتها أيدي المهتمين ونفدت في وقت قصير وصار شبه مفقود، وبعد أن كثر إلحاح الراغبين في طبعه بادرت مكتبة المرعشي النجفي في إيران بإعادة طباعته العام 1989.

قيمة الكتاب تتضح عندما نعرف أن مؤلفه قد عاش في وسط أسري يبدي تقديساً كبيراً للعلم واحتراماً بالغاً للكتب، فقد أخذ العلم من والده وصار متولياً على مكتبته الزاخرة بالنفائس، وعقب وفاة والده آلت المكتبة الى شقيقه الأكبر، وعكف الإخوة الثلاثة (كان هو وأخواه المير حامد حسين والمير سراج حسين) على تطوير مدخرات المكتبة بما جمعوه في أسفارهم من كتب قديمة بنسخ نادرة، ولقد أعان أخاه السيد حامد حسين في مصنفاته، وقد طاف البلدان وحج وزار العراق واجتمع بعلمائها وكثرت مجالسته مع الميرزا حسين النوري (ت 1320هـ/ 1902م)، وكان حريصاً في كل هذه السفرات على تتبع ما كان يحصل عليه من معلومات حول الكتب المخطوطة وأفضل نسخها، وقد ظفر من كل ذلك بثروة علمية هائلة.

وكانت للسيد إعجاز طموحات ومشاريع علمية لم يمهله القدر ليكملها، فسرعان ما فتك به المرض بعد رجوعه من إحدى سفراته وتوفي عن 45 عاماً مخلفاً تراثاً علمياً غنياً يعد صفحة مشرقة من صفحات التلاقح العلمي بين العرب وشبه القارة الهندية في حضارة الإسلام.

ولقد ترك من المؤلفات أيضاً كتاب: (شذور العقيان في تراجم الأعيان) وهو وكتاب (كشف الأستار) من الكتب التي تعمل إحدى المراكز العلمية المشتغلة بالتحقيق والنشر في مدينة قم بالجمهورية الإسلامية الإيرانية على إعادة طباعتها محققة كما أكد لي المحقق الدكتور الشيخ رضا مختاري.

ويعود الفضل في نشر هذا الأثر القيم إلى شخص اسمه (محمد هدايت حسين) الذي يشرح قصته في مقدمته للكتاب، ويقول إنه لما كان مشتغلاً في خدمة (ايشياتك سوسائتي) لجمع الكتب العربية والفارسية النادرة الوجود لدولة الهند بإشراف المستشرق (الدكتور دينسون روس) سافر وارتحل الى أكثر من بلد لهذا الغرض: «ارتكبتُ غارب الاغتراب من بلد إلى بلد - وما التفت إلى الألم والنكد» إلى أن وصل إلى بلدة (بانكيفور) «فنظرت في دار كتبها كتاباً موسوماً بكشف الحجب والأستار - عن أسماء الكتب والأسفار - فحصل لي من رؤيته الطرب - وحضني على أخذه الشوق والطلب - لأني كنت من زمان مديد في طلب مثل هذا الكتاب - ما ارفع به عن وجوه مطالبي الحجاب - فاستجزت من ناظورة دار الكتب - لكتابة كشف الحجب - فقبل التماسي وأجازني - ثم لما فرغ الكاتب من النقل - أخذت بإجازته الأصل - ثم ساقني القضاء العتو - إلى بلدة لكهنو - فرأيت في دكان الكتاب نسخة أخرى للكتاب المذكور بخط جديد فاشتريته لأجل تصحيح النقل بوجه سديد - ثم إني أمعنت النظر في تينك النسختين - فرأيتهما بالأغلاط مملوءتين - فاجتهدت في تصحيح الكتاب المنقول من نسختين غاية الاجتهاد والاهتمام - وأنقذته عن الأغلاط حتى صار أخذه على طرف الثمام».

يتيح كتاب كشف الحجب توثيقاً أميناً، وإن لم يكن شاملاً للحركة العلمية ويبرز طبيعة الاهتمامات التي شغلت علماء البحرين في القرون الماضية، والمجالات التي كتبوا فيها، كما يبين أشكال التفاعل والتلاقح العلمي الذي تميزت به تلك الحقبة الغنية والطويلة والمنسية من التاريخ.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4826 - الإثنين 23 نوفمبر 2015م الموافق 10 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً