العدد 4854 - الإثنين 21 ديسمبر 2015م الموافق 10 ربيع الاول 1437هـ

ما طعم الحياة السياسية بلا موالاة ومعارضة؟

رضي السماك

كاتب بحريني

مضى حين من الدهر اعتادت قوى ورموز المعارضة السياسة في دولنا العربية على اختلاف انتماءاتها السياسية السخرية والحط من وطنية قوى ورموز الموالاة على اختلاف تياراتها، وحينما ترتفع درجة الغليان بين الطرفين، الموالي والمعارض، فإن المشاحنات السياسية يتخللها الإسفاف والقذف والتخوين المتبادل. واللافت للنظر أن المعارضة كانت هي الأشهر في سني صعودها بتبني هذا النوع من التشهير والتخوين، في حين كانت السلطة وقوى الموالاة تلتزم الصمت وكأنها عاجزة عن نفي التهمة، لكن الزمن دار دورة كاملة وأصبحنا نشهد مفارقة عجيبة من نوعها في عصرنا الراهن، ففي ظل انحسار المعارضات العربية لما تعرضت له من ضربات أمنية قاصمة، أصبحت وسائل الإعلام العربية الرسمية، ومعها قوى ورموز وأقلام الموالاة، هي التي تتجرأ بوصم المعارضة بالخيانة الوطنية، وأضحت هذه الأخيرة هي التي تستميت وتبذل قصارى جهدها لإثبات وطنيتها وتستشهد بسجل تاريخها الوطني الناصع البياض، بل باتت تحرص في خطابها السياسي على استخدام لفظ «الموالاة» تأدباً بدلاً من مفردات أخرى كانت مفردات خطابها إبان العمل السري.

وأياً كان الأمر فليس بالضرورة كل من يدافع عن السلطة من الموالاة هو خائن لوطنه، وكذلك ليس بالضرورة كل من يلتقي مع السلطة في هذا الموقف أو ذاك قد أصبح موالٍياً يحمل شبهة «الخيانة» بحق قضية شعبه الوطنية ليتم اغتياله سياسياً بجرّة قلم. ولعل أكبر دليل على صحة هذا الاستنتاج بشأن هذه الظاهرة السياسية المرضية، والناجمة في اعتقادنا عن الغياب الطويل للديمقراطية والافتقار إلى خبرة ممارستها في حياتنا السياسية العربية، هو أننا لا نكاد نلحظها وجودها في الدول الغربية الديمقراطية، إلا ما ندر من مواقف أو حالات.

وأنت لتلمس ثمة فارق كبير أيضاً بين ثقافة وسلوك ومواقف الموالي الغربي للحكومة في الدول الديمقراطية، أياً يكن الحزب السياسي الحاكم الذي تنتمي إليه، يسارياً أم يمينياً أم وسطياً، وبين ثقافة وسلوك ومواقف الموالي في معظم دولنا العربية، فبينما مواقف الموالي في الدول الغربية تتميز غالباً بالرُّشد والعقلانية وبالثقافة السياسية الكبيرة، أياً كان اتفاقك أو اختلافك مع رأيه، تجد مواقف الموالي في دولنا العربية تتسم في الغالب الأعم بالسطحية وبسلوك يجنح إلى العدوانية الشديدة، وينحو نحو تخوين المعارض واتهامه بالعمالة للأجنبي، بل وعدم التورع عن التشهير بحياته الخاصة وهو سلوك يقع تحت طائلة القانون، ومع ذلك تتغاضى عنه السلطة العربية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن جون ستيوارت Jon Stewart نجم الكوميديا السياسة المعارض، صاحب البرنامج التلفزيوني الساخر The Daily Shoe والذي يستقطب ملايين المشاهدين أصبح في عهد الرئيس أوباما موالياً له، لكن هذا التحول لم يدفع أحد إلى تخوينه، ولم يقبل من جانبه لنفسه أن يكون نجماً مبتذلاً محترف التبجيل والتملق الرخيص للرئيس على الطريقة العربية في التطبيل والإفراط في التبجيل الفج للحاكم العربي، لأنه يثق في ذكاء شعبه الأميركي ويعلم بأنه سيحتقره إذا ما خاطبه بمثل هذه اللغة الموغلة في النفاق، ولهذا ظل محتفظاً باستقلاليته ولم يتخلَّ عن أسلوبه العقلاني، ولم يتردد عن انتقاد قصر نظر أوباما في طريقة محاربة «داعش». صحيح أن دولنا العربية، لا تخلو الموالاة فيها من بعض النماذج القليلة القريبة من النموذج الأميركي الذي يمثله ستيوارت، بيد أن خطابها في أزمنة التوترات والقلاقل الداخلية سرعان ما ينقلب رأساً على عقب بزاوية 180 درجة وتتفرغ بالكامل لشحذ نصال سكاكينها وسهامها الحادة للهجوم العنيف لفظياً على قوى المعارضة. فيميل خطابها إلى التشهير الرخيص والقذف والتخوين والدفاع بلا حدود عن النظام، أكان ذلك عن حق أم عن باطل، وتكاد تمتنع كلياً عن كتابة أي نقد للحكومة العربية كما كانت تفعل في أوقات السلم والاستقرار الداخلي.

مهما يكن فإن كلا الخطابين، المعارض والموالي، مهمان ولا غنى عنهما في الحياة السياسية لأي دولة تتبنى أي شكل من أشكال الديمقراطية، ولا طعم، إذ تتصلب شرايينها في ظل غياب أي منهما وتصبح باهتة وينعدم السجال السياسي والفكري الصحي، فليس خطاب المعارضة مهما امتلك من قاعدة جماهيرية عريضة هو على صواب في مطلق الأحوال، إذ لابد في حالات غير قليلة أن تغلب على بعض جوانبه أو نقاطه المزايدة أو الكذب ضد النظام، وهنا يأتي دور خطاب الموالاة، إذا ما امتلكت العقلانية والمعلومات الدقيقة والأرقام الصحيحة لتفنيد هذه المزايدات أو الأخطاء التي وقع فيه خطاب المعارضة سهواً أو تعمداً، لتستفيد منه المعارضة في ترشيد وتصحيح خطابها ومعلوماتها، ومن باب أولى ألا يكون خطاب الموالاة صحيحاً مادام غايته وديدنه الدفاع عن النظام بلا حدود ليستفيد هذا الأخير بدوره من تصحيح سياساته وأخطائه وتبصيره على بواطن الأخطاء والانحرافات التي يقع فيها، هذا إذا ما رام تفادي تفاقم هذه الأخطاء وبحث عن سُبل حلها، ولم يكن من الذين يكرهون الاعتراف بها وتصحيحها تحت خوف المس بهيبته وافتقاد امتيازاته.

وللأسف أن بعض دولنا العربية لا تستنكف عن الاعتراف بشرعية ووطنية المعارضة فقط، بل هناك من الأنظمة العربية من يكابر في الاعتراف بوجود شيء أصلاً اسمه «المعارضة « بين صفوف شعبه الذي يعتبره شعباً وفياً موالياً له ولحاكمه المحبوب بنسبة 99,9 في المئة مادامت سياساته رشيدة لا تعرف الزلل مطلقاً!

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4854 - الإثنين 21 ديسمبر 2015م الموافق 10 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:24 م

      المعارضة اشكال

      ليتنا كنا نملك معارضة تحب الوطن بكل أطيافه ولا تتشدق بالطائفية ولا الأجندات الخارجية

    • زائر 2 زائر 1 | 11:36 م

      هدا الكلام من وجهة نظرك انت

      يوجد لدينا معارضه متحظره ومثقفه وعلى درجه من الوعي واجنداتها ومطالبها وطنيه بحيث يشهد لها معظم المنضمات الحقوقيه والدول الديمقراطيه. واما ما سطرته في مداخلتك فهدا من وجهة نظرك وهي بعيده عن الحقيقه. دمتم ودامت البحرين حره وابيه

اقرأ ايضاً