العدد 4916 - الأحد 21 فبراير 2016م الموافق 13 جمادى الأولى 1437هـ

عطاء الصمت أجمل

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في (إبريل/ نيسان من العام 2014)، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن عدد اللاجئين السوريين في بلاده وصل إلى مليون لاجئ (وهناك تقديرات غير رسمية تشير إلى أن عددهم قد وصل إلى مليونَيْن ونصف مليون لاجئ). في (9 سبتمبر/أيلول 2015) أعلنت الأمم المتحدة أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا وصل إلى مليون و800 ألف لاجئ. وبحسب تصريحات للرئيس أردوغان فإن تركيا أنفقت 7 مليارات ونصف مليار على اللاجئين لديها. هذا أمرٌ مُقدَّر للأتراك وجميلٌ إنسانيٌ يُشكَرون عليه.

هناك جانب آخر في مسألة اللاجئين السوريين يجب أن يستعرضه المرء كي يكون منصفاً ويحيط بجوانب الموضوع كافة. لذلك أقول إن بلداً كلبنان يستضيف مليوناً و200 ألف لاجئ سوري. وفي الشهر العاشر من العام 2013م قال وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية (حينها) نقولا نحاس إن لبنان أنفق أكثر من 7 مليارات دولار أميركي على اللاجئين السوريين في أراضيه.

وبالأرقام والنِّسَب يجب أن نشير إلى أن مساحة تركيا تفوق مساحة لبنان بـ 75 مرة، وناتج تركيا القومي يفوق ناتج لبنان بـ 56 مرة! هذا يعني أن لبنان بفارق مساحته عن تركيا يُؤوي 50 ضعفاً مما تؤويه تركيا. أما من ناحية الإنفاق على اللاجئين فهو يعني أيضاً أن تركيا (وبفارق الناتج بين البلدين) أنفقت 0.8 في المئة من ناتجها المحلي على اللاجئين السوريين فقط، بينما لبنان الذي عليه ديون تصل إلى ستين مليار دولار أنفق 43.7 في المئة من ناتجه القومي على اللاجئين السوريين!

نأتي إلى بلد آخر دفع ضريبة مشابهة تقريباً للبنان ألا وهو الأردن. فهذا البلد محدود الموارد يستضيف مليوناً و300 ألف لاجئ سوري على أراضيه. وفي شهر (أكتوبر/ تشرين الاول الماضي) أعلن (حينها) وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني عماد فاخوري أن حجم التكاليف التي تحملها الأردن لاستضافة اللاجئين السوريين منذ بدء الأزمة السورية في (منتصف مارس/آذار عام 2011) وحتى اليوم تقدر بنحو 6 مليارات و600 مليون دولار.

وبالأرقام أيضاً مرة أخرى فإن مساحة تركيا تفوق مساحة الأردن بـ 9 مرات، وناتجها القومي يفوق ناتج الأردن بـ 30 مرة، لذلك فإن هذا يعني أن الأردن بفارق مساحته عن تركيا يُؤوي ستة أضعاف ما تؤويهم تركيا. وهو يعني (وبفارق الناتج المحلي) أنه وفي الوقت الذي أنفقت فيه تركيا 0.8 في المئة من ناتجها القومي على اللاجئين السوريين فإن الأردن الذي عليه ديون تصل إلى 30 مليار دولار، قد أنفق 22 في المئة من ناتجه القومي على اللاجئين السوريين!

دعونا نوسِّع الدائرة أكبر لنرى خارطة اللجوء في العالم كي تتضح الصورة أكثر. في فترة من الفترات كان 96 في المئة من اللاجئين الأفغان يعيشون في باكستان وإيران بحسب الأمم المتحدة. في باكستان كان هناك 4 ملايين لاجئ أفغاني وفي إيران كان هناك 3 ملايين لاجئ أفغاني آخرين. بقي أولئك 30 سنة كلاجئين في تلك الدولتين. وهنا أيضاً يجب أن نُجرِي مقارنة بين هاتين الدولتين وتركيا، والمشاكل الاقتصادية التي تعانيها كل من اسلام أباد وطهران بسبب الحروب والمشاكل الداخلية.

