العدد 4839 - الأحد 06 ديسمبر 2015م الموافق 23 صفر 1437هـ

إنّ العرق دسّاس!

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في حديث عن الرسول (ص) قال فيه: ( تخيّروا لنطفكم فإنّ العرق دسّاس)، وقد تناقش في هذا الحديث كثير من العلماء، ومنهم من أيّد صحّته، ومنهم من أوّله، ومنهم من أثبت بطلانه، وردّه إلى حديثين آخرين، أحدهما حديث عائشة (رض) مرفوعاً: «تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم» أخرجه ابن ماجة (1968) والحاكم (2/176،177) وصححه، وضعَّفه غيره، والحديث الآخر هو: «وانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس» أخرجه ابن عدي (6/178)، والقضاعي (638)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1007)، وأيّا كان الحديث فإنّ التأكيد على أنّ العرق دسّاس أثبتته التجارب.

وإليكم هذه القصّة المستوحاة من التراث الشعبي، نعرف من خلالها كيف يكون العرق دساساً: أتى شخص إلى البلدة وهو ينادي أنا سياسي أحل المعضلات والمشاكل بين الدول، بين العشائر وبين الشخصيات أنا سياسي... يسمعه الملك وهو جالس في قصره فيقول لرجاله آتوني بهذا المنادي، دخل الرجل وبعد التحية والسلام يسأله الملك: أنت سائس؟ رد السياسي: أنا لست سائساً، أنا سياسي.

قال الملك: قلت لك إنك سائس وإلا أعدمتك، فما كان من الرجل إلا الامتثال لأمر الملك خوفاً من الإعدام، فتسلم الفرس من السائس السابق وحذره قائلاً: هذه الفرس أعز على الملك من روحه احذر أن تخبره عن عيوبها وإلا يقوم بإعدامك، التفت السائس إلى الملك قائلاً: مولانا أما تعفيني؟

قال الملك: كيف أعفيك، قد عينتك سائساً فنادى على خدمه، حضروا للرجل غرفة وفراشاً واعطوه ثلاث وجبات مرق ورز ليباشر مهمته ويسوس الفرس.

باشر الرجل عمله وبدأ يسوس الفرس وبعد عشرين يوماً، هرب خوفاً من الملك فأمر الملك بإحضاره وسأله لماذا هربت؟

ربما أنك قد وجدت عيباً في الفرس، قال الرجل مولاي اعفني قال الملك: الآن تخبرني ماذا وجدت في الفرس وإلا أعدمك.

فقال الرجل: إذاً أعطني الأمان قال الملك: لك الأمان.

قال الرجل: هذه الفرس أصيلة أصيلة وكل من أخبرك أنها رضعت من أمها الأصيلة اسمع ولا تصدق!

حمل الملك سيفه لقطع رأس الرجل وقال له كيف تقول عن فرسي انها لم ترضع من أمها، وأمر خدمه برمي الرجل في السجن وأرسل في طلب الوزير الذي أهداه الفرس، أتى الوزير،

سأله الملك قائلاً: كيف تعطيني هذه الفرس وهي لم ترضع من أمها الأصيلة؟!

قال الوزير: مولاي سامحني لقد ماتت أمها عند ولادتها.

قال الملك: ومن أرضعها... أجابه الوزير: لم يكن لدي إلا بقرة نمتلكها قامت بإرضاعها، قال الملك: إذاً ما قاله السائس صحيح، فأمر الملك بإخراج الرجل من السجن وقال له يبدو أنك لست رجلاً هيناً الآن أخبرني كيف عرفت أن الفرس لم ترضع من أمها؟! قال الرجل: الفرس الأصيلة عادة تأكل في معلف أو تعليقة في رقبتها تأكل منها وهي مرفوعة الرأس، أما فرسك يا مولاي فإنها تبحث عن الطعام على الأرض مثل البقر. الفرس الأصيل لا يضع رأسه في الأرض دائماً رافع رأسه، فقال الملك للسائس أحسنت وقال للخدم خذوا الرجل أعطوه دجاجاً وأطعموه جيداً، وأمره أن يسوس زوجته الملكة، وقال سوف ألحقك بخدمتها، توسل الرجل: مولانا اعفني جزاك الله خيراً.

قال الملك أبداً هذا أمر، وعليك تنفيذه وأمر أحد غلمانه أن يذهب للملكة يخبرها أن هناك خادماً جديداً وسيكون نديماً لها ومستشاراً بأمر الملك، ولها أن تطلب منه قضاء حاجاتها، دخل على الملكة وسلم عليها... ثم بعد فترة من الزمن قال له: قل ماذا وجدت؟ فقال الرجل متوسلاً إلى الملك أن يعفيه إلا أن الملك يصر أن يعرف منه ماذا وجد في الملكة، قال لك الأمان قل ماذا وجدت؟! قال الرجل: إنها تربية ملوك وشرف ملوك وأخلاق ملوك وكرم ملوك لكن من يقول لك إنها ابنة ملوك اسمع ولا تصدق! جن جنون الملك وقال له: كيف تقول إن زوجتي ليست ابنة ملوك فأمر بسجنه وقطع الطعام عنه.

وذهب إلى أم الملكة وأبيها وهو ملك البلدة الثانية ليستوضح الأمر منهم فقال لهما أخبروني وإلا قمت بذبحكم الآن هذه البنت ابنة من؟ فقالوا له أعطنا الأمان ونحن نخبرك.

قصوا عليه قصة البنت: كانت ابنتنا لك وانت لها وهذا كان اتفاق بيني وبين ابيك الملك منذ أن كان عمرها سنتين وكان أبوك ملكاً ظالماً وقد أصابت ابنتنا الحصبة وماتت، وفي هذا الوقت أمرنا أبوك بإجلاء الغجرعن المنطقة هؤلاء الذين عملهم الرقص والغناء طردناهم، وحرقنا بيوتهم وخرجت بنفسي لأرى هل تم تنفيذ الأمر أم لا؟ فوجدت هذه الطفلة عمرها عامين لوحدها قرب الوتد فأخذتها وقمنا بتربيتها، رجع الملك لبلدته وأمر بجلب الرجل من سجنه وسأله كيف عرفت أنها ليست ابنة ملوك، وهي من عمرها سنتين قد تربت عند ملوك وعاشت معهم حتى هذا العمر الذي هي فيه؟

قال الرجل: مولاي قلت لك إنها تربية ملوك وكرم وملوك وشرف ملوك وأخلاق ملوك، لكنها ليست ابنة ملوك لأن عندها غمزة بعينها تتغامز عندما تتكلم وهذه من عادات الغجر يتغامزون عندما يتكلمون وهذه العادة عند الملكة لذلك عرفت أنها ليست ابنة ملوك! فقال الملك هذا الرجل كارثة! أطعموه خروفاً الصبح وآخر عند الغداء وثالثاً عند العشاء وتجلس هنا تسوسني!

هنا اضطربت فرائص السائس واحتار كيف يخلص من هذا المطب، وحاول وتوسل لكن لا فائدة يصر الملك أن يقوم الرجل بمهمته الجديدة فقال الرجل: أسوسك مولاي؟ قال الملك: نعم... هرب الرجل من ليلتها فجلبه، وقال له على ما يبدو أني مكشوف لك! قال السائس له من قال لك إنك ابن ملك؟ وقال له اذهب وابحث عن أصلك.

فذهب الملك إلى أمه وقال لها أنا ابن من؟ اليوم أريد أن أعرف.

فقالت له أمه: كان أبوك ظالماً ولا ينجب، يتزوج البنت وبعد تسعة أشهر إذا لم تلد يذبحها، وعلى هذا المنوال قضى على نصف بنات البلدة حتى وصل الأمر لي ماذا علي أن أفعل، إما ألد أو يذبحني، وكان في القصر طباخ. أنت ابنه! أتى الملك الى السياسي وسأله انت كيف عرفتني؟ قال له معروف انت يا مولاي! الملك عندما يعطي ويهب يعطي ذهباً وفضة أما أنت تعطي مرقاً ورزاً ولحماً ودجاجاً! الذي يرافق الطباخ ماذا ينال منه عندما يرضى عليك يعطيك طعاماً وعندما يغضب يقطع عنك الطعام!

وأخيراً صدق من قال بأنّ العِرقَ دسّاس!

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 4839 - الأحد 06 ديسمبر 2015م الموافق 23 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً