العدد 4889 - الإثنين 25 يناير 2016م الموافق 15 ربيع الثاني 1437هـ

من التدريس للمجوهرات... الفلسطيني محمد حسن يروي حكايته مع البحرين: أعشقها... ولا يوجد بحريني سيّئ

كل نجاح وراءه دعاء الوالدين... وهذه حكاية المطاردة في «المخارقة»

المعلم الفلسطيني محمد أحمد حسن أثناء حديثه إلى «الوسط» - تصوير : أحمد آل حيدر
المعلم الفلسطيني محمد أحمد حسن أثناء حديثه إلى «الوسط» - تصوير : أحمد آل حيدر

من التدريس للمجوهرات، رحلة امتدت لـ 53 عاماً، قضاها المعلم الفلسطيني محمد أحمد محمد حسن، ليتمكن عبرها من اكتساب قلوب البحرينيين، قبل أن يكتسب الجنسية في العام 1996.

العقود الخمسة، مكنت ابن الجليل، من نسج شبكة من العلاقات الحميمة، مع تلامذته من الأجيال المتعاقبة، ومع زبائنه حيث يعمل في قطاع المجوهرات، ممتدحاً وبسخاء، أهل البحرين، حتى أطلق عبارته الملفتة «لا يوجد بحريني سيّئ».

وبدماثة خلق منقطعة النظير، استضاف الأستاذ محمد حسن، «الوسط»، حيث يعمل وهو بعمر 76 عاماً، مديراً لمجوهرات الزين بمجمع السيف، لاستكشاف مشوار الأستاذ الذي يؤكد أن عشقه للتدريس لم ينقضِ، حتى بعد التحاقه بإمبراطورية الزين، مستذكراً خلال اللقاء، عمله طوال 21 عاماً في مدرستي الهداية الخليفية، والمدرسة الغربية بالمنامة (مدرسة أبوبكر الصديق حالياً).

فلسطين ستعود

مع حلول العام 1948، كانت فلسطين على موعد مع الاحتلال الصهيوني الذي لا يزال جاثماً على صدر أولى القبلتين، ومهبط الأنبياء، لكن الأمل لايزال حاضراً في عودة الأرض لأهلها، فـ «فلسطين ستعود، ستعود، وهذا ما تضمنه القرآن الكريم»، يقول الأستاذ محمد حسن.

ويضيف الأستاذ القادم للبحرين من مدينة الجليل، قضاء عكا، بعد معاناة الهجرة جراء الاحتلال الصهيوني، «قبل مغادرة فلسطين، كانت حياتي العملية قد بدأت باكراً، حيث عملت وعمري 5 سنوات في المزرعة الخاصة بنا، والتي يسميها أهل البحرين بـ «الدولاب»، وفي فلسطين تعرف بـ «البيارة».

وبحب كبير يتحدث الأستاذ محمد حسن، عن مسقط رأسه: «فلسطين هي الكنز المدفون وهي جنة الله في أرضه، حيث كانت في فترة من الفترات ملتقى لجميع الجنسيات العربية للعمل فيها، فأرضها من أكثر الأراضي خصوبة على مستوى العالم، حتى إنني أتذكر أن أغصان شجر الزيتون كانت على وشك السقوط بسبب ثقل حملها من الثمر، وحين نقطف البرتقال كنا نمنح كل من يعبر الطريق من المحصول الوفير».

كل توفيق سببه دعاء الأم

ومثل الحديث حول فلسطين، المدخل لاستذكار الدور البارز للأم، ففي العام 1948 كان القدر يكتب لوالده الحاج أحمد محمد حسن، شهادةً على يد الصهاينة، في المعركة التي كان الأستاذ محمد حسن شاهد عيان على تفاصيلها، حيث يقول «في تلك المعركة التي شاهدتها من على سطح منزلنا وأنا بعمر 8 سنوات، كان والدي مع مجموعة من المتطوعين يقاومون المحتل بأسلحة بدائية، حتى انجلت غبرتها عن استشهاد والدي ومقتل 73 إسرائيلياً، بعد قتال شرس وتضحيات كبيرة وبطولة لأصحاب الأرض».

وعقب «على إثر ذلك، أخرجنا من بلدتنا ومن فلسطين بسبب أوامر من جيش الإنقاذ، لننتقل للبنان أنا وأخوتي الأربعة، مع والدتي رحمها الله، والتي ضربت أروع المثل في الصبر والتضحية من أجل أبنائها، وهي القادمة من عائلة ميسورة الحال، لكنها في لبنان قبلت بالعمل من أجل أبنائها».

وبنبرة لم تخلُ من تأثر، قال «ترملت والدتي وهي صغيرة، وحين جئت للبحرين عملت براتب بسيط فكنت أرسل بعضاً منه لها ولأخواني، ولم أشعر انني منحت والدتي بعضاً من حقها، لكن حين تحسنت الأحوال، التفت فلم أجدها حيث انتقلت لرحمة الله، وكم كنت أتمنى وجودها لتدليلها، وأشعرها بمقدار حبي لها، فأمي رفضت الزواج لكي تربي أطفالها، وعليه فإن أي نجاح قابلته هو بسبب دعاء الوالدين».

وعرج على ذكريات الهجرة للبنان، فقال «لنا في لبنان ذكريات أليمة. استأجرنا منزلاً حتى نفد المال لدينا، فآوانا المخيم في مدينة صور، وفي إحدى الليالي التي لن أنساها، كانت ليلة ممطرة شديدة البرودة، حتى إن الخيمة التي كانت تحمي مجموعة أطفال مع امرأة، هوت علينا ونحن نيام».

إلى البحرين... معلماً

الشاب الفلسطيني، الذي تعلم في مدارس «الأونروا» وتخرج من كلية الشويفات الثانوية، لم يتمكن من إتمام تعليمه الجامعي بسبب شح المال، فقدم لمملكة البحرين في (22 سبتمبر/ أيلول 1963)، متعاقداً مع دائرة المعارف، (وزارة التربية والتعليم) وذلك للعمل معلماً لمادة اللغة الإنجليزية في مدرسة الهداية الخليفية.

ويحتل الفلسطينيون مكانة بارزة في سلم الشعوب الأكثر تعليماً على مستوى المنطقة العربية، الأمر الذي يرجعه الأستاذ محمد حسن لـ «الرغبة في تحسين المستوى المعيشي»، مضيفاً «دفعنا ذلك لأن نأكل الكتاب أكلاً لنتعلم ولنتمكن بعد ذلك من السفر والعمل في الخارج، في ظل تقلص الخيارات، حتى أننا وبسبب ضيق السكن كنا نقضي ليلنا ندرس على شارع المطار في لبنان، حيث تتوفر الإضاءة، ليؤهلنا ذلك للانتشار لاحقاً في منطقة الخليج».

لماذا البحرين؟

يجيب على ذلك الأستاذ محمد حسن بالقول «في الحقيقة، أعتبر نفسي محظوظاً بالقدوم للبحرين، رغم تعدد الخيارات، حتى أن معارفي حسدوني على ذلك»، مضيفاً «تربطني وعائلتي بالبحرين، حالة عشق، فجمال هذه البلاد من جمال أهلها، ولا يمكن لمن يأكل من خيراتها أو يشرب من مائها، أو يقطنها، إلا أن يعود إليها عشقاً فيها».

وعن فلسطين، قال «فلسطين هي بلدي وأصلي الذي أعتز به كثيراً، لكنني أقولها صادقاً، لا نفاقاً ولا مجاملة: أي ضيم يلحق بالبحرين لا قُدر لها، ستجدني وأبنائي أول المدافعين عنها».

ومع التدريس بدأ الأستاذ محمد حسن، عمله في البحرين، الأمر الذي مكنه من الاحتفاظ بعلاقة مودة مع أجيال متعاقبة، تتلمذت على يديه طوال عقدين من الزمان.

يتحدث عن تلك الفترة بالقول «منحنى التعلم محبة الناس، أذكر منها الموقف الذي جمعني مع أحد طلبتي والذي التقيته بعد أن حاز على شهادة الدكتوراه، احتضنني وهو يقول ممازحاً: تمكنت من الوصول لمؤهل الدكتوراه، بسبب كثرة ما كنت تقرعني، ممسكاً بشعر رأسي».

لا هيبة للمعلم

حول التعليم في السابق واليوم، تحدث الأستاذ محمد حسن فقال «من الصعب إعادة نفس الجيل السابق، من حيث الأخلاق والسلوكيات، والتي تغيرت ليتغير معها العلم»، مرجعاً ضياع هيبة المعلم لغياب العقاب الرادع، ومبيناً أن الخلل في نوعية المدرس، وفي الوسائل الترفيهية التي يركز فيها الطلبة على جانب الملذات، كما نوه إلى تحمل العائلة مسئوليتها أيضاً، منبهاً إلى أن عشق مهنة التدريس في حال وجد، كفيل بالصبر على تعبها.

وأضاف «في السابق، كان الطالب يتوارى حين يرانا، أما اليوم فالمسألة مختلفة».

ويؤكد الأستاذ محمد حسن الذي يعبر عن نفسه بالمعلم الشديد، عدم استعماله العصا طوال عمله في سلك التدريس، مضيفاً «صحيح أن عقابي كان صارماً، لكنه أبداً لم يأتي بغرض الانتقام بل لمصلحة الطالب نفسه، كما كنت أحرص على عدم إيذاء الطالب».

وأردف «كنت شديد الغضب وأتذكر أن أحد الطلبة قام بسبي، فاضطرني لمطاردته خارج المدرسة بعد هربه من السور، وصولاً لفريق المخارقة بالمنامة، حتى سألني صديق: لماذا يكرهك الطلبة؟ فأجبت: إذا كرهوني الآن، فسيحبوني غداً، وهذا ما حصل».

المحاسبة بوابة الانتقال للمجوهرات

لم يقتنع الأستاذ محمد حسن بتقديم دروس خصوصية، وعوضاً عن ذلك اختار العمل في مجال المحاسبة في مكاتب الزياني في منطقة باب البحرين وذلك في فترة ما بعد الظهر، مستمراً في عمله الصباحي معلماً في المدرسة الغربية بالمنامة.

يستذكر تلك الفترة بالقول «قلت لهم لا أريد مالاً، فقط أريد تطبيق ما تعلمته عبر قراءة كتب في مجال المحاسبة، فقرروا منحي 150 روبية، علماً بأنني حين جئت للبحرين كنت أتقاضى راتباً مقداره 625 روبية، عن عملي معلماً».

واستدرك «لكن جملة عوامل، تداخلت لتدفعني باتجاه الإقدام على قرار مغادرة التدريس بشكل نهائي في العام 1984، من بين ذلك حادثة شهدتها المدرسة الغربية، ذات علاقة بمشاغبة أحد الطلبة، لأنتقل بعد عرض تلقيته للعمل محاسباً في مجوهرات الزين».

الزين... حكاية جديدة

هنا، كان الأستاذ محمد حسن يكتب حكاية جديدة مع حياته المهنية، يقول عنها «دعاء الوالدين هو سر التوفيق في ما تحقق من نجاحات، ومهنياً، حرصنا على السمعة التي هي رأس مال عملنا، حتى بنيت ثقة بيننا وبين الزبون، لنتمكن من الانتقال من محل صغير في المنامة، لشبه إمبراطورية في الوقت الحالي».

وأضاف «البداية كانت بمحل صغير في المنامة، ومع الوقت تحققت النجاحات فتوسع العمل، وصولاً لنوفمبر/ تشرين الثاني 1980، حيث افتتحنا فرعاً جديداً في مجتمع يتيم، ومن هناك انطلقنا، حيث توسع العمل بسبب الكفاح الكبير لنبيل الزين، والذي أنتج فروعاً أخرى، ومشاركة في المعارض في منطقة الخليج ودول عربية، حتى فتحنا 5 فروع في دبي، قبل أن تتقلص لاثنين، إلى جانب افتتاح فروع في عدد من الدول المجاورة، كما أن 80 في المئة من مجوهراتنا عبارة عن صناعة محلية».

وأضاف «خطة نبيل الزين طموحة جداً، فأوصلتنا للعالمية عبر المشاركة في معرض بازل في سويسرا جنباً إلى جنب كبرى الشركات في العالم، إلى جانب المشاركة في معرض لاس فيجاس، ومعرض نيويورك، وتحصلنا على جائرة كبيرة من أوروبا».

وتوضيحاً لبعض من فلسفة النجاح، يقول الأستاذ محمد حسن «اعتمدنا جملة قواعد، من بينها أن الزبون، في حال جاءنا مرة ولم يكررها، فإنني أعتبر نفسي فشلت، كذلك قدمنا خدمات مجانية في قبال كسب الزبون، بما في ذلك الأجانب الذين مثل لهم ذلك أمراً غير معتاد».

كما قال «الآن، مجوهرات الزين تعيش حالة نجاحٍ كبيرةٍ، فقد وصلت للعالمية في فترة من الفترات، كما أننا نمتلك أكبر المصانع على المستوى الخليجي، ولدينا أكثر من 200 موظف تقريباً يعملون في فروعنا المنتشرة».

المرض... دعاء الوالدين والناس

قبل 3 أعوام، كان الأستاذ محمد حسن على موعد مع اختبار جديد. يتحدث عنه بالقول «حالياً أنا أعيش برئة واحدة، بعد إزالة الرئة اليمنى، وحين أصبت بالمرض غادرت للعلاج في ألمانيا في العام 2012، ولن أنسى ما بذله معي نبيل الزين، وعدد من الشخصيات، من بينهم الطبيب إبراهيم زويد، والطبيب وليد عبدالوهاب محمد المتواجد هناك في ألمانيا، فأجريت لي العملية ومازلت أتابع المواعيد في ألمانيا»، مضيفاً «مجدداً، بعد مشيئة الله، فإن دعاء الوالدين والناس من المعارف والأصدقاء، كان أحد أسباب تجاوزي للمرض».

وبالحديث عن عشق التدريس، يختتم الأستاذ محمد حسن، حديثه، فـ «العمل في قطاع المجوهرات، وفر لي علاقات وصداقات متشعبة، حتى أن صلاتهم كانت سبب تغلبي على المرض، لكن عشقي للتدريس باقٍ، ولن يفارقني».

العدد 4889 - الإثنين 25 يناير 2016م الموافق 15 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 11:15 ص

      هؤلاء هم يستحقون الجنسية

      رغم اني لم اعرفه ولكن من خلال حديثه يبدو انه رجل ذو أخلاق طيبة وهو يستحق المواطنة لاخلاصه ومحبته للشعب البحريني تحياتي له واطال في عمره

    • زائر 3 | 11:10 م

      استاذي العزيز

      الف تحية و دعاء خالص لك و لجميع أفراد عائلتك و محبيك.. نعم الانسان المجد المخلص.. كن بخير

    • زائر 1 | 8:52 م

      رجل عرفته من خلال عملي

      رجل في غاية الطيبه والخلق والإحترام، ،، أتمنى له دوام الصحه والعافيه وطولة العمر له وعائلته الكريمه.

    • زائر 6 زائر 1 | 12:59 ص

      big respect

اقرأ ايضاً