دولة كتنزانيا التي لا يتجاوز ناتجها القومي 60 مليار دولار تستضيف عشرات الآلاف من اللاجئين البورونديين على أراضيها منذ العام 1972م وحتى الآن. جمهورتَيْ بوركينا فاسو المحاصرة جغرافيا والتي لا يزيد ناتجها على 20 مليار دولار وموريتانيا والتي لا يزيد ناتجها على 8 مليارات دولار يحتضنان مئات الآلاف من اللاجئين الماليين الذين فروا إلى تلكما الدولتين بسبب ظروف قاهرة.

وفي بنين، ذات الـ 112 كيلومتراً وغانا التي لا يزيد دخل الفرد فيها على الـ 1600 دولار هناك عدد كبير من اللاجئين التوغوليين والتشاديين والكونغوليين والراونديين الذين فروا إليهما بسبب الصراعات الأهلية والمشاكل الأمنية في بلدانهم. بل إن الحكومة في بورتو نوفو أصدرت رخص إقامة لمدة 10 أعوام لأولئك اللاجئين. كما يوجد مئات الآلاف من اللاجئين الأنغوليين والليبيريين والروانديين السابقين. وهناك حيث زامبيا والكونغو وناميبيا، آلاف مؤلفة من اللاجئين الأنغوليين منذ سنين.

بالتأكيد، لا هذه الدول الإفريقية، ولا باكستان ولا إيران ولا الأردن ولا لبنان حصلوا على مساعدات بقيمة 3 مليارات و200 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي في وجبة واحدة كما حصل مع تركيا قبل شهرين، بل إنهم استخدموا جزءًاً كبيراً من مواردهم في سبيل أولئك اللاجئين، ولم نسمعهم يتحدثون صباح مساء أمام الأوروبيين والعالم عن الدعم الذي يقدمونه إلى اللاجئين على أراضيهم.

والأكثر من ذلك أن حجم ما قدمته الأمم المتحدة للاجئين الأفغان في باكستان لم يزد على مليار دولار، وفي إيران على الـ 150 مليون دولار، في حين أن ثلاثين سنة من الإنفاق تُظهِر أن المبالغ تصل إلى عشرين مليار دولار بقياس ذلك الزمن الأغبر كما هو مُعلَن.

أمام كل هذه الخارطة البشرية للنزوح والأرقام يجب أن نشير إلى أن المأساة السورية وقضية اللاجئين فيها يجب أن تبقى في إطارها الإنساني، ولا يتم استثمارها ولا توظيفها سياسيّاً وإلاّ أصبحت خادمة لأهداف خاصة. كما أن الحديث الدائم من قِبَل الأتراك عن دعم إقامة منطقة عازلة في شمال سورية هو أمر لا يخدم الأمن القومي العربي ويُقسِّم سورية البلد العربي ويُدمّره.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4916 - الأحد 21 فبراير 2016م الموافق 13 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:14 ص

      كانت سورية حاضنة للاجئين العرب

      سورية العز والعروبة كانت حاضنة للعرب والمسلمين اللاجئين لها من اضطهاد حكوماتهم او من حروب اسرائيل كاللبنانين والفلسطينين لكن كونها بلد ممانع عملوا على تشويه سمعتها لينالوا منها فبماذا استفاد من أوصل الوضع لهذه الدرجة من البؤس في سوريا

    • زائر 1 | 11:24 م

      التاريخ يعيد نفسه! ما هو موقف الغيورين على الدول العربية؟؟

      في الخمسينيات كانت هناك خطة أمريكية تركية لغزو سوريا ذكره الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر والتاريخ يعيد نفسه

اقرأ ايضاً