العدد 4888 - الأحد 24 يناير 2016م الموافق 14 ربيع الثاني 1437هـ

ماذا تعني العقوبات الأميركية الجديدة على إيران؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سيطر مشهد بدء سَرَيان «اتفاقية العمل المشترك» النووية بين إيران والدول الست الكبرى على الأخبار طيلة الأسبوع الماضي. ثم أعقب ذلك (وبعد يوم واحد فقط) خبر آخر له صِلة بالأول لكن مساره مختلف يتمثل في قيام وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات جديدة وأحادية الجانب على إيران شملت 11 شركة وفرداً، بسبب ما قيل «إمداد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني».

نوقِشَ هذا الموضوع في الإعلام على وَقْعِ التصريحات والتصريحات المضادة. فالبعض قال بأن تلك العقوبات على تجارب إيران الصاروخية ما هي إلاّ «عقوبات سياسية» من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لتنفيس زَفْرَة الرافضين لذلك الاتفاق في «الكونغرس» بالإضافة إلى «إسرائيل» التي أرادت منذ البداية إشراك برنامج إيران الصاروخي في مفاوضات البرنامج النووي لكن ذلك لم يتم.

أما البعض الآخر فقد أشار إلى أن هذه العقوبات هي «طبيعية في مسارها» كونها تتعلق بموضوع آخر مختلف عن الملف النووي، وهو ما يعني أن له استحقاقات منفصلة. لكن الحقيقة باعتقادي ليست في كل ما ذُكِرَ ماخلا القليل منها، حيث إن هناك تفسيراً آخر يمكن استنتاجه من بين كل تلك الجَلبة وجوانب الصراع القائم.

هذا التفسير يقوم على فرضية أن: هناك فهماً إيرانياً تاماً لهذه المسألة، وبالتالي فتجاربهم الصاروخية الأخيرة مقصودة ومُبيَّتة! كيف؟ الإيرانيون كانوا يُتابعون الإصرار الإسرائيلي خلال فترة المفاوضات النووية حول ضرورة مناقشة الملف الصاروخي لبلادهم في تلك المفاوضات، وفي نفس الوقت، كانوا يتابعون الرغبة الأميركية الجامحة في إتمام اتفاق خلال ما تبقى من فترة باراك أوباما في البيت الأبيض، فتمّ اللعب عليها.

الإيرانيون أصرّوا على فصل الملَفَّيْن لأنهم يريدون أن يكون هناك اتفاقان مستقلان، على الرغم من أن المسألتَيْن «النووية والصاروخية» هما ذات صلة ببعضهما إلى حدّ كبير، وباتت سياستهم تقوم على التالي: بما أن الاتفاق مع الغرب حول البرنامج النووي قد مكّننا من الحصول على «برنامج نووي»، والاعتراف بامتلاكنا له فهذا جيد، ويمكن أن يكون الأمر ذاته مع ملفنا في الصواريخ إذا ما سعَّرناه. وهو ما يعني أن ملف إيران القادم مع الأميركيين هو حول هذا الموضوع: البرنامج الصاروخي.

ماذا تريد إيران؟ هي تريد اعترافاً أميركياً بهذا البرنامج على غِرار ما جرى لملفها النووي. وقد تصبر على هذا الأمر في مفاوضات طويلة، على غرار «حرب الملح الأخضر» التي دخلتها منذ العام 2002م. لا ضير لديهم، ما دام الجزء الأكبر من العقوبات قد تفكَّك. وإذا ما تمّ العمل به، فهي ستصبر خمس أو عشر سنوات أخرى كما فعلت مع النووي.

ذلك الاعتراف سيتطلب ترتيبات كثيرة. هل تتذكرون ماذا قالت الخارجية الإيرانية في تبريرها إجراء مثل تلك التجارب الصاروخية الباليستية؟ إنها تقول بأن الولايات المتحدة الأميركية «تبيع سنوياً وبعشرات المليارات من الدولارات الأسلحة المتطورة لدول المنطقة» وهو ما جعلها (أي إيران) تقول إن ذلك يشرعن صناعتها الصاروخية. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنها تريد من واشنطن أن تعيد النظر في برنامج مبيعاتها للسلاح! وهذا الإجراء إذا ما تم فإنه سيجعل الميزان العسكري لصالحها.

هذا الأمر سيجعل طهران تكسب أمرين: الأول يتعلق بشرعنة نظامها الصاروخي ووضعه في إطار قانوني يضمن لها الإنتاج والتجربة، وفي نفس الوقت وسَّعت من الأرض الخالية في محيطها من أي تفوق عسكري قد يكون مضاداً لأنظمتها العسكرية. هذا الأمر حصل بالضبط في الملف النووي، حيث اختصّت لنفسها ببرنامج نووي متكامل في ظل خلو الإقليم من مثل ذلك.

بالتأكيد فطهران لا تعني فقط الميزان العسكري في الخليج العربي بل هي تمدّ رقبتها (وهو الأهم بالنسبة لها) لآسيا الوسطى حيث يُجاورها حلف شمال الأطلسي عبر تركيا، ثم الاندفاعة الأميركية صوب جنوب روسيا وبالتالي شمال إيران. لذلك أعتقد أن الروس مشتركون مع الإيرانيين في هذا الترتيب.

هل تتذكرون اتفاقية خفض الأسلحة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا المسمّاة بـ «ستارت تو» التي وُقِّعت العام الماضي وحلّت محل الاتفاقية السابقة التي وقعتها موسكو وواشنطن قبل ربع قرن؟ إنها لا تتضمن أي بند يشير إلى «وضع قيود على برنامج الدفاع الصاروخي أو الضربات العسكرية التقليدية أو على نشر أو اختبار أو تطوير برامج الدرع الصاروخي» وهذا ما تريده إيران في أي اتفاق مع الأميركيين حول برنامجها الصاروخي.

في سقف المطالبات سيترك الإيرانيون «طُعْماً» إعلامياً حول برنامجهم الصاروخي وأنه «قد» يُستَخدم لحمل رؤوس نووية» لكنهم سيؤكدون دوماً على أنه غير ذلك (بالضبط كما كانوا يقولون بشأن برنامجهم النووي)، لكن لن يُصدِّق الأميركيون هذا الأمر وسيسعَوْن إلى تأطير ذلك النفي باتفاق قانوني مُلزِم، وهو ما يريده الإيرانيون.

بعد الخطوة الأميركية الأخيرة التي قَضَت بفرض عقوبات عليهم، سيُصعِّد الإيرانيون في برامج الصواريخ حتماً، وهم صرّحوا بذلك وتعهدوا بأنهم سيواصلون قدراتهم الصاروخية بالضبط كما فعلوا بعد كل عقوبات تفرض عليهم، حين كانوا يزيدون من سلسلة أجهزة الطرد المركزي، من ثلاث أجهزة تجريبية أيام خاتمي إلى عشرات الآلاف من تلك الأجهزة أيام أحمدي نجاد.

وقبل أيام أعلن أحد المسئوليين الإيرانيين أن «إيران ستعلن قريباً نتائج مضاعفة جهودها في مجال البرنامج الصاروخي وذلك رداً على العقوبات الأميركية الجديدة التي فرضت على إيران على خلفية اختبار صاروخي» وهذا بداية المشوار. والحقيقة أن هذا ملف يجب أن يُنظر له بجدّية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4888 - الأحد 24 يناير 2016م الموافق 14 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 3:40 ص

      إيران لا تستطيع أن تفرض

      علي الولايات المتحده وقف شحنات الاسلحه الي دول الخليج أو إسرائيل أو أي دولة أخري، هي تعرف ذلك . ربّما تريد أن تتفاوض مع الغرب علي أساس أن تتعهد أن لاتكون صواريخها ذات قدرات نوويه مقابل السماح لها بالحصول علي تكنولوجيا أكثر تقدماً لصواريخها الباليستيه التقليديه . ربما تستطيع الحصول علي هذا المبتغي إذا تعهدت بأنها سوف لن تستخدم تلك الصوريخ ضدّ إسرائيل وأن تسحب كلّ ما لدي حزب الله من صواريخ موجهه الي إسرائيل وتعلن صراحةً بأن عدوّها اللدود هم الدول العربيه والإسلاميه

    • زائر 15 | 12:30 ص

      كافة الردود تنحرف عن صلب الموضوع الذي أعطى لفتة جميلة

    • زائر 14 | 12:18 ص

      طيب جربوا حظكم وبنشوف ..

    • زائر 12 | 12:03 ص

      لمن سؤل السيد فضل الله عن هدفه قال نحن نريد اسلمة العالم فضح المراسل من كلامه ! هدفيه الانسان هي المحرك الأول لحركته , فهدفيه ايران تختلف اختلاف جذري عن هدفيه الولايات المتحده , ,إن كان سلوكهما الاحتوائي للعالم متوازي , سياسيا عسكريا وأديولوجيا و في كل ذلك مختلف المضمون بين الدولتين .

    • زائر 11 | 12:01 ص

      لماذا تفترضون سوء النية بايران دوما

    • زائر 20 زائر 11 | 3:27 ص

      ..

      إيران هي التي تفصح عن نفسها علناً

    • زائر 10 | 11:59 م

      الكاتب العزيز إن هذا المقال ليس يتناول المخالب للدول ذات البعد الحضاري أو الاديولوجي لذا التعكير بخطوره الانياب و المخالب سابق ومتقدم للاديولوجيه الذاتيه لهذه الدول أو تلك , التوجه الأمريكي للعالم يختلف عن التوجه الإيراني , فكلاهما توجهما واحد ومحصلتهما مختلفه , وكل واحد يعرف صاحبه ما يطلب وإلا أي وادي يريد أن يكون . لذلك التفكير الإيراني في الاستراتيجيات العسكريه وسيله وليست غايره كذلك الامريكان , مطلبهم العالم ككل وليس الحدود الجغرافيه , بس مضمون هذه التحركات.......تكمله

    • زائر 9 | 11:57 م

      صباح الخير

      يا عزيزي الكاتب هادا من باب إسكات الكيان الصهيوني فقط وتخفيف الصدمة الموجعة التي تعرض لها امريكا في وضع لا يحسد عليه الاتحاد الأوروبي مع الوكالة الذرية على علم ويقين من برنامج إيران السلمي النووي خطوه بخطوه اما سالفه الصواريخ البلاستيه ليس هناك اي قانون دولي يجرم أي بلد لتعزيز قدراته الصاروخية لأنها غير قادرة لتحمل رؤس نووية هادا صار من الماضي القطار انطلق إيران اليوم ليست إيران الأمس

    • زائر 8 | 11:51 م

      محد مكن الأمريكان في العراق إلا المالكي وربعه الي دمر و العراق من عمره ما تبخر تبخر واحترق

    • زائر 4 | 11:36 م

      الأخ محمد برنامج إيران الصاروخي كله خرطي تجرب الصواريخ الخردة الي ماتدل الهدف مالها مثل سفنها للي للحين ماوصلت اليمن

    • زائر 5 زائر 4 | 11:39 م

      للأسف

      #عقول_خرده

    • زائر 6 زائر 4 | 11:44 م

      استصغار الآخرين والتقليل من شأنهم، هو شيمة الضعيف فقط، وقد جربناها في الحروب السابقة التي تم استغفال كل العرب بانتصاراتنا على الجيش الإسرائيلي لنصاب بالنكسة أيام الزعيم عبدالناصر.. ينتصر الإنسان على عدوه إذا تعرف على أسلحته وقوته بشكل صحيح دقيق، لا بشكل وهمي، ولذلك فالسياسة الحالية ترتكز على ادعاء وفرض وجود السلاح عند الآخر، وجعله مبررا للهجوم عليه، كما حدث من قبل أمريكا تجاه العراق وإيران بحجة النووي، وهذا المدعى يساعد السياسي لتفعيل رغباته. أما الهراء والخواء السياسي فقد اندثر إلا عند القلة.

    • زائر 23 زائر 4 | 4:49 ص

      اذا لماذا العقوبات

      وهل تفرض عقوبات على الأشياء الخرطي ؟ .. لا تندفع بدون تفكير

    • زائر 3 | 11:35 م

      الصداقة

      امريكا اهم حاجه مصالحها اين ما وجدت مصالحها فهي معه لا يهمها صديق قديم او جديد

    • زائر 2 | 11:33 م

      استاذ محمد مقالاتك في الصميم..
      تحس في بعض الدول الحكمة و الحنكة في تصرفاتها و قراراتها..و في دول اذا المناصب فيها بالمحسوبية و طقها و الحقها تشوف التخبط..

    • زائر 1 | 10:56 م

      مقال رائع وموفق

    • زائر 7 زائر 1 | 11:51 م

      على الرغم من اختلافنا مع الدوله الفارسية واعتبارها عدوة لنا بسبب بعض من مواقفها إلا أننا نضطر إلى احترامها و نعجب بالطريقة التي تدير بها شؤونها من حكمة وعلم وصبر وليس بالعنجهة والفساد والمحسوبية

اقرأ ايضاً