العدد 4862 - الثلثاء 29 ديسمبر 2015م الموافق 18 ربيع الاول 1437هـ

عُجوزات تخترق الموازنات الخليجية

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

صادفتني ربة بيت خليجية تجر عربتها للتسوق كما أفعل في السوبر ماركت، انزوت بي جانباً وأنا أتفحص أسعار الخضراوات التي ارتفعت بصورة جنونية، بعد تعارفنا سألتني:

- بحكم عملك، ما تصورك بشأن الترشيد والتقشف الذي يرددونه هذه الأيام؟ ماذا عن هبوط أسعار النفط، هل سيطول؟

لم أندهش من أسئلتها فالمواطن الخليجي بات متوجساً وقلقاً مما يقرأه ويسمعه من تصريحات المسئولين والمحللين الاقتصاديين المتضاربة بشأن العجوزات التي تخترق الموازنات العامة وتهاوي أسعار النفط. كثرت أحاديثهم عن تجميد خطط التنمية والتقشف وترشيد الإنفاق إذ لم تتوانَ بعض الحكومات في فرض ضرائب ورسوم ورفع الدعم عن بعض السلع بعد أن ظلت بلدان الخليج تنعم بالرفاهية والنعم من وفورات الإيرادات النفطية.

الأنكى أن صحيفة «الإندبندنت» البريطانية حذرت من احتمال نفاد النقد في بعض البلدان خلال السنوات الخمس المقبلة أو أقل إذ استمر تراجع أسعار النفط، وخصوصاً في ظل الحروب والمتغيرات الإقليمية والاضطرابات الأمنية التي فرضت نفقات ضخمة أنهكت الموازنات بنفقات الدفاع والتسلح والأمن. لم يعد خافياً على المواطن الخليجي توقعات «صندوق النقد الدولي» وتقاريره التي سجلت عجزاً في الموازنات العامة لبلدان الخليج قدرته بـ»145 مليار دولار» مع نهاية 2015، وأكثر من «750 مليار دولار» بين العامين 2015-2020» مع استمرار هبوط أسعار النفط.

ثروات الأجيال تتبدد

تبعاً لتقرير «الصندوق» حديثًا، تبدو موازنة المملكة العربية السعودية الأكثر عجزاً بتجاوز «130 مليار دولار» وبما يمثل «20 في المئة» من ناتجها المحلي، الأمر الذي دفع وكالة «ستاندرد أند بورز» إلى تخفيض تصنيفها الائتماني بما يشير إلى وجود مخاطر ائتمانية مع نظرة سلبية، في الوقت الذي لم تحسم فيه المملكة خيارها في كيفية تمويل العجز.

يشار إلى أنها أصدرت سندات سيادية بقيمة «5.33 مليارات دولار» في أغسطس/ آب الماضي، وبلغت خسائر احتياطها للنقد الأجنبي قرابة «49 مليار دولار» مطلع 2015، بسبب تراجع أسعار النفط وزيادة الإنفاق الحكومي، مع الأخذ في الاعتبار أن عائدات النفط تشكل أكثر من «90 في المئة» من الإيرادات العامة، والحديث لايزال يتداول عن خطة إصلاح اقتصادي للتخلص من الاعتماد على النفط، وخفض الإنفاق وتطوير قطاع تقنية المعلومات وخصخصة المطارات وتحسين خدماتها وتطوير أدائها على أسس تجارية ومعايير تنافسية أملاً في أن تدعم الاقتصاد بالفوائض المالية على المدى المتوسط.

أما في الإمارات، فعلى رغم التنوع في اقتصاد دبي، فإنها لم تنجُ من عجز قدرته المؤسسات المالية الدولية بين «120 و140 مليار دولار»، بيد أن الاقتصاديين يعولون على امتلاكها لأعلى احتياطي في صندوقها السيادي أكثر من «770 مليار دولار» الأمر الذي يسمح لها التكيف مع انخفاض الإيرادات وتمويل العجز. ثمة آراء متباينة حول إجراءاتها، فهناك من يرى أنها اتجهت لشد الحزام بتأجيل بعض المشاريع السياحية وإلغاء دعم المحروقات وبيع البنزين والديزل للمواطن بسعر التكلفة وترك الأسعار للعرض والطلب طبقاً لتحركات الأسواق إلى جانب رفع أسعار بعض السلع الأساسية.

لا يختلف وضع الكويت التي جاءت في المرتبة العاشرة عالميّاً ضمن أغنى دول العالم قبل عام، إذ تسلل إليها العجز وللمرة الأولى منذ 15 عاماً بقيمة «20 مليار دولار». سلسلة من الإجراءات اتخذتها لتقليص حجم العجز، إما بضغط النفقات وضبطها أو بتأجيل بعض المشاريع وعدم التوسع فيها، فألغت الدعم عن الديزل ووقود الطائرات، فيما يتوقع الخبراء صمود الكويت إزاء الأزمة بحكم عدم اعتمادها على أسعار نفط عالية مع التركيز على زيادة طاقتها الانتاجية من النفط المكرر والابتعاد تدريجيّاً عن بيع النفط الخام، لكنها أيضا تدرس خيار الاقتراض عبر إصدار سندات لسد عجز الموازنة.

من ناحيتها أعلنت قطر موازنة 2016، بانخفاض في تقديرات الإيرادات بمبلغ «156 مليار ريال»، مقابل «226 مليار ريال» عن الموازنة السابقة وبعجز لأول مرة منذ 15 عاماً قدره «12.75 مليار دولار»، تقول الحكومة إنها ستموله عبر إصدار أدوات دين في أسواق المال المحلية والعالمية، دون اللجوء إلى الاحتياطي النقدي أو «الصندوق السيادي للدولة»، كما يستبعد الاقتصاديون لجوءها إلى فرض ضرائب على الخدمات العامة لغياب التشريعات والقوانين الناظمة لذلك، من جهة متصلة أعلنت مواصلة الإنفاق على مشاريع الرعاية الاجتماعية والبنية التحتية سعياً وراء تنويع الموارد، فهذا الإنفاق يرجع جزء منه لاستعدادها لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم المقدرة بأكثر من «200 مليار دولار»، فيما تتوجه لوقف الدعم عن عدد من الشركات وخصخصة بعضها، وتحويل إدارة بعضها الآخر إلى القطاع الخاص.

البحرين وعمان في مهب الريح

في البحرين ارتفع العجز في موازنة 2015-2016 من «2.4 إلى نحو 4 مليارات دولار» أي «3 مليارات و33 مليون دينار»، أما في عمان فتتوقع مؤسسة «فيتش» عجزاً بـ»6.47 مليارات دولار» في 2015 بما يعادل «8 في المئة» من ناتجها المحلي وهو مرشح للارتفاع مع استئناف الاقتراض. البحرين كما السلطنة لا تتمتع بالمرونة التي تتوافر عليها شقيقاتها لجهة الاحتياط المالي، مما سيضطرها إلى إجراء تخفيض حاد للنفقات طالما بقيت أسعار النفط دون «70 دولاراً للبرميل، وقد اقترضت هذا العام «700 مليون دينار» عبر الصكوك والسندات واستهلت ترشيدها بخفض الدعم لبعض السلع والخدمات، فرفعت سعر بيع الغاز الطبيعي إلى المصانع، وتخلت عن دعم لحوم الأبقار والدواجن وحددت عدد المواطنين المستحقين للدعم بمنحهم مدفوعات نقدية تعوضهم عن ارتفاع أسعار اللحوم، إلا أن هناك تذمراً من أنها لا تغني ولا تسمن من جوع، والنية مستمرة لإجراء المزيد من خفض دعم أسعار الخدمات والسلع الغذائية والاستهلاكية كالوقود والكهرباء والماء وفرض رسوم على الخدمات الحكومية المجانية أو شبه المجانية في ظل احتباس الأزمة السياسة وتمدد تداعياتها.

ختاماً، استمرار انخفاض أسعار النفط يشكل تحدياً يستنزف الثروات الوطنية ويضعف قدرة دول مجلس التعاون المالية ويبطئ نموها. ومع تباين مواجهة التحديات المالية من بلد إلى آخر، إلا إن المؤسسات المالية الدولية تشكك في قدرة الحكومات على سد العجوزات المتراكمة مع تواصل هبوط أسعار النفط، وخصوصاً أن غالبيتها يعتمد عليه كمصدر رئيس للإيرادات والتمويل.

إن الموازنات تواجه ضغوطاً لعدة أسباب، منها سلبية القطاع الخاص وتضخم القطاعات العامة وعدم كفاءة أدائها واستمرار الإنفاق السخي على البرامج الاجتماعية المقرون بمظاهر فساد، وغياب الشفافية في الصرف على الأمن والتسليح وضمور الممارسة الديمقراطية التي تراقب وتحاسب، إلى جانب الفشل في تعزيز الإيرادات غير النفطية، فكل هذا وذاك يتفاعل مع علاقة «الدولة الريعية الغنائمية» بالمواطن، الأمر الذي ينذر بأزمات وأوقات صعبة تحتاج إلى معالجة موضوعية حكيمة وعاجلة توقف الهدر واستنزاف الثروات الوطنية وتفتح أبواب الحوار بالشفافية ومصارحة الشعوب والجدية في القضاء على الفساد.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4862 - الثلثاء 29 ديسمبر 2015م الموافق 18 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً