العدد 4827 - الثلثاء 24 نوفمبر 2015م الموافق 11 صفر 1437هـ

اختلاف التقديرات لزيارة «بوتين» لطهران

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تباينت وجهات النظر بشأن الزيارة الأولى للرئيس «فلاديمير بوتين» لإيران منذ 2007 ولقائه المرشد الأعلى «علي خامنئي»، بيد أنها أجمعت بأن الزيارة استراتيجية وذات أبعاد عميقة وتعبر عن تقارب ودفء تتميز به علاقة الطرفين، لم لا وروسيا أصرت على إشراك إيران في مباحثات فيينا الأخيرة، ولطالما أكدت على حقها في برنامجها النووي بما تكفله المواثيق الدولية، كما لم تكن يوماً مع أي نشاط عسكري ضدها برغم تأييدها لبعض العقوبات الاقتصادية عليها، والأهم قرار الكرملين الأخير بتخفيف الحظر على تصدير المعدات والتكنولوجيا النووية لإيران، فالسياسة لا تعرف الثبات في وضع متسارع التغيير للعلاقات الدولية والتحالفات. ترى ما التقديرات التي تناولت الزيارة واحتمالاتها؟

في المعلن، وحسب مصادر روسية، الزيارة جاءت على خلفية تلبية الدعوة للمشاركة في منتدى منظمة الدول المصدرة للغاز (GECF) الذي عقدته إيران في إطار تهيئها لمرحلة رفع العقوبات الاقتصادية عنها بداية السنة المقبلة، وحسب الاتفاق النووي وفي ظل الاحتراب الذي تمر به المنطقة، الأمر الذي يضفي على المنتدى والزيارة أهمية للبلدين في البعدين الاقتصادي والسياسي وبما له علاقة بالدور الإقليمي المؤثر لإيران، ناهيك عن الدور الروسي الذي ضعضع الأحادية القطبية للولايات المتحدة وتحكمها بالعالم وخططها في إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط وتفتيت دوله لكيانات ضعيفة قائمة على الانتماءات الدينية والمذهبية والإثنية. إذن الزيارة رسالة تتضمن دلالات ومعاني متعددة، كيف؟

تقديرات البعد الاقتصادي

تعتبر روسيا شريكاً تجارياً واستراتيجياً لإيران، وهي مورد مهم من مواردها النووية التي ساعدت في إنشاء بعض محطاته النووية، وبالتالي فلا غرابة إن منى الروس أنفسهم بالحصول على حصة الأسد في كعكة الاستثمارات وعقود الشركات التي سارع الغرب لإبرامها مع إيران فور إعلان عقد الاتفاق.

وزير الطاقة الروسي هنا يتوقع رفع حجم التبادلات التجارية مع إيران إلى «10 مليارات دولار» سنوياً مقابل «1.6 مليار دولار» حالياً، فيما يتحدث مصدر رسمي إيراني عن نيتهم إعطاء أولوية التعاون الاقتصادي والعقود في مجالات النقل والطاقة وبمليارات الدولارات لروسيا التي ساندتهم وتتحالف معهم في الملف السوري.

روسيا تدرس أيضاً منح إيران قرضين بقيمة «7 مليارات دولار» ولا تخفي نية تزويدها بصواريخ من طراز 300-إس الدفاعية المضادة للطائرات، برغم مخاوف الولايات المتحدة الأميركية و «إسرائيل» ودول إقليمية.

تقديرات البعد السياسي

لاشك أن قضايا مثل أولوية مكافحة الإرهاب، والتدخل الروسي في سورية، ومصالح أطراف النزاع في المنطقة وغيرها من عوامل متشابكة، قد شكلت منطلقاً لتجديد المناورات والتحركات السياسية والدبلوماسية التي تتشكل زيارة بوتين في نطاقها.

على صعيد أولوية محاربة الارهاب، تمثل الزيارة وتوقيتها تحدياً كبيراً للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والإقليميين فيما يتعلق بإنهاء حالة الصراع في سورية، وبالتالي فالزيارة مؤشر لمستوى التفاهمات والمشاورات والتعاون بين روسيا وإيران، كما ويذهب البعض إلى أنها تعكس ثبات موقفهما تجاه النظام السوري وتقارب الرؤى والمواقف المشتركة على الساحة الإقليمية والدولية الرافضة لتقسيم المنطقة، وبرغم اتفاق الجميع على أولوية محاربة الإرهاب إلا إن روسيا وإيران تختلفان مع الولايات المتحدة وحلفائها بشأن بقاء «نظام الأسد» وطبيعة المرحلة الانتقالية ودورهما فيها، وكذا الاختلاف بشأن المعارضة السورية التي يصنف الروس بعضها بـ «الإرهابيين»، ومنه يجدر السؤال: هل يتطابق الاتفاق فعلاً بينهما حول «بقاء نظام الأسد»، أم أن ذلك مجرد ورقة يتحدد مصيرها تبعاً لاتجاه المصالح ولمعطيات الساحة السياسية وإفرازات الميدان العسكري وما يحدثه من متغيرات تنعكس على التحالفات وتباين قوى الصراع؟

لاشك أن التدخل العسكري الروسي في سورية قلب موازين المعادلة، وثمة أطراف إيرانية اعتبرت إطلاق صواريخ «كروز» الروسية من بحر قزوين نحو أهداف في الأراضي السورية «خطأ استراتيجي» سيؤثر سلباً على مصالح إيران القومية، في السياق ذاته يشير تقرير لـ «الفايننشال تايمز» إلى خلاف بين إيران وروسيا لجهة تضارب الأهداف على المدى البعيد، وخصوصاً أن سورية حسب التقرير، منطقة نفوذ لإيران أنفقت عليها كثيراً واليوم يتم ابتلاعها من روسيا، في الشأن ذاته يشير أحد الخبراء إلى الاختلاف بين البلدين بشأن قضية إنشاء ميليشيات قوات الدفاع الوطني في سورية من قبل إيران، ورغبة روسيا بإلحاقهم بالجيش الحكومي النظامي، وعليه فنحن أمام تباينات لابد وتطرق إليها اللقاء، بشأن المصالح المشتركة لإيران وروسيا وطبيعة تدخلها العسكري وتقاسم النفوذ والأدوار ومستقبل النظام، ولاسيما عند النظر في نقد أحد قادة الحرس الثوري للسياسة الروسية وقوله «إن موسكو قد لا تكون مهتمة ببقاء الأسد في السلطة مثلما نحن حريصون على ذلك».

صفقات ولكن؟

في البعد ذاته ترجح معطيات معارضي النظام السوري وتقديراتهم بأن مباحثات «الرئيس والمرشد» تناولت قضية إيجاد «صيغة» أو «صفقة» تحدد بديلاً عن الرئيس «الأسد» للمرحلة الانتقالية يتم الاتفاق عليه مع طهران وبالتالي يمثل مخرجاً لائقاً، فيما ينوه الموالون إلى اقتراب الأزمة السورية من مرحلة الحسم، ولاسيما مع تنامي العمليات الإرهابية وتلمس مخاطر تنظيم «داعش» الذي أسقط الطائرة الروسية وقتل جميع ركابها وضرب برج البراجنة ونفذ اعتداءات باريس، ويهدد يومياً بروكسل والولايات المتحدة وغيرها من دول العالم، إضافة إلى إشاراتهم لنتائج الميدان العسكري وما سجله الطيران الروسي من تقدم في ضرب معاقل تنظيم «داعش»، فكل ذلك برأيهم غير من الأولويات وأعاد صياغة التحالفات، ولاسيما مع فرنسا التي صارت شريكاً للروس وأكدت أولويتها في محاربة «داعش» وبدأت بالفعل تنسيقاً عسكرياً معها في سورية، ذلك برغم نفيها التخلي عن استراتيجيتها تجاه «بقاء الأسد»، الأمر الذي يعني أن اللقاء تناول المتغيرات ومسار العمليات الروسية ونتائجها الميدانية وتنسيق الحرب واحتمالية تصعيدها ضد «داعش» وبقية التنظيمات الجهادية، بل وربما تباحثوا بشأن دخول روسيا في عملية برية وخصوصاً مع حديث الإعلام عن مناورات بحرية روسية وتصريح «لبوتين» بعدم كفاية ما تم إنجازه في مكافحة الإرهاب في المرحلة الأولى للعملية الروسية.

والنتيجة، أن الفترة المقبلة ستشهد تطورات ومتغيرات في الساحة السورية والإقليمية، ةخصوصاً مع حركة المناورات السياسية والدبلوماسية واتجاهات الصراع الإقليمي المعقد، وهذا حتماً سيرفع وتيرة الدمار والقتل وعدم الاستقرار واستنزاف أطراف الصراع ونهب ثروات الشعوب.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4827 - الثلثاء 24 نوفمبر 2015م الموافق 11 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً