العدد 4834 - الثلثاء 01 ديسمبر 2015م الموافق 18 صفر 1437هـ

يكفي فخراً أنها بحرينية

سيدعدنان الموسوي

كاتب بحريني

ليس التردد على وزارة العمل والشئون الاجتماعية بالأمر السار في هذه الأيام أما عند تعثر طلبك بمستجدات القوانين فذلك أمر يطول شرحه. بعد إلحاح وعدة مراجعات وافقت الوزارة مشكورة على منحي فيزا لعاملة منزل جديدة قبل رحيل القديمة حتى يتسنى للأخيرة تعليم الوافدة الجديدة شئون المنزل وأسس مهارات الطبخ، وبقي الإجراء الأخير وهو دفع الرسوم واستلام الفيزا.

من غير المألوف أن تكون أعداد المراجعين قليلة في وزارات الخدمات والعمل والشئون الاجتماعية ليست استثناءً في هذا الأمر. كان عليّ الانتظار ساعة أو دونها حتى أصل إلى الصراف فالأرقام على الشاشة تشير إلى 35 رقماً يسبقني، لذا جلست أقلب في النقال لمراجعة الرسائل الإلكترونية الواردة. «أعتقد أن هذا الرقم أقرب من الرقم الذي معك». قالتها بلغة عربية فصيحة وبحرينية خالصة ليس فيها لجاجة أعطتني الرقم فشكرتها ممنوناً: رحم الله والديكِ. سادت لحظة صمت بعد أن عرفت أنها منقبة دار بيننا حديث عام قبل أن تسألني: هل هذه المرة الأولى التي تقف في هذا الطابور فقلت لا والله يا أختاه جزى الله أولاد الحلال الذين سهلوا مهمتي وإلا علي الانتظار ربما لشهرين أو أكثر حيث إننا بصدد إحضار خادمة جديدة مع الإبقاء على القديمة فترة التدريب بعد أن تعودنا على القديمة لسنوات ها قد جاء الوقت لتمضي فسألتها: وما مشكلتكِ؟ قالت: لا أدرى من أين أبدأ إنها الوالدة أطال الله عمرها قد بلغ بها السن ولا تستطيع أن تقوم بكل واجباتها، وعليه لا تستطيع خادمة واحدة أن تقوم بكل مهام المنزل، لا تنسَ أنها تصحو كل يوم على كومة صحون وأواني وملاعق وغيرها وكأن المطبخ ساحة حرب أو ملاكمة، كل مساءٍ إن صح التعبير تحتاج الشغالة إلى ساعة على أقل تقدير لتنظيف المطبخ وتجهيز أبناء إخوتي للذهاب إلى المدرسة هذا غير شئون الوالدة حفظها الله.

لا أدري وبدون سابق إنذار وضعت يدها على جرحٍ أليم... أين أبناء هذا الجيل من الجيل القديم؟ لقد برعوا في كل شيءٍ أجهزة التواصل والإلكترونيات والسهر لساعات طوال إلا عن أداء أبسط واجباتهم الأساسية في المنزل كفتح المصباح أو غلق المكيف أو إقفال باب المنزل في المساء قبل النوم بل إن بعضهم يترك المكيف مفتوحاً في غيابه دون مراعاة لفاتورة الكهرباء التي سيدفعها الوالد العزيز وإذا كلمتهم يستقيم الأمر ليومين أو ثلاثة أيام ثم تعود حليمة إلى عادتها القديمة. ربما هي حياة العزلة التى يعيشها الصغار بعيداً عن الكبار، الوالدين، إذ توفر كل أسرة لأبنائها غرفاً خاصة بهم وتلفزيوناً ونقالاً وإنترنت وووو فأين يجد الأولاد الوقت ليتواصلوا مع والديهم؟ ستجدهم أمامك وبإلحاح إذا لزم الأمر لإرجاع الإنترنت أو دفع مصاريف السيارة أو دفع حصة من راتبك لشركة الاتصالات فهذه الشركات صارت والعياذ بالله تشاركنا أموالنا وأوقاتنا وهواجسنا على قول أحد الشعراء الشعبيين (كأنه الفار في المحمل (السفينة) شريك وياى) كنا نتبادل الأدوار في وصف هذه الحالات التي باتت تشكل هاجساً بالنسبة لنا جميعاً. الجميل في الأمر أن المتحدثة منقبة ومخضرمة من نهاية الجيل القديم تحمل هم الوالدين ولكنها لم تتخلَ عن هموم الجيل الحالي بكل إيجابياته وسلبياته... إنها ظاهرة غريبة أن تجد من تجسّر هموم الجيلين وبدون تحيز وبعدل ووفاء للطرفين، وكنت أتوقع أن تدافع عن بعض سلوكيات هذا الجيل وتسيبه في بعض الأمور بسبب ميل كفتها العمرية إلى هذا الجانب، ولكنها من جانب آخر مازالت مشدودة إلى واجبات مقدسة ورثتها وحفظتها من الأبوين. يقولون أن القواسم في المحن تحديداً تفتح قلوب الناس للتواصل في لحظة صفاء قلت لها لا أدري أشعر كأني أعرفك منذ زمان وربما بسبب القواسم المشتركة.

