العدد 4895 - الأحد 31 يناير 2016م الموافق 21 ربيع الثاني 1437هـ

في قرية التناقضات: المصانع تطوق جيد المعامير... وبحرها يستعد للضربة القاضية

التلوث باقٍ ويتمدد... و«أمانة العاصمة»: دفان الساحل قانوني وهدفه التطوير

ساحل المعامير
ساحل المعامير

لم يكن لتقرير «الوسط»، بشأن قرية المعامير أن ينتج الجديد والمثير، قبل أن تختتم الزيارة التي امتدت لساعتين، بمسك اللقاء مع المواطن إبراهيم علي حسن هلال، والذي كشف عن رسالة رسمية صادرة عن أمانة العاصمة، تعطي الضوء الأخضر لـ «دفان» ساحل القرية وبناء 50 وحدة.

تقول الرسالة المؤرخة في 15 يوليو/ تموز 2015، الصادرة رداً على رفض الأهالي لـ «دفان» ساحل القرية من الجهة الشرقية الجنوبية، والممهورة بتوقيع نائب رئيس مجلس أمانة العاصمة مازن العمران «بالإشارة لخطابكم الوارد لنا بطلب رفض دفان ساحل المعامير من الجهة الشرقية الجنوبية، نفيدكم علماً أننا قمنا بمخاطبة الجهات المعنية والتي أفادت بأنه قد تعذر قبول طلبكم بسبب أن الملكيات المشار إليها في خطابكم تقع ضمن المنطقة التي يسمح فيها بالدفان حسب الخارطة المعتمدة لتحديد خط الدفان في خليج توبلي الصادر وفق القرار الوزاري رقم 70 لسنة 2011».

بدورها، كشفت أمانة العاصمة في سياق ردها على هواجس الأهالي، عن مخطط التطوير الحضري لقرية المعامير، دون تحديد مواعيد زمنية للتنفيذ، في ظل تحديات تطال توفير التمويل المالي المطلوب.

ويشتمل مخطط التطوير الذي حصلت «الوسط» على نسخة منه، على حزمة مكونة من 7 مشاريع، وهي تطوير وتجميل المدخل الشمالي لقرية المعامير، إنشاء جسر مشاة لربط المعامير بالنويدرات، مشروع تطوير وتجميل المدخل الغربي لقرية المعامير، مشروع تطوير ساحل المعامير، مشروع خدمي جنوب القرية، مشروع توفير مسطحات خضراء، ومشروع التشجير.

وتعبيراً عن هواجس الأهالي المتعلقة بالدفان، توعد الناشط البيئي ورئيس لجنة بيئيو المعامير محمد جواد، بالوقوف في وجه مخطط الدفان، الذي من شأنه «توجيه الضربة القاضية للبقية الباقية من الساحل، بعد أن أحالته الجسور التابعة للشركات الصناعية، راكداً وفقيرا»، في إشارة من جواد لثروته السمكية المتناقصة.

من جانب آخر، ووفقاً لحديث جواد عن مشكلة التلوث في المعامير، فإن «شركة إيطالية قدمت للبحرين قبل سنة ونصف، بالتنسيق مع المجلس الأعلى للبيئة، وذلك لتنجز تقريراً لقياس الأجواء في منطقة المعامير، غير أن التقرير ظل طي الكتمان، في دلالة على حجم الكارثة التي تحدثت عنها نتائج التقرير الذي كان جاهزاً قبل عام»، مؤكداً أن مسئولي الشركة امتنعوا عن تسليمنا في اللجنة، نسخة من التقرير، غير أنهم أكدوا لنا عدم قانونية المسافة الفاصلة بين المصانع والبيوت، إلى جانب قولهم الصريح إن «المعامير خليط من الصناعات القذرة».

بنية مهترئة

عند المدخل، ظلت القرية على حالها صامدةً منذ التسعينات، بلا تغيير في هيئته ولا أرضيته ذات الأسفلت المهترئ، رغم تعاقب الأعضاء البلديين على تمثيل المنطقة التي تقطنها نحو 7 آلاف نسمة. وقبل الأهالي، استقبلتنا مستنقعات مياه الأمطار التي أحاطت بمدخل القرية يمنةً، فيما أحاطته من الجانب الأيسر، المحلات التي أكسبت القرية طابعاً آسيوياً، فيما العمق يفصح عن المصانع التي باتت تطوق جيد المعامير بجدرانها الأسمنتية الصلبة، وبما ترسله لرئات الأهالي من تلوث وغازات.

القرية التي تشتهر بين البحرينيين ببراعة أبنائها في مجال الفن، ظلت عارية من ملامح الجمال التي شوهت بفعل الإهمال، وهي اليوم «تتصدر قائمة المناطق التي تعاني من التشوهات الخلقية»، كما يؤكد جواد.

وفي مشهد لم يخلُ من تناقضات، ظلت المعامير التي يجود محيط باطنها بالنفط، وعلى يابستها يعمل أكثر من 130 مصنعاً، خارج نطاق التطوير الذي أشاح بوجهه عن القرية ذات البنية التحتية المتهالكة، والتي اكتسبت اسمها، بسبب حداثتها، أي تعميرها الحديث، حيث يعود عمرها الزمني لـ 204 سنوات.

التهميش... للمعامير نصيب الأسد

يقول محمد جواد «لا ننكر حاجة قرى ومناطق عديدة في البحرين للتطوير والتحديث، لكننا نجزم أن للمعامير نصيب الأسد من التهميش والإهمال الرسميين، الأمر الذي انعكس على المستوى المعيشي للكثير من أبنائها، وإصابة أعداد ليست بالقليلة بالأمراض والإعاقات».

ويضيف «منذ أن وعينا على هذه الدنيا، والبنية التحتية في القرية على حالها، اللهم إلا شبكة تصريف المياه»، قبل أن يستدرك ليقول «حتى هذه الأخيرة، أنشأت للمصانع، لتمثل الحسنة الوحيدة لها في القرية».

شارع الموت

لا غنى لأهل المعامير عن عبور الشارع العام الفاصل بين قريتهم وقرية العكر، للانتقال للضفة الثانية بين الحين والآخر، حيث يدفن المعاميريون موتاهم هناك، وحيث يتوجه أبناؤهم للدراسة في المدارس الموجودة في العكر.

ضريبة ذلك، كانت باهظة، وتمثلت في مصرع عدد من أطفال القرية، نتيجة لحوادث السيارات، ونتيجة لتمنع الجهات الرسمية عن الاستجابة لمطلب الأهالي بتشييد جسر، يقي الأهالي والمقيمين، شر الحوادث.

بشأن ذلك، يستعيد محمد جواد «الفاجعة الأكثر إيلاماً»، على حد تعبيره، وهو يتحدث عن ما جرى لطالبة بعمر 14 عاماً، قبل سنوات، حين لقيت حتفها لحظة عبورها الشارع، وهي ممسكة بشهادتها المدرسية، والتي توجتها الأولى على صفها.

أما «أحدث الفواجع، فتلك التي كان ضحيتها شاب قبل 3 أشهر تقريباً، والذي توفي مباشرةً نتيجة حادث مروري، لتحصد الحوادث نحو 7 ضحايا، إلى جانب الإعاقات المستديمة في صفوف العشرات من أبناء القرية»، يقول جواد.

المدرسة في قلب التلوث

لا يفصل مدرسة الإمام علي (ع) الابتدائية للبنين، سوى أمتار محدودة، عن المصانع ذات الجدران الأسمنتية الصماء، والتي تنفث دخانها المستقر بجلاء على قبة مسجد الإمام علي، ليحيلها رمادية اللون بديلاً للونها الذهبي.

ووفقاً، لحديث أولياء أمور طلبة، فإن تأثيرات المسافة القريبة جداً بين المصانع والمدرسة، بدت واضحة، وذلك من خلال رصدهم ازدياد المشاكل الجلدية والتنفسية، على أبنائهم.

يقول المواطن عبدالعزيز حسين المؤمن، الذي واجه المصانع في فترات سابقة وحارب من أجل البيئة «وجود منزلنا هنا منذ العام 2000، وآنذاك لم نكن نستطيع البقاء في منازلنا بسبب روائح المصانع، الناتجة عن فرز النفايات، وبجهود الناشطين في المجال البيئي تم الاقتصار على المواد الصلبة»، واستدرك «مقارنة بالسابق نحن في وضع أفضل، لكننا نشكو اليوم من كثرة القوارض التي غزت سياراتنا وخربت محتوياتها.

أما المواطنة أم حسين، التي تشكو من الربو، فتقول «نعاني كثيراً في بيوتنا من مخلفات المصانع القريبة جداً من بيوتنا، والتي تملؤها بالأسمنت بشكل متكرر، كما تملأ صدورنا بتلوثها».

التلوث... باقٍ ويتمدد

في العام 2005، وعلى إثر حادثة تلوث غاز المعامير، التي تسببت في 4 حالات إجهاض في ليلة واحدة، كان القدر يكتب للجنة بيئيو المعامير، لحظة الولادة، والتي تؤكد أن عملها يعد لوناً من ألوان الدفاع عن حقوق الإنسان.

يتحدث رئيسها محمد جواد، ليشير للبنايات الواقعة عند مدخل القرية وهو يقول «تلاحظ اختلاف ألوان البنايات، بسبب تأثيرات الكربون والرصاص القادمين من أدخنة المصانع، الأمر الذي يضطر أصحابها لصباغتها سنوياً، في ظل عجز الألوان عن الاحتفاظ ببريقها».

ويعتقد المعاميريون بحصولهم على النصيب الوافر من التهميش مقارنة ببقية المناطق، دون أن يخلو أنفسهم من المسئولية، «في ظل الحاجة لوعي أهلي أكبر»، على حد قول جواد.

واختارت الجولة الميدانية، بدايتها من إحدى شركات النظافة، والتي تجاور بيوت الأهالي في مسافة لا تزيد عن 10 أمتار، «خلافاً لما ينص عليه القانون الدولي، ما يضع الأهالي في مرمى ما تخلفه أعمال فرز النفايات التي تقوم بها الشركة، بما فيها النفايات الصناعية التي تصنف كمواد كيميائية خطرة، والتي تدفن بشكل مخالف في مقر الشركة»، يقول جواد.

ويعبر جواد عن استغرابه حيال استمرار الشركة أو المصنع، وعدم قيام وزارة الصناعة والتجارة بنقله لمكان آخر، رغم وعودها التي قدمتها في هذا الصدد، ورغم التحركات السابقة للأهالي التي انتهت بإغلاق المصنع، مؤكداً أن الخطورة تتضاعف مع بعض المصانع التي تعمل على مدار الساعة.

بجانب ذلك، دار الحديث عن أحد مصانع الخرسانة، والذي يمثل أحد شواهد «الصناعات القذرة المنتشرة في المعامير»، على حد ما تضمنه حديث الشركة الإيطالية.

ويجدد جواد استغرابه من حالة الإضرار المباشرة التي تخلقها المصانع لأهالي المعامير، جنباً إلى جنب، غياب أية مشاريع اجتماعية تقوم بها هذه المصانع، لإثبات تحليها بالمسئولية المجتمعية، على غرار دول أخرى.

بدوره، قال المواطن عبدالكريم علي حسين، الذي يجاور منزله أحد مصانع فرز النفايات، «تزعجنا كثيراً الروائح الصادرة عن المصنع، وفي الليل يبدأ الضجيج الذي حرم المنطقة هدوئها، وأجوائها الصحية»، مضيفاً «نضطر يومياً لإخراج كمية من الأسمنت من منازلنا، والذي يمثل أحد مخلفات المصانع». ووجه حديثه ناحية الجهات الرسمية المعنية، لوضع حد لمعاناة الأهالي المستمرة منذ الثمانينات.

أما محطة تصريف مياه الأمطار الخاصة بالمصانع، فكانت هي الأخرى محطة بارزة ضمن محطات الشكاوى، تحديداً فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة إليها، في دفع مياه ملوثة في البحر، بين الفينة والأخرى، بما في ذلك موسم الصيف الخالي من الأمطار، ولتقضي على ما تبقى من معالم الحياة في البحر الذي يمثل امتداداً لخليج توبلي، وكان يجود في السابق بثروة سمكية متنوعة الأصناف.

الشاب عباس المعاميري، تحدث عن ذلك كشاهد عيان، فقال «ما رصدناه بصورة مباشرة، أن المحطة تجود بمياه ملوثة، من بينها الزيت، وهذا دليل على أن المحطة لا تعمل للغرض الذي أنشأت من أجله».

ويقابل الجانب الرسمي والبلدي، سلسلة الشكاوى، بالتأكيد على أن المخطط الخاص بتطوير الساحل، سيحيل المعامير منطقة نموذجية، دون تقديم وعود زمنية لذلك، لتبديد التوجس الأهلي الذي يخشى من استمرار بقائه «مخططاً على الورق».

هنا المعامير - تصوير : أحمد آل حيدر
هنا المعامير - تصوير : أحمد آل حيدر

العدد 4895 - الأحد 31 يناير 2016م الموافق 21 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:57 ص

      لماذا لا تأخذ ضرائب خاصة على هذه المصانع لعلاج الامراض و تطوير المنطقة و تعويض المتضررين.

    • زائر 4 | 5:38 ص

      فعلا المعامير من اكثر المناطق المتضرره في البحرين،، الله يساعدكم و يحفظكم.. و يعطيك العافيه ع التقرير الجميل

    • زائر 3 | 5:23 ص

      الله يكون في عونهم وضروري بناء جسر للمشاة بين العكر والمعامير

    • زائر 2 | 4:17 ص

      جرائم

      ستضل المعامير وثيقة ادانة نتاج الإنتهاكات المتواصلة التي تعد جرائم وليست مخالفات بيئية

    • زائر 1 | 11:34 م

      المعامير الأميرة
      فيها اجمل الناس وأطيب الناس وأهلها متميزون في شتى المجالات والفنون

اقرأ ايضاً