العدد 4870 - الأربعاء 06 يناير 2016م الموافق 26 ربيع الاول 1437هـ

تخصص المؤسسات الصغيرة... الطريق إلى العالمية (1)

أحمد صباح السلوم

رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

ينظر الناس بشيء من اللامبالاة إلى الأعمال الصغيرة والتخصص في «الصنعة» كما نقول، لكن في الواقع إن التخصص في الشيء البسيط وإتقانه لحد الجودة التامة هو الطريق «المضمون» نحو تفوقك وتصدير منتجك أو بضائعك ومن ثم وصولك إلى العالمية.

قامت ولاتزال الاقتصاديات الكبرى في العالم على هذا التخصص والإتقان، ونعطي مثالاً على كيفية تطور اقتصاديات كبرى مثل ألمانيا والصين واليابان وتركيا وغيرها اعتمادًا على هذه النظرية.

يقول صاحب أقدم وأشهر مصنع لتصنيع أقلام الرصاص في ألمانيا مصنع «فابر كاستل» – ينتج سدس أقلام الرصاص في العالم - إن السر في النجاح هو التركيز على جزء ضئيل من التجارة لكن على نطاق عالمي وهذه هي طبيعة المشروعات المتوسطة.

هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة كمثل هذه الشركة هي عماد الاقتصاد الألماني وهي التي توظّف نحو ثلثي القوى العاملة ويسمونها في ألمانيا «Mittlestand».

ويمكن أن تطبق هذه النظرية على أصناف أخرى عديدة من المنتجات الألمانية الراقية المعروفة عالميًّا، مثل: «جروهي» و»كارشر» و»بوما» وفارتا» و»براون» وغيرها العشرات من العلامات الأخرى، جميعها بدأ من ورش صناعية صغيرة للغاية أتقنت وأجادت في مجالها «المحدد» حتى استطاعت أن تكون اسما كبيرا على المستوى المحلي أولا وتكون في مقدمة السوق الألماني المتميز دائما بارتفاع المنافسة الداخلية نتيجة لهذه الجودة والدقة في العمل، ومن ثم انطلقت أوروبيا ثم عالميا.

ربما بعضها بعد الوصول إلى مراحل عالية من الإتقان والجودة بدأ يمدد نشاطه بحذر والبعض الآخر لا يزال محافظا على «سر الصنعة» في تخصصه الأصيل، ونحن هنا عندما ذكرنا جميع هذه الأسماء فهي خرجت كلها من عباءة الشركات الصغيرة وأحيانا المتناهية الصغر ثم كبرت وتوسعت حتى وصلت إلى العالمية، ومن منا لا يفتخر باقتنائه المنتجات الألمانية الرفيعة الجودة مثل هذه في منزله أو شركته؟

وحتى هذه اللحظة لم نتطرق إلى الشركات الألمانية العملاقة وخاصة في قطاع السيارات، وهي شركات واسعة الشهرة عالميا، فنحن نركز على الأمثلة من قطاع الشركات الصغيرة.

في البحرين نرى العكس للأسف، من يريد أن يطور عمله تجده يتوسع ويتمدد ويتشعب دون تخصص أو دراسة أو حتى دون أن يصل إلى مرحلة الإتقان في عمله، مقاول متميز أو حتى جيد في أعمال «التبليط» على سبيل المثال واشتهر بذلك تجده يتوسع في النجارة والسباكة والكهرباء وأعمال الأسقف والدهانات فيتشتت ويتوزع جهده وأرباحه على العمالة المختلفة ويضيع في غضون عامين أو ثلاث.

ولو أنه بقي في مجاله يتخصص فيه ويتقن صنعته ويتميز فيها ويطورها لكان حاله أفضل بعشرات المرات وصنعته ازدهرت والطلب عليه ارتفع بلا شك.

لكن التسرع في أغلب الأحوال يأتي بنتائج عكسية وخاصة على المؤسسات الصغيرة التي ليس لديها القدرة على التعرض لصدمات السوق العنيفة وامتصاصها.

ونحن لدينا تجارب في هذا الشأن في «مركز فاروق المؤيد لمساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة»، وعندما بدأنا هذا النشاط برعاية من رجل الأعمال الكبير فاروق المؤيد وبدعم شخصي منه، وضعنا في اعتبارنا هذه النظرية «التخصص» وكانت سببا في نجاح العديد من الشركات الصغيرة التي تعثرت بالفعل بسبب انعدام الخبرة والتشتت، وجدنا نحو8 شركات جميعها يعمل في قطاع المقاولات، لكنهم يعملون في أي شيء وكل شيء ولا «يتقنون» أي شيء لدرجة الإتقان والتخصص، ولديهم عمالة متنوعة كثيرة تحمّلهم كلفة كبيرة، أخذ فريق العمل بالمركز مهمة مساعدة هذه الشركات على كاهله، بالطبع عرفنا المشكلة على الفور «تكاليف كبيرة بسبب العمالة والتشتت، وعائد قليل نتيجة عدم القدرة على منافسة الشركات الكبيرة والمعروفة في السوق»؛ لأنه عندما تتساوى الأسعار بين الشركة المعروفة الكبيرة والصغيرة المجهولة للمستهلك، ستجده يختار الكبيرة المعروفة باعتبار أنها «مضمونة في السوق»، ولن يذهب إلى الصغيرة ليجربها إلا في حالتين، أنها تقدم أسعارا أقل بفارق كبير أو تقدم جودة وتخصص لن يجدهما في مكان آخر.

بدأنا المهمة مع هذه الشركات وعلى الفور – بعد الدراسة – دفعنا كل شركة منها إلى التخصص في مجال بعينه داخل قطاع المقاولات، وهو قطاع كبير متشعب يضم أكثر من 20 مجالاً مختلفاً، فهذه ماهرة في النجارة تتخصص في النجارة فقط، وهذه في أعمال الأسقف وهذه في أعمال الدهانات وتلك في السباكة وأخرى في الكهرباء وهكذا، وبدأنا نتفاوض لهم مع مقاولين كبار للحصول على عمليات فرعية «من الباطن»، وجميعهم الآن يعمل ويدر ربحًا، ولله الحمد.

في الدول المتقدمة أيضا يركزون على جزئية التعلم المهني المتقن في مجال بعينه وكيفية تطوير المهارات الصناعية والحرفية لدى العمالة، وهو ما سيكون حديثنا في حلقة قادمة من سلسلة «الإتقان والتخصص طريقك إلى العالمية».

إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"

العدد 4870 - الأربعاء 06 يناير 2016م الموافق 26 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:59 ص

      تخصص

      أحسنت على هذا المقال و اللفتات المهمة التي تناولتها في المقال الشيق... شكرًا لك و بانتظار المقالات القادمة

    • زائر 1 | 10:42 م

      عام

      مقال جميل جدا تسلم الى المزيد في دعم المؤسسات الصغيرة شكرا

اقرأ ايضاً