العدد 4858 - الجمعة 25 ديسمبر 2015م الموافق 14 ربيع الاول 1437هـ

إيران المتحوِّلة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام تحدثتُ عن ترشُّح حسن الخميني لانتخابات مجلس الخبراء في إيران. وقد افترضتُ أن الحفيد «قد» يصبح رئيساً للمجلس ثم مرشداً للجمهورية الإسلامية خلال الخمسة عشر عاماً القادمة، سارداً بعضاً من تفصيلات المشهد الإيراني. اليوم أكمِل وأنتهي إلى أشياء أخرى «مُحتَمَلَة»

في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2005م تسلَّم آية الله علي فيض المشكيني رئيس مجلس الخبراء الأسبق وإمام جمعة مدينة قم (توفي في 30 يوليو/ تموز 2007م) رسالة من أحد رجال الدين المحسوبين على تيار «روحانيون مبارز» تضمنت عدة نقاط، من أهمها «تحرير» شروط الانضمام إلى مجلس الخبراء، كإلغاء امتحان القبول الفقهي، والسماح للتكنوقراط من غير رجال الدين بالدخول إليه.

بالتأكيد، كانت هناك وجهة نظر أخرى تضمنتها الرسالة كانتفاء «حيادية» اللجنة المشرفة على انتخابات المجلس كونها مُعيَّنة من المرشد الذي ينتخبه الخبراء أصلاً، لكن بَقِيَت مسألة تحرير شروط الانضمام كأهم زاوية اعتمدت عليها الرسالة، والتي يؤمن بها مَنْ أرسلها ومُريدُوه.

الحقيقة، أن ذلك الرأي وَجِيْهٌ في جانب منه، وهو المتعلق بمسألة «ضرورة السماح» لغير رجال الدِّين من الدخول إلى المجلس، لكنني سأسبق ذلك بإشارة سريعة إلى طلب الإصلاحيين إلغاء شرط الاختبارات الفقهية كي يترشّح رجالهم إلى مجلس الخبراء، ويعيدوا مقاعدهم فيه.

هذا الموضوع ينطوي على تفصيلات أخرى يجب التطرق إليها. فخلال السنوات التسع الأولى من عمر «الجمهورية» في إيران كان هذا المجلس شبه مُعطَّل بسبب وجود الخميني على سدّة السلطة بكل ما يحمله من كاريزما، فضلاً عن أنه كان أسَنُّ الجميع وأستاذاً لأغلب أعضائه، الأمر الذي منعه (أي المجلس) من القيام بدوره الحقيقي وهو يعمل في كَنَف الخمينية التي ابتلعه ظلها ضمنياً.

كذلك، كانت الغالبية الموجودة في المجلس هي من رجال الدين الكبار الذين لا يُشكُّ في درجتهم الفقهية، كونهم من الصف الأول لمدرسة البروجردي أو الخميني أو الگلبيگاني أو الأراكي، وهم اليوم مراجع تقليد كصافي گلبيگاني أو مكارم شيرازي أو همداني وموسوي أردبلي ويوسف صانعي.

وبالتالي كان من المعيب أن تسري على هؤلاء شروط التأهيل. كما كان العُرف السائد حينها، أن رجال الدين الأقل رتبة، أقصى ما يُطلَب منهم هو تزكية ثلاثة من كبار رجال الدِّين في الحوزة كي يُجازُوا في الانتخابات، وهو ما جعل عدداً كبيراً منهم يَلِجُون المجلس من خلال ذلك الباب.

في العام 1990م قرَّر مجلس الخبراء أن يضع قانون التأهيل الفقهي، الأمر الذي جعل العديد من رجال الدِّين يخسرون مواقعهم، بسبب عزوفهم عن الترشّح حين اعتبروا خضوعهم لاختبار التأهيل إهانة لهم وخرقاً لعرفٍ قانوني اتبعته إيران منذ بداية الثمانينات.

كان أبرز المعترضين هم رجال الدين المحسوبون على اليسار الديني المتشدد كخوئينيها ومحتشمي وهادي خامنئي ورسول منتجب نيا وأسد الله بيات. إلاَّ أن هذا التيار بدأ يعيد تنظيم صفوفه ليس على المستوى السياسي بل على المستوى الديني كذلك لسدّ الذريعة عبر الاستقواء بمرجعيتين دينيتين في قم محسوبتين على الإصلاحيين ولكن لا يُشَك في درجتيهما العلمية وهما آية الله عبدالكريم موسوي أردبلي وآية الله يوسف صانعي، وذلك لإعداد شخصيات إصلاحية قادرة على الولوج إلى المجلس دون عائق تأهيلي.

قبل أيام أعلن أمين لجنة الانتخابات في إيران علي بور أن اللجنة تلقت 660 طلب ترشيح لانتخابات مجلس الخبراء (حتى تاريخ التصريح). ومن خلال مشاهد التسجيل يتلمّس المراقب أن تياراً قد بدأ يتشكَّل هو بمثابة اللوبي للدخول إلى المجلس، ليس من خارجه حسن الخميني، وهو يُفسّر ما أقول.

على الضفة الأخرى فإن الأنباء تفيد أن الثنائي رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني ورئيس الجمهورية حسن روحاني يقودان مساعي تدفع نحو ذلك التفكير لكن لا يُعلَم هل بالتنسيق مع قوى اليسار الديني أم لا. وهي المساعي ذاتها التي كان قد قام بها محمد تقي مصباح يزدي منذ انتخابات المجلس الرابع، ولكن باتجاه آخر حيث القوى اليمينية المحافظة.

آتي الآن إلى النقطة التي أثرتها في البداية، وهي إعادة تركيب مجلس الخبراء بما يتناسب والتطورات الحالية. فإذا كان منصب الزعامة في إيران لا يتعلق فقط بالشئون الدينية، بل يتعداها إلى الاقتصاد والأمن والثقافة والقانون وغيرها، فمن غير السليم أن يقتصر أعضاؤه على رجال الدِّين، تحت عنوان «دينيَّتِهِم» لا «تخصُّصهم» في مجالات علمية وعملية، حتى مع وجود رجال دين متخصصين في مجالات أخرى إلاّ أن انشطار الاهتمام على غير فرع لا يجعل المرء متميزاً بالضرورة إلاّ ما ندر

كما إن توسيع عمل هذا المجلس ليشمل الأكاديميين ورؤساء الجامعات والنساء ليس حالة شاذة في إيران، فنصف مجلس صيانة الدستور، وهو الذي يُشرف على انتخابات مجلس الخبراء هم ليسوا من رجال الدِّين بل من أصحاب القانون. بل وإذا كانت المرأة قد صَلُحَ وجودها كعضو في مجلس خبراء وضع الدستور «الإسلامي» بعد الثورة فكيف لا تصلح وهي اليوم في مراتب علمية أعلى من قبل؟!

أتناول هذا الموضوع لأهميته كونه يعطينا رؤية لمستقبل إيران في ظل متغيرات الداخل، التي سيفرضها الزمن بعد مجيء طبقة سياسية أخرى تحل محل القيادات الحالية التي لن يترك لها العمر لأن تلعب دوراً كما كانت تلعبه في السابق.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4858 - الجمعة 25 ديسمبر 2015م الموافق 14 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 27 | 9:58 ص

      مالنا

      مالنا ومال ايران ضعوا ايران فى شئنها اكتب عن اوضاع بلادنا وعن القابعين فى السجون ونسائنا وشبابنا وعن فساد وعن سرقات وعن شبابنا الجامعى العاطل وعن المفصولين وعن تفضيل الاجانب هؤلاء المواضيع تهم الشعب وليس ايران الله يحفضك وفرج عن شعبنا المظطهد

    • زائر 18 | 1:35 ص

      والحل مع الجهل؟؟؟؟؟

      أعانك الله أيها الكاتب . عندما شرشحت خاتمي ثار عليك أنصار الاصلاحيين، ويوم شرشحت احمدي نجاد ثار عليك عشاقه من اليمينيين، ويوم فصفصت وكشفت الشأن الداخلي الإيراني قرأك الجانبان كل من زاويته وصنفوك، ويوم حطيت على النظام السوري قالوا عنك انك ضد خط الممانعة ويوم نتفت مواقف تركيا اردوغان ثار عليك الاخوان المسلمون، ويوم نتفت نوري المالكي قالوا عنك بعثي وضد حكم الاكثرية في العراق .. والحل يعني؟!!

    • زائر 16 | 12:53 ص

      متابع

      استاذ محمد
      نحن ننتظر ....

    • زائر 15 | 12:53 ص

      شباب.

      ترى مدارس ايران الحكوميه عليها رسوم سنويه .

    • زائر 13 | 12:13 ص

      صوت الشعب الايراني في كل المناصب

      صوت الشعب الايراني في كل مفاصل الدولة ومناصبها العليا من المرشد حتى ادنى مسؤول,
      عطونا دولة .... بها نصف انتخابات ايران

    • زائر 11 | 12:02 ص

      أهم ما في الأمر ان هناك مشاركة في انتخاب حتى المرشد وتقييم عمله

      1-ها هو المنصب الاعلى في ايران يخضع للتقييم ومراقبة الأداء الوظيفي.
      2-الرئيس منتخب انتخاب مباشر من الشعب
      3-برلمان منتخب انتخابا حرا وكامل الصلاحيات
      4-مجالس بلدية منتخبة وذات صلاحية تامة.
      بمعنى ان كل مسؤولي الدولة في ايران خاضعين للانتخاب والمراقبة.
      ماذا عن....

    • زائر 28 زائر 11 | 4:58 م

      يا اخي لا تدافع زور وبهتان

      شفنا الانتخابات والقتل بالشوارع والسجن وشغل الباسيج ......

    • زائر 10 | 11:23 م

      لما تكتب عن تركيا تسلقها بلسان حاد!

      و لما تكتب عن إيران تمسح عليها!

    • زائر 8 | 10:53 م

      أخي محمد

      ازيدك من الشعر بيت ليس الخوف من الامتحان لأنهم جهلاء في الأصل حتي القرآن الكريم مايحفظونه ولا يعرفون شيء عنه

    • زائر 17 زائر 8 | 1:23 ص

      حقد سيطر عليكم

      للمعلومة ان اكثر حافظين للقران وفاءزين في المسابقات هم الإيرانيين ، كيف شخص العادي حافظ للقران و العالم. ليس حافظ

    • زائر 7 | 10:48 م

      سؤال

      وماذا لو كان موجودا رجل دين وهو متخصص في علوم العصر الا يكون هو الاولى بان يكون عضوا في مجلس الخبراء من آخرين لا صلة لهم لا بالشريعة ولا العقيدة؟!

    • زائر 5 | 10:44 م

      هي نهاية .. حان لها أن تنتهي!

      بداية .......... نفسه لم يكن مجتهد (أي مرجع تقليد)، و لم يعرف أن لديه رصيد في التحصيل الديني، كان (حجة إسلام)، و فجأة أصبح آية الله ... و بعدها بقليل أصبح آية الله العظمى فحق له أن يكون الولي الفقيه في الجمهورية الإيرانية، و كان وراء هذه الحركة الفنية رفسنجاني!
      في الواقع أنا أرتاح لخامنئي أكثر من خميني، لأنه أكثر مرونة ... نعم لم لا، يصبح حفيد الخميني المرشد الأعلى لإيران، إذا كان عاقل و متزن و لن يدخل في مغامرات كما فعل جده. العلم ليس بالضرورة مقياس لمدى الأهلية، بعض الأحيان يكون عائق للإنجاز.

    • زائر 14 زائر 5 | 12:31 ص

      الإمام روح الله الخميني قدس سره لم يكن مغامرا قط

      بل ...... هو من بدأ الحرب ، هو من غامر وأفتكر بأن الإمام الخميني توه واضع رجليه على الأرض وتوه عائد وبأن كل شيء هناك في إيران مفكك ! لكن جاءه الرد القوي من الإمام الخميني إلى أن قال آسف وأنا الذي بدأت الحرب ، ومن ثم ندم بمغامرته هذه. إعرف التاريخ جيدا عزيزي وكن ملم وبحنكه مثل كاتبنا المحنك .

    • زائر 20 زائر 5 | 2:05 ص

      رد على زائر 14 .. التاريخ يقول أن خميني هو من استفز صدام

      عندما قال خميني أن طريق القدس يمر بكربلاء .. و عندما أعلن حزب الدعوة مبايعته لخميني كولي أمر للمسلمين.

    • زائر 23 زائر 5 | 3:31 ص

      نمره 20

      إذا على قولتك وحسب ادعاءك وبموجب تفكيرك ال cheap يعني كل زعيم يأتي يستفزك ومن ثم تشن عليه حرب ، مثل ما عمل صدامك مع إيران ويمكن على قولتك أيضا تم استفزازه من قبل الكويت ومن ثم غزاهم بنصايف الليل وهم نيام! هذا صار مثل (اهواش اليهال) !!! غريب تفكيرك هذا وبل ساذج. تثقفوا قليلا فالغباء مضر للصحه. وأخيرا أقول رحمك الله يا روح الله الخميني وقدس سرك.

    • زائر 4 | 10:41 م

      جيل الجديد

      هل تتوفق مع متطلبات الجيل الحالي من الشباب السياسه والدين ومتطلبات الشباب

    • زائر 2 | 7:35 م

      متابع ... طلب

      أجد الأستاذ محمد خبيرا بالشأن الايراني وذو معلومات وافرة في مسائله , المشكلة أن المواقع الايرانية الرسمية الناطقة بالعربية لا تغطي أشياء كهذه ، أريد من الأستاذ أن يرشدنا إلى المواقع و المصادر الجيدة التي تهتم بأمور مهمة كهذه وتقدمها بعناية ، وكذلك افضل الكتب التي يراها الأستاذ محمد تقدم صورة صحيحة في هذا المجال ، الصحف والكتاب البارعين في ذلك ( الذين يقرأ لهم الأستاذ محمد في هذا المجال شخصيا )
      طلب والأستاذ محمد كعادته لا يرد طلبا من متابعيه .
      و إذا أحد من الاخوة عنده أشياء مفيدة فليفدنا

    • زائر 3 زائر 2 | 10:36 م

      ما راح يعلمك على أسرار المهنة

      مشكلتكم يا متابعي الوسط أنكم تقدسون إيران و مدمنين على أبواقها الناطقة بالعربية.
      حتى تفهم ما يقوله الكاتب (المعروف بانحيازه لإيران) يجب عليك أن تكون قارئ جيد للتاريخ.

    • زائر 6 زائر 2 | 10:46 م

      امور ايران

      احترم كل الانتقاذات لاي شخص اذا كان غرضه الاصلاح والانتقاذ ولكن نحن من نحتاج .... شكرا للكاتب والقراء

    • زائر 12 زائر 2 | 12:13 ص

      عجباً

      الحين انتون مسيطرين على السماء والإلام والأرض والماء وقريبا الهواء ... ما يضركم لو تكلم صحفي واحد عن راي هو مختص فيه بينما انتم تملكون آلالاف الأقلام التي تكذب يوميا..

    • زائر 1 | 6:31 م

      متابع

      مقال دقيق و طرح رائع

اقرأ ايضاً