العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ

التعليم الرقمي ومدارس المستقبل

محمد عباس علي comments [at] alwasatnews.com

عضو سابق في مجلس بلدي المحرق

في عام 1951 نشر الكاتب الأميركي والكيميائي الشهير ذو الأصول السوفياتية إسحاق اسمق في مجلة الأطفال قصته القصيرة والشهيرة من نوع الخيال العلمي، المعنونة بـ «المتعة التي حصلوا عليها The Fun they Had»، والتي أعيدت طباعتها في الأعوام 1954 و1957 في عدة مجلات متخصصة في مجال الخيال العلمي، والتي تتمحور قصتها حول نوع مدارس المستقبل.

في هذه القصة الرائعة التي تنبأ فيها الكاتب الفذ بالتقدم العلمي في مجال الكمبيوتر، قبل عدة عقود من اختراعه!

حيث تدور أحداث القصة في عام 2157م، أي بعد أكثر من قرنين من كتابتها، حين يعثر الطفل تومي ذو الثلاثة عشر عاماً على كتاب مدرسي حقيقي خاص بجده الأكبر، ولاستغرابه من الكتاب الورقي، الذي لم ير مثله في حياته، يجلبه إلى مارجي جونز التي تصغره بعامين، ويدور بينهم نقاش حول شكل وكيفية التعلم في المدرسة، فهم يعقدون مقارنة بين الماضي الذي عاشه أجدادهم الأوائل، حيث المدرسة المكونة من مبان ويحضر لها الطلبة، وهو بخلاف ما هم عليه، حيث أن تعليمهم يتم في بيوتهم، من خلال المعلم الآلي، وبحسب وصفه فهو يرمز إلى جهاز الكمبيوتر (الحاسوب)، وبين أن يكون المعلم إنساناً. وعليه يتساءلون: هل من المعقول أن يكون الانسان قادراً على المعرفة والإلمام بالكم الهائل من المعلومات والمعارف كما المعلم الحاسوب؟ وعن مدى المتعة التي حصلوا عليها في تلك المدرسة!

المتتبعون للبرمجيات المتقدمة للكمبيوتر، بشكل خاص، والناس العاديون بشكل عام، يدركون مدى التقدم الذي وصلت إليه استخدامات الكمبيوتر المختلفة والتطبيقات المتعددة، وفي عالم الاتصالات بشكل عام. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل استطاعت مدارسنا مواكبة، على سبيل المثال، بعض ما يمتلكه أطفال اليوم، الذين ولدوا وترعرعوا على معرفة أدوات التواصل الاجتماعي من هواتف ذكية وأجهزة آيباد وآيبود ويوتيوب وكمبيوترات ذات برمجيات متقدمة؟

واذا كان الجواب بالنفي، وهو بالتأكيد كذلك، حيث الواقع أكبر شاهد على ذلك، فهل ياترى يجد الطلبة متعة فيما يقدم لهم من تطبيقات على أجهزة الكمبيوتر في المدارس؟ فالفجوة كبيرة جداً بين الجيل الحالي من الطلبة (مواليد عصر التقدم الرقمي) والذين يمكن أن يطلق عليهم بجيل العالم الرقمي Digital native وبين معلميهم الذين ينتمون إلى ما يمكن أن يطلق عليه مجازاً بالمهاجرين عن العالم الرقمي Digital migrant، والذين يفترضون بأن نوع التعليم الذي تلقوه يصلح إلى طلبة هذا العصر. وهذا غير صحيح مطلقاً، فعالم اليوم يختلف عن عالم الأمس. وهذا في حد ذاته يخلق تحديا كبيراً لمدى مواكبة المدارس للتقدم الهائل والمطرد في مضمار التعليم الرقمي، والذي يتابعه ويعايشه معظم الطلبة، خارج أسوار المدرسة، وبين التطبيقات المتواضعة التي تتيحها له المدرسة.

