العدد 2494 - السبت 04 يوليو 2009م الموافق 11 رجب 1430هـ

حزب «شاس»... والايديولوجية الطاردة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ردود الفعل الفلسطينية الرسمية والشعبية على تصريح وزير الإسكان الإسرائيلي ارييل اتياس عن رفضه للتعايش بين اليهود والعرب اقتصرت على الجانب السياسي. فالجانب السياسي خطير للغاية لأنه يؤشر إلى وجود مخطط سري بدأ يخرج منذ أكثر من سنة تباعا للعلن تحت غطاء «يهودية الدولة الإسرائيلية». هذه الفكرة التي أعلن عنها صراحة قبل سنة بحضور الرئيس الأميركي السابق جورج بوش تحولت إلى شرط ايديولوجي أخذ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يتمسك به لتبرير تهربه من المفاوضات مع الفلسطينيين أو لتغطية سياسة التوطين والاستيطان وتوسيع المستوطنات عموديا وأفقيا في الضفة الغربية.

اقتصار ردود الفعل الفلسطينية على الجانب السياسي في تصريح وزير الإسكان الإسرائيلي مشروع نظرا للمخاطر المباشرة التي سيتعرض لها الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة في العام 1948. فالتصريح أعلن بوضوح عن رفض حزب «شاس» الديني المتطرف لفكرة التعايش والتساكن والتعارف. وهذا يعني سياسيا أن «إسرائيل» دولة اليهود فقط وعلى كل القاطنين من الشعب الفلسطيني الرحيل عن أرضهم أو الابتعاد إلى مناطق أخرى أو الانعزال في أحياء مغلقة لأن مجرد وجودهم برأي «شاس» يؤدي إلى إطلاق مشاعر الاستفزاز ويساهم في توليد أحقاد عنصرية وشرارات العنف.

الجانب السياسي في تصريح وزير الإسكان يوجه رسالة سريعة تشير إلى وجود نزعة إسرائيلية تركز على «النقاء» الديني وعدم تقبل الآخر من جنس أو لون أو ثقافة أو دين مغاير. وهذه النزعة الايديولوجية في حال تطورت ستصبح مع الأيام تشكل قوة ضغط طاردة تدفع الفلسطينيين نحو الانكفاء أو المغادرة أو الترحيل ما يؤدي فعلا إلى اختلاق مشكلة كبرى تعزز من درجات العنصرية والكراهية والعداء في الداخل الفلسطيني وعلى مختلف الحدود الجغرافية مع دول الجوار العربية.

ردود الفعل الفلسطينية التي اقتصرت على تبيان المخاطر السياسية المتأتية من تصريحات شبيهة ومتتالية أخذت تركز على هوية الدولة ويهودية «إسرائيل» لم يتسع نطاقها لتشمل الجانب الثقافي التي يتضمنها تصريح وزير الإسكان الإسرائيلي. فالجانب الثقافي خفي وليس ظاهرا ولكنه على الأمد البعيد يشكل خطرا ليس على الشعب الفلسطيني في الداخل وإنما على شعوب المنطقة العربية- الإسلامية. فمن يرفض التعايش والتساكن والتعارف مع أصحاب الأرض في فلسطين يرفض أيضا وبالمنطق نفسه تقبل أو قبول الآخر الذي يسكن خارج حدود «إسرائيل» أو «دولة اليهود».

التصريحات السياسية التي ركزت على الطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية تعكس في النهاية عقلية ثقافية تأسست على «النقاء» و«الخصوصية» ورفض المشاركة وكره الآخر وعدم الاستعداد للتعاون معه أو السكن إلى جواره. وهذه العقلية الثقافية ليست خاصة واستثنائية عند اليهود وإنما هي نتاج كل الايديولوجيات المتطرفة والمتشددة التي تتوجه آليا إلى الانغلاق والتقوقع بحثا عن «التجانس» وبذريعة الحرص على صفاء الهوية وحمايتها من «الدخلاء».

التطرف هي لغة الضعفاء. والتشدد هو سلوك تلجأ إليه الفئات التي تشعر دائما بالخوف من الانفتاح معطوفا عليها مجموعات منغلقة لا تقبل الرأي الآخر بسبب الإحساس بالعجز عن التكيف أو التطور أو استيعاب الجديد.

التطرف يمتاز دائما بابتكار آليات متخلفة ثقافيا في تقنياتها الايديولوجية ما يؤدي إلى اختراع «أعداء» ومطاردتهم ومحاكمتهم بتهمة الارتداد أو الخروج على الجماعة وتحت عناوين مزورة وكاذبة وملفقة حتى تستقر النفس المضطربة على قعر هوية منعزلة عن العالم والمحيط ومنغلقة على ذات مهجورة عن الدنيا ومفرغة من العقل.

كره الآخر وجلد الذات

أخطر آليات التطرف تلك الايديولوجية الطاردة للآخر وللذات. فالايديولوجية الطاردة تبدأ ضد الغريب (الخارج) وتنتهي ضد الصديق والأخ والشقيق والرفيق والجار (الداخل). فالطرد بحثا عن النقاء والصفاء يبدأ بفكرة عدم المشاركة أو رفض التعايش والتساكن والتعارف خوفا على الخصوصية أو الهوية ثم ينتهي نحو التحول مع مرور الوقت إلى ايديولوجية قاتلة تعتمد على آليات تأخذ بالتآكل مع الأيام لترتد على أصحابها وتتجه نحو الانغلاق على الذات في حلقات ضيقة.

الانغلاق على الحلقات الضيقة ليس نهاية الايديولوجية الطاردة. فهذه النزعة الإلغائية المتطرفة تأخذ لاحقا بالانشطار الذاتي والتشرذم إلى جزئيات صغيرة تتضارب داخليا وصولا إلى الجزء الصغير من الانقسام... وأخيرا الانتحار.

الايديولوجية الطاردة تتميز باختلاق آليات ذاتية الدفع تعطل العقل وتمنع الحياة من الدخول خوفا على الهوية من الانفتاح بسبب نمو نزعة داخلية تأبى التكيف وترفض تقبل الآخر في اعتبار أن الرأي الآخر يشكل خطرا على «النقاء» الثقافي و«الصفاء» العقائدي و«الهوية» الذاتية. والايديولوجية الطاردة لا تخاف من الآخر فقط وإنما تخاف من نفسها وضد نفسها فتصبح مع الأيام مجرد خواء وهراء يخضع آليا «التابع» إلى «المتبوع» من دون وعي وإدراك ما يؤدي إليه الانغلاق من مخاطر على الذات وصولا إلى انشطارها من الداخل.

الضعيف يستخدم دائما الايديولوجية الطاردة ظنا منه أنها تشكل ذاك السلاح الواقي من «المحيط» و«الجوار» و«الجيران» و«الغريب»، ويعتبر أن استخدام هذا السلاح يمنع «الاختلاط» و«التعايش» و«التساكن» و«التعارف». فالضعيف لا يثق بنفسه ويعيش دائما لحظات خوف مستمرة من الحياة تجنبا للتجربة وتهربا من الخطأ ما يولد في داخله آليات تأخذ بتحطيمه وشرذمته من دون أن ينتبه إلى أن سلاح الايديولوجية الطاردة متعدد الفوهات ويمكن تطويعه للانتحار.

القوي عادة يثق بنفسه ولا يخاف إلا من لحظة وصوله إلى درجة تمنع عنه التكيف أو استقبال الجديد. فالقوي يتطور دائما مع الحياة من دون أن يضطر إلى مغادرة أصوله وقواعده ومنطلقاته الثابتة. ولذلك لا يخجل القوي من الاعتراف بنقاط ضعفه ومكامن الخطأ لأنه يتميز بالجرأة والشجاعة ويمتلك إمكانات العطاء والانفتاح التي تستند إلى عناصر قابلة للتكيف مع متطلبات الحياة والتطور.

بسبب اختلاف نمط القوي عن الضعيف يستطيع الأول أن ينتقد ويصحح ويعدل ويتواصل ويتصافح ويتصالح ويستمر في مقاومة الضغوط مهما كانت العقبات والثغرات والعثرات، بينما الثاني يرفض تقبل النقد ويأبى التصحيح ويرفض التعديل ويواصل سياسة الانكفاء والمكابرة على الذات والانغلاق على أضيق الحلقات بذريعة المحافظة على نقاء الهوية وصفاء العقيدة من الآخر الغريب القريب أو البعيد.

قراءة الجانب الثقافي في مدلولات تصريح وزير الإسكان (حزب شاس الديني) مسألة مهمة وتتجاوز تلك الإشارات السياسية التي ركزت عليها ردود الفعل الفلسطينية. فالكلام الثقافي أبلغ من التصريح السياسي لأنه يؤكد حالات من الضعف بسبب نمو عناصر عدم الثقة التي تعطل إمكانات التصالح والمصالحة والانفتاح بذريعة الخوف على «الهوية» الضيقة من الذوبان في مجرى الحياة والتكيف مع المحيط والعالم.

ايديولوجية «حزب شاس الديني» الطاردة للآخر والذات معا ليست حالة خاصة به. فهذه الخصوصية هي مشكلة عامة تشمل كل المتطرفين والمتشددين والكارهين والحاقدين والمنغلقين عند كل الشعوب والديانات والأقوام. كل هذه الفئات والمجموعات تشترك في قانون الضعف والخوف لأنها تعتمد آليات الايديولوجية الطاردة لإرضاء الذات المهزومة والمهزوزة والمترددة من الاندماج أو التكيف أو التعامل مع الرأي الآخر أو وجهة النظر المضادة. وما قاله وزير الإسكان (ارييل اتياس) عن الشعب الفلسطيني المستضعف في دياره يؤشر إلى أن الايديولوجية الطاردة دخلت مرحلة «الموات» التاريخي وبدأت تستنفد وظائفها بعد أن وصلت إلى طور الانغلاق الذاتي في الحلقات الضيقة. وحين تصل الايديولوجية الطاردة إلى هذه الدرجة من التدني في جلد الذات وقهر الوعي وتعذيب العقل تصبح احتمالات الانشطار الذاتي أقوى. وهذا ما يعرض الآخر (الشعب الفلسطيني والمحيط الجواري العربي) إلى خطر الترحيل القسري أو الانفجار في داخل الهيكل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2494 - السبت 04 يوليو 2009م الموافق 11 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً