العدد 4838 - السبت 05 ديسمبر 2015م الموافق 22 صفر 1437هـ

«شجيرة حنَّاء وقمَر» و«السيْل» للتوفيق... وإعادة الاعتبار للتراث المغربي

«توظيف التراث الشعبي في الرواية العربية»...

ضمن المشروع المصاحب لعدد مجلة «الثقافة الشعبية» التي تصدر من مملكة البحرين بالتعاون مع المنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV)، لشهر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، صدر كتاب «توظيف التراث الشعبي في الرواية العربية»، للباحث والأكاديمي المغربي الجيلالي الغرَّابي، متخذاً الغَّرابي روايتين لمؤلف واحد منطلقاً لدراسته هما: رواية «شجيرة حناء وقمر» للمغربي أحمد التوفيق، التي فازت بجائزة وزارة الثقافة المغربية العام 1999، وتدور أحداثها في مطلع القرن التاسع عشر قبل أن يطل الغزو الأوروبي بجيوشه على المغرب وشمال إفريقيا، ورواية «السيل» للكاتب نفسه. وتعدُّ «السيل» العمل الروائي الثالث للتوفيق بعد «جارات أبي موسى» و «شجيرة حناء وقمر»، مع ملاحظة أن التاريخ الزمني لأحداث الروايتين بعيد نسبياً عن الزمن الراهن، في معالجة للموضوعات والقيم والثيمات التي لا تنفصل في كثير أو قليل عمَّا يضج ويعتمل في ما نشهد حاضراً، من حيث مركزية بعض القيم وهيمنتها على تفاصيل الحياة اليومية في المغرب.

الباحث التوفيق رأى في خلاصة بحثه أن الروايتين أعادتا الاعتبار للتراث المغربي، ونظرتا إليه نظرة موضوعية، وتخلصت من النظرة النمطية التي كان تسِمه ويوصم بها، باعتباره غارقاً في المحلية، وعلى مبعدة وانفصال عن الواقع الراهن.

الغَرْف من التراث سمة بارزة في كثير من الأعمال الروائية العربية، مرة لجوءاً إلى مساحة أكثر أماناً من حيث الاستجواب والاستنطاق فيما بعد: استجواب واستنطاق الرقيب العربي والدوائر والظروف التي أوجدْته، ومرة لأن كثيراً من المطابقات يمكن العثور عليها في ذلك التراث، مع تغيرات تكاد لا تذكر في الأشكال والبنى، إلا أن المضامين تظل هناك إما مخبوءة، وإما شاهرة نفسها وكأنها لم تمرَّ بكل تلك الأطوار من التاريخ، والتحوُّلات والتبدُّلات.

في تعدُّد المناهج

اعتمد الباحث على عدد من المناهج في بحثه، من بينها المنهج الاجتماعي (السوسيولوجي)، والمنهج الوصفي (المورفولوجي)، والمنهج الأسطوري (الميثولوجي)، والمنهج الأناسي (الأنثروبولوجي)، والمنهج التاريخي، والمنهج البنيوي.

قسَّم الباحث كتابه إلى مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة، تم في المقدمة تعريف التراث الشعبي، وأبرز تسمياته وأنواعه وأهميته وأعلامه، ملخِّصاً البنية السردية لنموذجي الدراسة (الروايتين): «شجيرة حناء وقمر» و «السيل»؛ فيما تناول الباب الأول الأدب الشعبي في فصول خمسة وهي كالآتي: الأسطورة، المسرح، الشعر، اللغة، والغناء والرقص، ليعالج الباب الثاني الأمكنة الشعبية وأسماء الأعلام، ويتضمَّن ذلك فصلين، خُصِّص الأول للأمكنة من سجن وسوق وحمَّام وضريح، والثاني لأسماء الأعلام.

أما الباب الثالث فتناول العادات والتقاليد والطقوس الشعبية، ضمن ستة فصول، تطرق الأول للاحتفالات، والثاني للفراق والموت، والثالث للشاي، والرابع للتعبُّد، والخامس للطب والسحر، والسادس للكنز، بينما رصدت الخاتمة ما خلص إليه الباحث من نتائج.

يصل الباحث إلى النتائج الآتية في دراسته لروايتيْ «شجيرة حناء وقمر»، و «السيل»: انفتحت الروايتان على التراث الشعبي بينابيعه المختلفة؛ ما أبرز صورة المجتمع المغربي. الروايتان غلب عليهما بروز وظهور الفئات الشعبية، ويتجلى ذلك في أسماء الشخصيات، والمؤشرات الزمانية، والأمكنة، والعادات والتقاليد والطقوس والأعراف، واللغة، ويتبدّى ذلك في الزجل، والعامية العربية المغربية - الأمازيغية.

يرى الباحث أن الروايتين أعادتا الاعتبار للتراث المغربي، ونظرتا إليه نظرة موضوعية، وأجَّلتا ما يخبِّئه بين ثناياه، عكس تلك الرؤية الاستعلائية التي تراه عن جهل وعدم تبصُّر، بالنظر إليه موروثاً غارقاً في المحلية، ولا قيمة له.