فرحت أخبرها عن قصة بيتٍ كبيرٍ في إحدى ضواحي أحياء المنامة كانت ربة هذا المنزل تجد سعادة عظيمة في فتح المنزل للجيران في مناسبات الزواج، وتوفير مرافق المنزل للضيوف. الضيوف أحباب الله ولذلك لا يجد الجيران من حرج في استعمال مرافق المنزل وغرفة الضيوف حتى انتهاء مراسيم الزواج، كانت بين الناس محبة وتعاون حتى إن إحدى الجارات كانت تلح في فتح باب في الحائط الفاصل بين البيتين كي يوصلها مباشرة ببيت الجيران وهو ما كان يعرف (بالفرية) وقد رأيت بأم عيني عند الأفراح الكل يساعد ويشمر عن ذراعيه في سعادة ومازلت أتذكر طبخ «الممروس» في قدور كبيرة في الشارع ليلة الدخلة، كنت سخياً معها في سرد تلك القصص فسألتني: من تكون تلك السيدة؟ فقلت إحدى سيدات المنامة حفظها الله. ثم أردفت: وهل المنزل موجود؟ فقلت: لا فقد بيع منذ زمن قريب وهي الآن في مسكن صغير على قدر حركتها. بانت منها التفاتة قائلة: رقمك على الشاشة. فاستأذنت منها.

عند عودتي أردت أن أودعها وأشكرها مجدداً على التذكرة وحسن اللقاء ولكنها لم تكن موجودة. كان حضورها لافتاً بكل المقاييس لسنوات كنت لا أقرب المحجبات والمنقبات خشية أن أجرح حياءهن حتى التقيت هذه السيدة التي غيرت رأيي تماماً، ودون أن أسألها عن اسمها أو مدينتها أو حيها يكفي فخراً أنها بحرينية من الرفاع، لالا إنها ستراوية، لا بل قد تكون من «فريق» أبو صرة، أخشى أنها جفيرية، إنها والله درازية الأب منامية الأم، لا بل من فريق الفاضل. الظن كل الظن أنها كرانية السكن محرقية المنشأ، لا بل من فريق الصنكل بالمحرق ولعلها من فريق مشبرمن سكنة مدينة عيسى أو من قرية الزلاق سارية السكن، إنها إحدى هؤلاء وكل هؤلاء... إنها الأم البحرينية طيبة اللبن التي تقطر أمومة وطيبة وسماحة أرضعتها أبناء هذا الوطن فصار من سلوكهم وسجيتهم الغالبة في المحافل السارة والحزينة وعند الخطوب، وبعيداً عن الأرض هم سفراء بامتياز لبحريننا الغالية... لن تجد صعوبة في التعرف عليها في أي محفل...لأنها بحرينية.

إقرأ أيضا لـ "سيدعدنان الموسوي"

العدد 4834 - الثلثاء 01 ديسمبر 2015م الموافق 18 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:24 ص

      من اصل طيب

      انت طيب واصيل لانك تقدر الطيبه والاصل الطيب

    • زائر 1 | 10:25 م

      شكرا لك من ام بحرينيه شابه

      شكرا شكرا وشكرا وشكرا لكل من يقدم الاحترام للمرأه البحرينيه

اقرأ ايضاً