العدد 4840 - الإثنين 07 ديسمبر 2015م الموافق 24 صفر 1437هـ

عقد ونيف من عمر الأحزاب البحرينية: «العَلْمنَة» تلوح في الأفق

بين التقنين والتوعية تدور رحى المواجهة... و«المنبر الإسلامي» يدعو لإصلاح الخلل

علي أحمد - أحمد البنعلي - ماجد الماجد
علي أحمد - أحمد البنعلي - ماجد الماجد

في العام 2002، تغلبت حكاية الجمعيات السياسية على الهواجس الرسمية من التشكيل بلون مذهبي واحد، لتظهر على إثر ذلك جمعيات مثلت أذرعاً سياسية لتيارات دينية، من بينها الوفاق، المنبر الإسلامي، الأصالة، والعمل الإسلامي (حلت).

اليوم، وبعد مرور عقد ونيف على التشكيل والتأسيس، عادت الحكاية مجدداً، لكن من بوابة تعديلات ملفتة مررها مجلس الشورى في جلسته أمس الأول (الأحد)، على مقترح بقانون يختص بقانون الجمعيات السياسية، وبموجب هذه التعديلات بات مُحَّرماَ الجمع بين عضوية الجمعية السياسية، واعتلاء المنبر الديني أو الاشتغال بالوعظ والإرشاد.

وقبل ذلك بـ 4 أيام، كان وزير شئون مجلس الوزراء محمد المطوع، قد أعاد الحكاية لمربعها الأول، تحديداً حين ذكر بتبنيه منذ المخاضات الأولى لتشكل الحياة السياسية في البحرين قبل 13 عاماً، الرأي القائل بـ «وجوب أن تقوم كل جمعية سياسية على قاعدة وطنية تشمل كل البحرينيين، من دون النظر إلى أية اعتبارات أخرى طائفية أو مناطقية أو ما شابه ذلك»، قبل أن يطلق تصريحه المدوي، والذي دعا من خلاله لـ «إعادة تشكيل القواعد السياسية في البحرين عبر تعديل قانون الجمعيات السياسية، وذلك من خلال وضع شروط تمنع تشكيل أي جمعية على أساس طائفي أو مناطقي».

المشتغلون والمنشغلون بالسياسة، أدلوا بدلوهم لـ «الوسط»، فظهرت التباينات، بين مؤيد لتعديلات «الشورى»، وبين متفهم ينتظر التوضيح، وبين من رأى أن الحل يكمن في منطقية التوعية لا قوة القانون.

المنبر والسياسة

لا يرى النائب شيخ ماجد الماجد، فكاكاً بين الجانب الديني والجانب السياسي، فالإشكالية، كما يوضح، هي «في منهجية وكيفية التعاطي مع العمل السياسي لا في المعرفة العامة بالسياسة أو ممارستها، تماماً كما يتعاطى المرء مع المال تارةً من أجل أن يكون فاسداً أو مفسداً، وأخرى من أجل أن يتصدق ويفعل الخير».

عطفاً على ذلك، قال الماجد «نحن ننظر لرجل الدين بوصفه مواطناً على قدم المساواة مع بقية المواطنين، فإذا بدأنا في التفصيل بحيث يبقى مواطن هنا ومواطن هناك فلن نبقي حجراً على حجر، على اعتبار أن التجزئة ستصل لأبعد نقطة بين المواطنين»، مضيفاً «ننظر للمسألة من حيث ما ينبغي أن يكون عليه تعاطينا السياسي سواء من رجل الدين أو من غير رجل الدين، والمحك ما إذا كان يمارس السياسة من أجل خدمة الوطن، أو يمارسها على حساب الوطن».

بالمقابل، تنظر الناشطة فوزية زينل، والتي خاضت معارك انتخابية وجهاً لوجه أمام مترشحين مدعومين من جمعيات سياسية إسلامية، للتعديلات بعين الإيجابية.

تقول حول ذلك «من حيث المبدأ أرى أن التعديلات إيجابية، فرجل الدين يجب أن لا يكون ضمن إطار حزبي معين، بل يتوجب على كل من يعتلي المنبر الديني أن يكون إنساناً موضوعياً ومثالاً لما ينص عليه الدين بكل سماحته وتعايشه وتلاوينه».

وأضافت «كلنا نؤمن بنفس الدين، لكننا نشير هنا لأهمية تخصص رجل الدين في الوعظ أو الإفتاء».

أما الأمين العام لجمعية الوسط العربي أحمد سند البنعلي، فنوه إلى أن ما يحصل من نقاش وتعديلات هو نتاج للتوصيات الصادرة عن الحوار الوطني، تحديداً التوصية الخاصة بضرورة الفصل بين المنبر الديني والعمل السياسي، أو منع المترشحين للانتخابات من اعتلاء المنبر الديني.

وأضاف «قد يرى البعض في ذلك شبهة دستورية، والمحكمة الدستورية هي الفيصل في ذلك، لكننا إذا أخذنا بمضمون المقترح بقانون على المدى البعيد، فقد تشوبه بعض الشوائب، على اعتبار أن المنبر الديني يشمل بحديثه الجانب السياسي بموازاة بقية الجوانب»، واستدرك «لكن القضية المهمة في ذلك، تتعلق بالتمييز بين الأطراف المختلفة في الجانب السياسي، عن طريق إتاحة الفرصة لبعضها في اعتلاء المنبر الديني وتجييره سياسياً لصالح أفراد أو جهات معينة، في الوقت الذي يمنع على الآخرين اعتلاء هذا المنبر لسبب من الأسباب، ويمنع عليهم حتى مجاراة الآخرين في قضية التعبير وخصوصاً في مواسم الانتخابات، وذلك بسبب عدم امتلاكهم للمنبر الديني».

وأردف «لذلك أُسيء في السنوات الأخيرة استغلال المنبر الديني، مما أدى لتميز تيارات دينية على غيرها، وذلك بسبب استخدامها للمنبر الديني من أجل الترويج لبعض المترشحين، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأنا شخصياً رأيت هذه العملية في أحد الجوامع في سنة من السنوات، بحيث كانت الدعوة لجهة ضد جهة أخرى، مباشرة، وهذا الأمر لا يجوز، فالمنبر الديني للجميع، وليس لجهة معينة».

الحل بين الوعي والقانون

حين عرض التعديلات للنقاش في مجلس الشورى، انبرى عضو المجلس جمال فخرو، لانتقاد عدم كفاية القانون لمواجهة ما توصف بـ «إشكالية جمع رجل الدين بين الدور الديني والدور السياسي».

في سياق الحديث ذاته، يدعو النائب الماجد لخلق حالة وعي بدلاً من الاستعانة بالقانون لترشيد العمل السياسي في البحرين، حيث يقول «ما نحتاجه هو خلق حالة من الوعي نتداولها بشكل واضح، فما نقوله في الغرف المغلقة ينبغي أن نقوله في العلن، والعكس صحيح، أما حالة الانفكاك بين الجلسات الخاصة وبين حديثنا في الشارع العام، فإن ذلك هو الذي أساء لحالة الوعي لدينا كشعب»، مردفاً «ينبغي أن يكون الخطاب موحداً في الحالتين، لكي يفهمنا الآخر بعيداً عن الازدواجية».

أما مسألة المنع، فيعلق عليها الماجد بالقول «أي قانون يشتمل على المنع سيواجه بألف طريقة وطريقة لاختراقه».

تناغماً مع رأي الماجد، يعتقد الأمين العام لجمعية المنبر الإسلامي علي أحمد، أن التقنين ليس حلاً لكل الموضوعات، التي قد تتطلب توعية، وعقّب «بعض القضايا يصعب تقنينها إلا إذا تم ضبطها بتعريفات واضحة، وإلا فإن الظلم سيلحق بأناس كثر».

وأضاف «لذلك نؤكد على الحاجة للتروي في هذا الموضوع، وما أعتقده أن هذا الموضوع حين يتحول لمشروع بقانون فإن النقاش بشأن ذلك سيكون جدياً، ويظهر لنا أن هنالك تسرع في وضع النصوص».

كما أشار إلى أن تجارب بعض الدول تتضمن فصل العمل الحزبي عن الديني، حيث لا يجوز للشخص استخدام منصبه للدعوة لحزبه، والأصل هو الدور التوعوي في الشئون الاجتماعية والسياسية وغيرها، وتساءل «أما مسألة التقنين، فما هي القضايا التي يطالها المنع فيما يتعلق بنشاط رجل الدين؟ كل ذلك بحاجة لتفصيل ونقاش».

تعديلات «الشورى»

ومستقبل الإسلام السياسي

بين من يرى في التعديلات، «خطوة، باتجاه تغيير قواعد اللعبة السياسية في البحرين»، وبين من يعتبر أن المقترح بقانون بحاجة لنقاش مجتمعي قبل تحوله لمشروع قانون، تدور رحى مواجهات فكرية.

الأمين العام لـ «المنبر الإسلامي» علي أحمد، يصطف مع الرأي الأخير، مجدداً تأكيده على حاجة الاقتراح بقانون، للحوار وللنقاش حين يتحول لمشروع بقانون.

وسجل أحمد جملة ملاحظات على الاقتراح بقانون، تركزت حول ما يسميه «عدم وضوح بعض العبارات والمصطلحات، من بين ذلك تعريف رجل الدين»، متسائلاً «ما المقصود تحديداً برجل الدين؟ ففي الإسلام ليس لدينا رجال دين كالمسيحية، وبديل ذلك هم العلماء المتخصصون تماماً كما يتخصص البعض في الفيزياء أو الرياضيات، وإلا فإن كل مسلم هو رجل دين».

وأضاف «القضية المهمة أن لا ندخل في إشكالية، فالتقنين جيد، تحديداً في مسألة عدم استخدام المنبر الديني، للدعوة الحزبية، وهذا الأمر مرفوض من قبلنا، حيث إننا نرفض استخدام المساجد أو المنابر كدعوة حزبية، ولكن الإسلام يشتمل على توعية اجتماعية وسياسية، والخطيب حين يرغب في التوعية حول ذلك، فإن هذا واجبه وعمله، لكن يجب أن لا يكون هناك تصنيف حزبي».

وتابع «غموض بعض النصوص، يفرض الحاجة للمزيد من الدراسة والنقاش المجتمعي قبل إقرار المقترح، فالإشكالية أن يتحول الخطاب الديني لخطاب حزبي، لكن نفس الخطاب متاح له الحديث في كل القضايا انطلاقاً من القناعة بعدم الفصل بين الدين والدولة، أو الدين والتوعية السياسية».

أما النائب الماجد، فرد على سؤال بشأن التبعات المتوقعة للتعديلات على نشاط الجمعيات السياسية الإسلامية، فقال «أي قانون يصدر لا يأخذ جانب طبيعي بين الناس، يأخذ في العادة جانب الاستثناء، والاستثناء عادة لا تدار به أمور الناس، فحين نتحدث عن قانون ذا وضعية طبيعية تتناسب مع الجميع، فهذا القانون يتمكن من الاستمرارية، أما حين تدار الأمور باستثنائية فهذا الأمر يوجه عادة تعديلات في فترات لاحقة».

من ناحيته، تداخل الأمين العام لجمعية الوسط العربي أحمد سند البنعلي، حول ذلك بالقول «إذا أخذنا مصطلح الإسلام السياسي بصيغته العمومية، فالإسلام يشمل كل شيء، وعلينا أن لا نستخدم بعض المفاهيم التي نبعت من استخدام بعض التيارات الدينية الخاطئ للعمل السياسي، ويجب أن لا يؤثر علينا هذا الأمر للوصول لفصل الدين عن السياسة».

من جانبه، قال الخطيب الشيخ صلاح الجودر «ذلك ممكن، في حال كان عمل هذه التيارات مقتصراً على استخدام المنابر الدينية، ولذلك فنحن نتمنى من الجمعيات الممثلة لهذه التيارات أن تتحول لجمعيات مدنية بدل أن تكون دينية، وهذه الملاحظات كانت حاضرة منذ العام 2002، أي مع ولادة الجمعيات السياسية التي قامت على أسس دينية ذات صبغة طائفية، أوصلتنا لمرحلة الصراعات».

جمعيات الإسلام السياسي وتهمة الطائفية

ليس جديداً الإشارة لما يواجه جمعيات الإسلام السياسي، من تهم تتعلق بإثارة وتعزيز الروح الطائفية.

في التعليق على ذلك، يقول الماجد «لا يمنع أن يتحدث الإنسان عن طائفته، لكن لغة الخطاب هي الإشكالية، تحديداً ما إذا كانت قائمة على تخوين وتجريم الآخر، ولذلك نقول إن الحديث عن الطائفة ليس ممنوعاً، ولكن الظلال التي يرمي إليها هذا الحديث».

بدوره، رد البنعلي بوضوح على ذلك، ليقول «الأحداث في السنوات الأخيرة وتواري الفكر العروبي عن الساحة السياسية، أدى لطغيان النفس الطائفي على العمل السياسي بل وحتى الاجتماعي والديني، وهو أمر خطير لا نرى سبيلاً لمعالجته، وقد تكون الأذرع السياسية لتيارات الإسلام السياسي، ساهمت بصورة مباشرة وقوية في خلق هذه الفرقة الطائفية، وهنا تبرز أهمية العلاقة بين المنبر الديني والعمل السياسي».

في الإطار ذاته، يرجع الجودر الإشكالية زمنياً للفصلين التشريعيين الثاني (برلمان 2006)، والثالث (برلمان 2010)، مضيفاً «حسب ما أرى، فإن هذين الفصلين، هما السبب في اللجوء للتعديل على قانون الجمعيات السياسية، تحديداً بعد الصراعات التي أفرزت مجتمع يعاني من الاضطراب، وأبرز من وقع في تلك الإشكالية هم النواب الذين يحملون الصفة الدينية كالخطباء».

واستدرك «لكن ذلك لا يعني إغفال ما لرجل الدين أو خطيب المنبر من حقوق، بما في ذلك الانتخاب والتصويت، لكن حين يختار الدخول للبرلمان فعليه الاختيار بين أمرين، إما المنبر أو الاشتغال في السياسة، لكي لا يتم استغلال أحد المنصبين من أجل الآخر، وهذا الأمر لا يقتصر على الخطباء بل يمتد ليشمل جميع رجال الدين»، معبراً عن تأسفه على «غياب الأخلاقيات حتى من قبل كتل دينية، فظهرت الملاكمات والملاسنات داخل البرلمان ما يعزز من أهمية وجود قانون يحول دون تضارب المصالح».

ولا يعيش الجودر هواجس الحديث عن ما قد تحده التعديلات من دور للخطيب أو عالم الدين، فيقول «على العكس، فذلك من شأنه إصلاح كل مجال، وتخصيص من يناسبه، كل في مكانه».

أحمد: التنوع لا المذهب أساس تشكيل الأحزاب

في حديث لا يخلو من مفارقة، يعبر الأمين العام لجمعية المنبر الإسلامي علي أحمد عن موقفه حيال إلصاق تهمة الطائفية بجمعيات تيار الإسلام السياسي، ليقول «وجهة نظري أن العمل الحزبي لا بد أن يقوم على التنوع، بمعنى أن الحزب لا بد أن يمثل كافة أطياف المجتمع، وعدم تحقق ذلك يعني وجود خلل في العملية، ولو افترضنا أننا تطورنا ووصلنا لمستوى أن يكون للأحزاب دور في تمثيل الحكومة، فلا يمكن لكل حزب أن يمثل طائفة».

وخلص من ذلك للقول «أعتقد أننا أمام خلل يحتاج لتعديل، فمن التجارب في بعض الدول لا يسمح بإقامة الحزب إلا في حال ثبت تمثيله لمكونات المجتمع كافة، ونحن في البحرين نشكو من خلل يتطلب معالجة، ولكن المعالجة في بعض الأحيان لا يكفي فيها القانون الذي قد يكون أروع ما يكون، لكن تبقى الحاجة ماسة للتوعية والتهيئة لنتحول بعد ذلك لوضع القوانين ووضع الضوابط حول ذلك».

ورداً على عدم واقعية ذلك، قال أحمد «بل هو واقعي جداً، فنحن حين بدأنا العملية السياسية، كانت الأمور أهدأ بكثير، ولم يكن هنالك تشنج، ونحن في بداياتنا كانت أنشطتنا تشهد حضور جميع الأطياف، حتى وصلنا لمرحلة تبادل خبرات، لكن حين أصبح هناك فرز للأسف بعد أحداث 2011، أصبحت هذه الفكرة بعيدة، ولكني أعتقد أن من خلال تجربتنا فإن الحديث حول اشتمال الحزب على جميع الأطياف، أمر معقول جداً، فحين يصبح المجتمع متعافٍ وصحي فإننا ننظر لبرامج الأحزاب، لتصبح هي الفيصل في الانتماء إليه».

وأضاف «الفرز الحالي هو غير طبيعي على المجتمع البحريني، وكل ما يهدأ المجتمع يكون هنالك سلم اجتماعي ويخلو الشد، فيكون الطرح عقلانياً وموضوعياً جداً، ولا يكون هنالك النظر للطائفة ولكن للبرامج المقدمة من قبل الجمعيات».

العدد 4840 - الإثنين 07 ديسمبر 2015م الموافق 24 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:52 ص

      الخلل ليس أبعاد رجل الدين عن السياسة فهو مواطن كغيره

      أزمة الوطن ليس بسبب هذا بل تطبيق قانون يمنع تكوين جمعيات قبلية أو عائلية أو مذهبية أو جمعيات من هذه الأصول أو تلك فقط هذا يسبب تفكيك الوطن بل جمعيات تقبل جميع الأطياف هذا يزيد اللحمة والوحدة الوطنية

اقرأ ايضاً