العلاقة العضوية بين الأدبين

كما يخلص الباحث إلى أنه لا غنى للأدب الرسمي أو الخاص عن الأدب الشعبي، فمن الثاني ينهل الأول، ومن رموزه وحكاياته وأساطيره وخرافاته وقصصه وأشعاره، يأخذ. فما هو شعبي هو الذي يتمتع بالحيوية، وهو الذي يغطي مساحة الواقع، ويشكِّل ثقافته.

قدَّمت الروايتان حقيقة البادية المغربية، وما تعانيه من تهميش واستبداد سلطوي، وواقع الفئات المسحوقة، والشرائح المستضعفة، وما تسلِّم به من بعض الخرافات، وما تؤمن به من معتقدات بلوَرت وعيها، وغدَت جزءاً لا يتجزَّأ منه.

علاوة على كل ذلك، أبرزت الروايتان تركيبة المجتمع المغربي العرقية أو الإثنية (العرب، الأمازيغ أو البربر، واليهود)، ومدى التعايش والتآلف القائم بين مكوناته.

وفيما يتعلق بالعنصرين العربي والبربري، فقد مرَّت قرون في المغرب وهما يعيشان تاريخاً واحداً، وتقاليد واحدة. وبالنسبة إلى العنصر اليهودي، فهو يمثِّل ظاهرة ذات أهمية وقيِّمة اجتماعياً وتاريخياً، وهو أحسن أحوالاً بالمغرب منه في أمصار أخرى.

وأخيراً، عكست الروايتان العلاقة بين المواطنين العاديين والقُوَّاد والسلاطين القائمة على القوة واستغلال النفوذ والظلم، والإجبار على الاذعان والامتثال والخنوع والخضوع.

الكتاب الذي جاء في 184 صفحة من الحجم المتوسط، احتوى على توطئة، ومقدمة، دخولاً إلى تعريف التراث الشعبي، باعتباره أحد الأشكال التعبيرية التي تعتمد الكلمات المنطوقة والألفاظ الشفوية، وإن لجأت نادراً إلى الكتابة، وتمثله الفنون القولية؛ سواء كان شعراً أم نثراً. يدخل في ذلك الأساطير، والملاحم والحكايات، والأغاني، والأشعار، والرقى، والتعاويذ، والأمثال والألغاز، والأحاجي، والنكت، والقصص، والنوادر وغيرها. كما يتناول الغرَّابي تسميات الأدب الشعبي وأقسامه وأهميته، وأعلامه.

خريطة الكتاب

في الباب الأول من الكتاب، يبحث المؤلف في الفصل الأول منه، الأسطورة، بعد تمهيد، متناولاً الحنّاء في المبحث الأول، والقمر في المبحث الثاني. وفي الفصل الثاني الذي خصصه الباحث للمسرح، يتناول المبحث الأول بعد التمهيد عرض بوجلود، ووصف العرض وتحليله، ويتفرَّع عن ذلك اشتغال على الجانب المسرحي الذي يقود إلى إضاءة الكواليس، الملابس، الصفات والملامح الجسدية، الأدوار، الجوقة، والدراما، منتهياً بذلك إلى الجانب الأسطوري في العرض، ويتناول في مبحثه الثاني الحلقة.

أما الفصل الثالث، الذي خصَّصه الباحث للشعر، فاحتوى على تمهيد ثم مبحث الزجل، ليتبعه الفصل الرابع الذي تطرَّق فيه إلى اللغة، وبدأه بتمهيد وثلاثة مباحث هي كالآتي: العامية العربية، الأمازيغية، الفرنسية والإسبانية. واحتوى الفصل الخامس على مبحثين خصَّصهما للغناء، والرقص.

أما الباب الثاني، فيبحث في فصله الأول، الأمكنة الشعبية وأسماء الأعلام، ويحتوي على مباحث أربعة: السجن، السوق، الحمَّام والضريح. وخصَّص الفصل الثاني لأسماء الأعلام. وفي الباب الثالث يبحث المؤلف العادات والتقاليد والطقوس الشعبية مشتملاً على ستة فصول: الاحتفالات، ويتفرَّع عنه، الزواج، أدوات الزينة والحليّ، الوشم، الكحل، وعادات وتقاليد أُخَر، ومنها: تقديس الماء، تقديس عتبات البيوت، رش العروسين بمادة الملح، إشهار دم بكارة العروس، وركوب الناقة.

أما الفصول الأخرى، من الثاني وحتى السادس، فيتناول فيها: الفراق والموت، الشاي، التعبُّد، الطب والسحْر، والكنز.

كما احتوى الكتاب على عدد من الملاحق اشتملت على: بعض قصائد من الرَّاي التقليدي، بعض أغاني الرَّاي العصري، المردَّدات الشعبية، بعض أسماء مطربي فن الرَّاي، بعض المصطلحات المتصلة بالغناء والرقص الشعبيين، ملحق للصور، وبعض المصطلحات المتصلة بصنعة الرواية.

يذكر أن الجيلالي الغرابي، مغربي الجنسية، ولد في مدينة وجْدَة العام 1974، وحاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً