العدد 4877 - الأربعاء 13 يناير 2016م الموافق 03 ربيع الثاني 1437هـ

التحرُّش بـ «الأجساد»!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تعيش ألمانيا مشكلة اجتماعية كبيرة. خلاصة تلك المشكلة هي قيام 1000 رجل من المهاجرين العرب والأفارقة بالتجمّع في ساحة محطة القطار الرئيسة في كولونيا خلال ليلة رأس السنة، ثم ما لبثوا أن تحركوا على هيئة جماعات متفرقة ليحيطوا بنساء ألمانيات قُدِّرْن بـ 100 امرأة، إذ سرقوهن وتحرّشوا بهنّ جنسيّاً، الأمر الذي اعتُبِر «جرائم جنسية واغتصاباً جرت بشكل جماعي».

ضجّ المجتمع الألماني من شرقه إلى غربه. ورفع متظاهرون شعاراً يقول: «السيدة ميركل، ماذا تفعلين؟ الأمر مخيف» ما دفع الأخيرة إلى أن تطالب بـ «رد صارم من دولة القانون» وقررت أن تتغيّب عن اجتماعات دافوس (على رغم أهميتها) والبقاء في برلين لمعالجة الوضع بعد أن وصل الأمر بمستقبلها السياسي كمستشارة إلى: إما تغيير سياسات الهجرة في ألمانيا أو الاستقالة!.

بل إن رئيسة بلدية كولونيا هنرييتي ريكر قالت بتهكم: «أنصح النساء بأن يأخذنَ مسافة نحو ذراع من الرجال الذين لا يشعرن معهن بالثقة». أما الدول المجاورة كبولندا والتشيك والمجر وسلوفاكيا فقالت أن اللاجئين، (وخصوصاً المسلمين) يمثلون خطراً».

الحقيقة، أن هذا الحدث لا يمكن تناوله بطريقة سرديّة تقليدية، بل المهم هو قراءته ثقافيّاً ومن زاوية القيم الخاصة بالأوروبيين.

دعونا نبدأ بحوادث ذات صلة يمكن أن يُعتَبر جوهرها تساؤلاً في حد ذاته للمقال الذي نقرأ. في شهر (أغسطس/ آب) من العام الماضي نُظِّمَ احتجاج سلمي في مدينة واترلو الكندية «لرفع مستوى الوعي حول حق المرأة في السير عارية الصدر في الأماكن العامة» على رغم أن مدينة كـ أونتاريو يُسمح فيها للنساء بالتجوال عاريات الصدور في الأماكن العامة منذ ما يقرب من عشرين عاماً.

وربما لم تكن تلك الحادثة تخص كندا فقط بل خرجت مظاهرات مماثلة في غير بلد أوروبي وفي فترات ومناسبات مختلفة، ظهر فيها الجنسان وهم عراة تماماً. بل هناك حصة دراسية في جامعة يو سي سان ديغو الأميركية تسمى «النفس المثيرة» تتطلب التعرّي من الطلاب والأستاذ لتجويد الفنون الأدائية الجسدية! كما توصف. فضلاً عن تخفّف الإنسان الغربي الدائم من ملابسه، وإبراز أماكن من جسده وبشكل اعتيادي.

لذلك يُثار السؤال هنا: ما هو مفهوم ومنسوب التعرّي وحرية الجنس في الغرب؟ وما هو البرزخ بين ذلك وبين الحالات التي تعتبر تحرّشاً واغتصاباً؟ باختصار فإن الموضوع كله يدور مدار الحرية. فالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات أكَّدت حماية حقوق الفرد في مواجهة الدولة، ونصوصها مُلزِمة لجميع الدول الأوروبية، التي وَجَبَ عليها تعديل قوانينها؛ كي تكون متوافقة مع تلك الاتفاقية.

الحقيقة أنه ومن الناحية التاريخية والثقافية فإن مسألة التعرّي موجودة في المجتمعات الأوروبية منذ القِدَم، لكنها مرَّت بتكييفات وتفسيرات متعددة. بل بعضها أخذ أشكالاً أخرى من التفسيرات ومن بينها الدينية في الشرق، كما عند المجتمعات العربية المتوسطة، حين كان الرجال والنساء يطوفون بالبيت الحرام قبل الإسلام وهم عراة اعتقاداً منهم أن من المعيب أن يُطاف بالبيت الحرام وهم بملابس ارتكبوا بها ذنوبهم.

واستمرت بعض العادات في الشرق ضمن ذلك السياق وهو اتخاذه شكلاً من الأشكال الروحية، وتحديداً في الدول التي بها جذور بوذية أو أديان أرضية. أما الوضع في الغرب وعلى رغم أن مسألة العُرِي كانت موجودة منذ القِدَم، ورُصِدَت أيام الفينيقيين، فإنها مرَّت بمراحل مختلفة، أهمها ارتباطها بمرحلة ابتعاد الأوروبيين عن الدين باتجاه مركزية العقل والمادة قبل ثلاثة قرون تقريباً.

ثم تطوّر الأمر ليصبح مرتبطاً بالحريات العامة وبتطور نظرة الغرب الاجتماعية والفلسفية للحرية والسلوك الشخصي. بل أصبح وسيلة للتعبير السياسي (على رغم أن هذا الأسلوب من الاحتجاج قد وُجِدَ منذ ما قبل عصر الأنوار، وربما كانت الليدي جوديفا مثالاً على ذلك). وأصبح موضوع كشف الجسد من الأمور التي يُقاتِل من أجلها الأوروبي والغربي كأي سلوك (طبيعي) آخر.

بل إن هناك محكمة أوروبية تختص بمراقبة الدول الأعضاء في طريقة التزامها باتفاقية حقوق الإنسان والحريات، وإذا خالفت أية دولة أوروبية تلك المبادئ تتعرض للمساءلة، لذلك فهي بمثابة دستور القوانين، وخصوصاً في القانون الجنائي. ولو أتينا إلى المادة الثامنة من تلك الاتفاقية لرأينا أنها تنص على حماية الحرية الشخصية بكل أشكالها بشرط عدم التعدي على الآخرين، وهنا أساس القضية.

بمعنى أن أيّ شخص في الغرب حتى ولو كان عارياً لا يمكن التعامل معه بغريزة الجنس، لسبين، الأول أن مفهوم العُرِي عنده لا يتعلق بالغرائز بقدر ما يتعلق بحرية تصرف وسلوك. والثاني أنه وحين تتحرك العلاقة معه كعارٍ يجب أن تتحرك على أساس قبوله التام بتلك العلاقة الجنسية الغريزية، وهو في كامل قواه العقلية وبإرادته، وليس أثناء وقوعه تحت تأثير الكحول على سبيل المثال.

لذلك فما حصل في مدينة كولون الألمانية (وغيرها من المناطق هناك) عُدَّ تحرشاً واغتصاباً؛ كون عنصر الإرادة أو موافقة الطرف الآخر مفقوداً، بل اعتُبِرَ أن أركان الجريمة متحققة فيه من عنف وإكراه ومفاجأة؛ لذلك فهو تعدٍّ وبالتالي مُجرَّم قانونيّاً. ومثل هذه القضايا تعتبر في الغرب من القضايا الحساسة التي يُغلِّظ فيها القانون العقوبة على المُدان (قد تصل إلى السجن خمس سنوات لجُنحَة التحرش الجنسي والمؤبد لعقوبة الاغتصاب المصاحب للتعذيب).

إذاً المسألة تختص بالإرادة المتحققة في الطرفين؛ كي يُعَدَّ ذلك حرية في العلاقة بين رجل وامرأة بحسب القانون هناك. أما خلاف ذلك، فلا اللبس (الفاضح كما يُسمّى عندنا) ولا تعرّي النساء يُعطي الحق لدى شخص لأن يقوم بفعلٍ غريزي تجاه الطرف الآخر. وهو أمر يجب أن يكون معلوماً كي يتجنب اللاجئ العربي والإفريقي إلى أوروبا أي تبعات نتيجة ذلك.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4877 - الأربعاء 13 يناير 2016م الموافق 03 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 7:43 ص

      مبدع أستاذي

      سلمت أناملك

    • زائر 18 | 7:19 ص

      مقال جميل ... شكرا لك

    • زائر 17 | 6:58 ص

      شكرا لك أستاذ محمد، أنت كاتب راقٍ وباحث، أكرر شكري، وأتمنى لك كل التوفيق

    • زائر 16 | 4:53 ص

      احسنت، بالفعل العلاقة بين الرجل والمرأة وحقوقهما وواجباتهما مازالت ملتبسة عند الشرقيين تحديدا

    • زائر 12 | 2:05 ص

      خوش

    • زائر 11 | 12:16 ص

      المشكلة في رأيي هو الثقافة السائدة في مجتمعنا والنظرة إلى الطرف الآخر وخاصة الجنس .

    • زائر 9 | 11:54 م

      امسامحه شباب خارج الموضوع سامحوني

      الصراحه مصخها وايد ثقيل الدم واليهد هذا التفلنزي رقم 2 ، 3 ، 4 صارت تلسالفه باصجه بس أنا عتبي عليكم اشوي ليش اتصدقونه وتنزلون كل طلباته السخيفه هذي..امسامحه اذا تدخلت في شغلكم آسف.

    • زائر 6 | 10:58 م

      رغم الاختلاف معك الا انك تتميز بالعمق

    • زائر 5 | 10:57 م

      روعة

    • زائر 4 | 10:34 م

      متابع ... طلب آخر
      بما أننا اقتربنا من انتخابات مجلس الخبراء في ايران ، نتمنى من الاستاذ محمد أن يكتب عن ابرز الخلافات و المميزات بين ابرز زعيمين في ايران ، الشيخ رفسنجاني والسيد خامنئي ، أعتقد أن هذا الموضوع مهم جدا في مرحلة قد ترسم مستقبل الجارة ايران لعقود مقبلة .
      لم نعتد أن يخيبنا الاستاذ محمد يوما .

    • زائر 3 | 10:34 م

      متابع
      سأظل أكرر الطلب من الأستاذ
      من يكثر قرع الباب يفتح له

    • زائر 2 | 10:33 م

      متابع ... طلب سابق ينتظر اجابة من الاستاذ
      أجد الأستاذ محمد خبيرا بالشأن الايراني وذو معلومات وافرة في مسائله , المشكلة أن المواقع الايرانية الرسمية الناطقة بالعربية لا تغطي أشياء كهذه ، أريد من الأستاذ أن يرشدنا إلى المواقع و المصادر الجيدة التي تهتم بأمور مهمة كهذه وتقدمها بعناية ، وكذلك افضل الكتب التي يراها الأستاذ محمد تقدم صورة صحيحة في هذا المجال ، الصحف والكتاب البارعين في ذلك ( الذين يقرأ لهم الأستاذ محمد في هذا المجال شخصيا )
      طلب والأستاذ محمد كعادته لا يرد طلبا من متابعيه

    • زائر 7 زائر 2 | 11:00 م

      ايران

      يا اخي في واحد من النواب افضل وملم بشؤون ايران اكثر توه بس أمس أفادنا بخبر سبب رفع البترول وطلع السبب ايران ، اقترح تتواصل وياه انا متاكد راح يفيدك !

    • زائر 10 زائر 2 | 12:09 ص

      نصيحة

      أخي الكريم تقوم الوسط بوضع البريد الالكتروني لجميع الكتاب أسفل الصورة في مقالاتهم ويمكنك التواصل معهم من خلاله بدل أن تفتح أو تقدم طلباتك في كل مرة وفي هذا المكان المخصص للتعليقات

    • زائر 13 زائر 2 | 2:11 ص

      تره مو شرط اذا تابعت المصادر اللي يتابعها الاستاذ محمد بتكون مثله. الاستاذ لديه قدرة على تحليل الامور والقراءة بين السطور. يعني مثلا خبر التحرش اللي في بداية المقال يمكن نقراه بشكل عابر كأي خبر ولكن الاستاذ قراه و حللاه من منظور اخر, مع ان هو نفس الخبر / النص. وهذا ينطبق على كافة الامور مع تفعيل اداة الكيف ولماذا.

    • زائر 1 | 9:53 م

      مقال قيّم

      شكراً للكاتب

اقرأ ايضاً