العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ

دولة الخروف الأبيض

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الخروف الأبيض والخروف الأسود ليسا خروفين بالمعنى الجسماني أو الفيزيائي هنا. فما أعنيه هو دولتان كانتا قائمتين على الأرض، الأولى سُمِّيَت بدولة الخروف الأبيض والثانية سُمِّيت بدولة الخروف الأسود. الدولة الأولى أسستها قبائل الـ آق قونيلو التركمانية على يد آق يولوق عثمان في جنوب تركيا حتى الفرات بين آمد وسيواس سنة 1465م قبل أن يقضي عليها الصفويون سنة 1502م.

أما الدولة الثانية وهي دولة الخروف الأسود فقد أسَّستها أيضاً قبائل تركمانية لكنها تُدعى الـ قرة قونيلو على أجزاء من أرمينيا وانحداراً صوب بحيرة وإن شرق الأناضول حتى شمال سورية وأجزاء من العراق وذلك سنة 1375م ولغاية 1468م. وقد سُمِّيَتَا بهذيْن الاسمين (الخروف الأبيض والخروف الأسود) لأنهما اتخذتا من رسمهما شعاراً لدولتيهما لتفسيرات ثقافية تركستانية قديمة.

ورغم انتمائهما إلى ذات العرق والإثنية إلاَّ أن العلاقة بين الدولتين كانت سيئة للغاية إلى الحد الذي جعلهما يدخلان في حرب ضروس تغلبت فيها دولة الخروف الأسود (قرة قونيلو) على دولة الخروف الأبيض (آق قونيلو). لكن ظهور شخصية قوية من بقايا دولة الخروف الأبيض واسمه حسن الطويل جعلته يستجمع قواته ويقلب الهزيمة إلى نصر ويقضي على دولة الخروف الأسود.

غَلَبَة وهزيمة هاتين الدولتين ضد بعضهما كان له ارتباط وثيق بالتحالفات التي أقاماها مع الدول أو الدويلات التي كانت قائمة، والتي امتدت من مصر وشمال إفريقيا مروراً بتركيا والعراق وأرمينيا وعموم آسيا الوسطى وحتى إيران. وكان العامل السياسي هو الحاكم فيها أكثر من أيّ عامل حاسم آخر، بما فيها العوامل الدينية أو الإثنية، التي تعتبر من الدعامات التقليدية الصلبة.

على سبيل المثال، استقوت دولة الخروف الأسود بالسلطة الجلائرية الإيليخانية التي استعانت هي الأخرى بمماليك مصر ضد أطراف مغولية. ونرى دولة الخروف الأبيض قد استقوت بالدولة الجنيدية الصوفية في أردبيل والتي هي أيضاً استعانت بالمشعشعين العرب ضد الميرزا جهانشاه. ثم نرى انقلابات عجيبة في تلك التحالفات داخل الأسر الحاكمة والطوائف الواحدة بشكل لا يُتخيّل.

هنا، أضع نقطة أمام تلك الإطلالة التاريخية كي أبدأ سطراً جديداً للحديث عن ذلك الامتداد التاريخي في واقعنا اليوم. إنه امتداد ليس في الدَّم والنَّسَب (رغم حضوره) بقدر ما هو امتداد عبر نفوذ مصنوع. بمعنى أدق، فإنني لا أقرأ حضور التركستانيين ضمن صفوف جماعات مقاتلة على الأراضي السورية، تنتمي إلى تنظيم القاعدة وغيرها، سوى أنه استدعاء تاريخي من قِبَل الأتراك لهذه الجماعات والأعراق التي تلتقي معها في الأنوية العرقية من طرف بعيد.

فالمساعي التركية في سورية ليس كما يُقال من أنها تريد حماية حقوق السوريين، فالدولة التركية (ولا أيّ دولة أخرى في العالم) ليست جمعية خيرية خالية من الأهداف السياسية. لذلك، فهي تسعى جاهدة إلى تنبيه الإثنيات والعرقيات القديمة إلى ذاتها وإعادة مَرْكَزَتها أو حشرها في المناطق العربية عنوة، استخداماً منها لها، أملاً في توسيع نفوذ تركيا التاريخي في شمال وغرب سورية.

التركستانيون (الشرقيون أو الغربيون) هم ذات عرقية واحدة وإن اختلفت جغرافيتهم بل وإن اختلفوا كما كانت قبائل الـ آق قونيلو والـ قرة قونيلو وجاؤوا إلى سورية بتسهيلات عبر الحدود. وهم عندما يأتون إليها، يتم الحفر في دواخلهم إلى أن هذه المناطق من ديار بكر حتى حلب ومنطقة الجزيرة وأجزاء من العراق هي مناطق تاريخية لكم، ما يُحفّزهم على القتال بعقيدة الأرض والدين.

هل تتذكرون البيان الذي وقّعته فصائل مقاتلة في سورية أسمَت نفسها: لواء السلطان محمد الفاتح، ولواء السلطان سليمان شاه، ولواء السلطان مراد؟ إنها ودون أدنى شك، ذات بُعد عقائدي عرقي تركي، نسبة إلى سلاطين الدولة العثمانية التي تسيَّدت على مناطق واسعة بين سنة 1299م وسنة 1923م. وهي خطوة ليست بريئة من الأتراك تجاه قِطْر عربي يُراد له أن يُمزَّق كالعراق.

كان الأتراك ومنذ أزيد من ثلاثة أعوام يسعون إلى تسوير منطقة حلب من على بُعد ثمانية عشر كيلومتر بحجَّة إقامة منطقة عازلة، ستجعل أزيد من 18 ألف كيلومتر من الأرض السورية في حالة ضمور صناعي وتجاري، ومحل نفوذ ثقافي تركي. ولكل مَنْ يُدرك حقائق التاريخ والصراع والجغرافيا يفهم أن الأتراك ستكون أعناقهم (بعد ذلك) في الرقة وحماة وإدلب. هذا ليس هَوَسْ بل حقيقة.

إن العالم العربي قد خسر كثيراً بعد احتلال العراق سنة 2003م، وأصبح أمنه القومي في حالة اضطراب شديد بفعل هشاشة السلطة في العراق، وانتفاخه بالجماعات الإرهابية ونفوذ الخارج في شؤونه بشكل لا يُصدّق، وأصبحت حدوده كحدود المراعي التي يَلِجها مَنْ يريد دون عناء كبير.

اليوم، وإذا ما تكرر الأمر في سورية، فسيتكرر السيناريو بصورة أشد. ونحن نرى بوادر ذلك على رغم بقاء السلطة المركزية في دمشق. أما في حالة الانهيار الشامل، فسيكون الحال أشبه بتسونامي رهيب، يغمر المنطقة كلها من الغرب وحتى جنوب شبه الجزيرة العربية.

على العرب أن يعوا ذلك جيداً قبل فوات الأوان. فالأهداف القصيرة تذوب سريعاً أمام الأهداف الطويلة المشبوهة، التي تتمدّد وتترسّخ بلا رحمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 1:16 م

      انت كاتب مبدع

      كتاباتك لها طعم آخر

    • زائر 12 | 1:52 ص

      احم احم

      هااااا اشوف اليوم فاتح حضيرة خرفان وقاعد يستغل ارتفاع اسعار اللحوم

    • زائر 10 | 12:43 ص

      ضايعين في الطوشة

      يا أخوان احنا الشعوب ضايعين في الطوشة، أصحاب الكراسي كل يوم والثاني يدخلون في حروب بين بعضهم، واحنا الا لينا القتل والتعذيب والتشريد، وكلش كلش عوار القلب بقراءة هالتحليلات الا ما تودي ولا اتجيب،،، أنا لو يعطوني جم راس غنم وخيمة ويخلوني في الصحراء أحسن ليي من هالحالة.

    • زائر 9 | 12:15 ص

      العرب يخربون بيوتهم بايديهم: انظر تعليقات البعض يحنّون الى الامبراطورية العثمانية

      نعم هذه حقيقة لم تدع الحكومات العربية مجالا للقوّة الا وفرطت به واذاقت شعوبهم الويلات بل اكثر من ذلك ادخلت في عقول شعوبهم الجهل والتخلّف وأوهمتهم بتغيير بوصلة الامّة الى جهات تخدم العدو الصهيوني .
      تغيير بوصلة التفكير العربي ظاهرة في بعض تعليقات البعض على هذا المقال مما يدلّل على ان الامة العربية انحدرت لأسوأ اوضاعها

    • زائر 6 | 11:47 م

      تركيا لا يهمها السوريين

      بس إيران يهمها العراقيين!
      قلبها عليهم مسكينة.

    • زائر 8 زائر 6 | 12:07 ص

      موالاة تركيا

      والله لو نحارب ايران بتظلون توالون تركيا!! فمنطق الاخوان هكذا

    • زائر 5 | 11:46 م

      أطماع إيران حلال ... أطماع تركيا حرام!

      منطق عجيب!

    • زائر 7 زائر 5 | 12:05 ص

      المنطق الاعجب من العجيب

      كأنك تقول : حلال عليك تنتحر وحرام علي؟!!! يالله دلدل الحبال ابوي!!!

    • زائر 4 | 11:23 م

      رد على زائر 2

      إذا كنتم تتحدثون عن قيام إيران باحتلال جزر في الخليج وهذا صحيح فعليكم ان تعترفوا باحتلال تركيا للواء الاسكندرون التي تآمرت عليه مع فرنسا في الثلاثينيات فأي توازن هذا الذي تتحدث عنه وتركيا محتلة لارض عربية تزيد مساحتها عن 4000 كيلومتر!! اتقوا الله في ضمائركم

    • زائر 3 | 10:57 م

      جل

      جُل كتّاب الوسط مجتهدين ولاتنقصهم المعلومه اخي

    • زائر 2 | 10:56 م

      نحتاج لنفوذ تركيا لكي توازن نفوذ إيران

      بالتأكيد تركيا ليست جمعية خيرية، هي دولة إقليمية تبحث عن مصالحها .. و لذا من الطبيعي لنا كعرب أن نشركها في شؤوننا لكي لا تستفرد بنا إيران.
      فهل أطماع إيران حلال و أطماع تركيا حرام؟

    • زائر 11 زائر 2 | 1:24 ص

      لا نبغي لا نفوذ تركيا ولا نفوذ إيران

      نبي نفوذ عربي

    • زائر 1 | 10:44 م

      روعة الكتابة الصحفية

      دائما تقدم المعلومة الجديدة والتحليل والربط في سياقه التاريخي. شكراً لك على جهودك وأدعو لك بالتوفيق ويا ليت كتاب الوسط الآخرون يتعبون انفسهم شوي علشان نشوف شى يسوى القراءة في اعمدتهم. تحياتي أخ محمد.

اقرأ ايضاً