وحتى تواكب مدارسنا التطور الهائل، وتسهم في تقليص الفجوة بين التطور الحاصل في عالم التعليم الرقمي وبين ما يمكن ان يقدموه للطلبة، حتى يحظوا بتعليم مواكب للعصر وذي منفعة حقيقية لهم في هذا العالم المتسارع في تطوره، ولذلك وجب إجراء وقفة تقييمية صادقة لمشروع مدارس المستقبل، والذي مر على تطبيقه سنين عديدة. حيث الواقع يدلل بأن هذا المشروع الذي صرف عليه المبالغ الكبيرة لم يسهم في إحداث نقله نوعية في أساليب التعلم وطرائق التدريس، وذلك من خلال المقارنة الاقتصادية بين تكاليف المشروع والعائد التربوي له في الجوانب المتعدده، والتي كان من ضمنها تنمية قدرات الطالب في التحصيل واستخدام الحاسوب والتفكير، وكذلك في مدى إسهامه في تنمية اتجاهات إيجابية لدى الطلبة نحو التنظيم الذاتي والتعلم التعاوني. هذا بالإضافة الى مدى إسهامه في تنمية كفايات المعلم المهنية في استخدام وتوظيف مهارات استخدام الحاسوب في التدريس والتقويم. وبالطبع، متطلبات التحول الى التعليم الرقمي يتطلب إمكانات مادية وبشرية.

فعلى سبيل المثال لا الحصر لم يسهم المشروع الطموح في أبسط الأمور وهو التخلص أو على اقل تقدير التقليل من الكتب الورقية ولو بصورة جزئية. فكثيراً ما حذر الأطباء من خطورة الحقيبة المدرسية على صحة الطلبة، ولكن لم تزل هذه المشكلة قائمة بدون حل، برغم أنه من الطبيعي أن يسهم هذا المشروع في حل هذه المشكلة الكبيرةن والتي للأسف تؤثر على صحة الكثير من فلذات أكبادنا.

نأمل أن تواكب مدارسنا التطورات المتلاحقة والسريعة في مجال التكنولوجيا، والمجالات التربوية والتعليمية التي من شأنها الإسهام في تحقيق تعليم نوعي، يسهم في تخريج أجيال مواكبة لهذا العالم المتسارع في تقدمه في شتى المجالات. ولكي يحدث ذلك وجب الاستثمار الحقيقي في انسان هذا البلد من خلال إعطائهم الفرص والتأهيل المناسب وإلحاقهم بسلك التعليم؛ بدلا من جلب معلمين من بيئات بعيدة كل البعد عن وسائل التعليم الحديثة. ففاقد الشيء لايعطيه.

ورغم التقدير الكبير للمعلمين الوافدين، الذين لا يمكن إنكار أدوارهم في حقب سابقة، عندما كان هناك نقص في الكوادر الوطنية، حيث قاموا بأدوار عظيمة. ولكن من الطبيعي أن يُعطى أبناء البلد من المؤهلين فرصهم في خدمة بلدهم في هذا الحقل الحيوي، فهم أهل لذلك. وهذا هو الأمر الطبيعي، وخلاف ذلك يعد جريمة كبرى في حق الوطن والمواطنين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"

العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:21 ص

      شكرا دكتور محمد عباس

      كل الشكر والتقدير لجنابكم الكريم دكتور محمد عباس على هذا الموضوع الرائع والمهم. التعليم الرقمي هو ما يفرضه الواقع ولا مجال لاستبعاد. لكن ما لفت انتباهي في موضوعك أيضا هو تمكنك من اللغة العربية التي جمعت بين جمال المفردات والقوامة. خبرتي تحدثني عن محاضراتك وكتاباتك باللغة الإنجليزية. وإذا بلغتك العربية تشهد لك بالتفوق فيها. شكرا دكتور. اخوك منصور العصفور.

    • زائر 1 | 12:11 ص

      مدارس المستقبل

      مدارس المستقبل مثل البحرين من ينزل قطرة مطر بين الفساد وكذلك مدارسنا من تزور الجودة بين المكشوف والتقارير السيئة خير دليل

اقرأ ايضاً