العدد 4921 - الجمعة 26 فبراير 2016م الموافق 18 جمادى الأولى 1437هـ

صنقور: الدولة الرشيدة هي التي تفخر بقدرتها على إدارة مجتمع يتميز بالتنوع المذهبي أو الديني ولا تكون سبباً في انقسامه طائفيّاً

صفوف المصلين امتدت إلى خارج الجامع
صفوف المصلين امتدت إلى خارج الجامع

قال الشيخ محمد صنقور، في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع)، في الدراز، امس (الجمعة): «إن الدولة الرشيدة هي التي تفتخرُ بقدرتِها على إدارة مجتمعٍ يتميَّزُ بالتنوعِ المذهبيِّ أو الدينيِّ ثم لا تكونُ سبباً في انقسامِه إلى مكوناتٍ ذات صِبغةٍ طائفيَّةٍ».

وفي خطبته، قال صنقور: «لا تكادُ تخلو دولةٌ من دولِ العالمِ في مُختلفِ بِقاعِ الأرضِ من تنوُّعٍ في مجتمعها دينيٍّ أو عرقيٍّ أو مذهبيٍّ أو غيرِ ذلك من أنحاءِ وصُورِ التنوُّعِ، فالتنوعُ ظاهرةٌ تقتضيها طبيعةُ الإنسانِ، لذلك قالَ اللهُ تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ). والتنوُّعُ لا يقتضي بالضرورةِ الصراعَ والشِقاقَ بل هو لا يقتضي القطيعةَ في المجتمعِ الواحدِ الذي يعيشُ في اطارِ دولةٍ واحدةٍ، بل إنَّ التنوعَ ليس منشأً للصراعاتِ بين الدولِ، فالتنوعُ قد ألِفَه الإنسانُ واستطاعَ التعايشَ معه في ظروفٍ مختلفةٍ ومتباينةٍ وحُقَبٍ مُتماديةٍ، وذلك ما يُعبِّرُ عن أنَّ التنوعَ والتعدُّديَّةَ على اختلافِ أنحائِها وصُورِها ليس منشأً بالضرورةِ للشقاقِ أو حتى القطيعةِ، بل قد يكونُ باعثاً على التكامُلِ والحيويَّةِ والفاعليَّةِ إذا احسنتِ الدولُ الراعيةُ للمجتمعاتِ المتنوِّعةِ توظيفَ التنوعَ».

وأشار إلى أن «التنوع ليس شرَّاً في حدِّ نفسِه ولا هو مادةً للشرورِ، والذي هو شرٌّ محضٌ ومادةٌ للشرورِ هو الطائفيَّةُ؛ ذلك لأنَّ الطائفيةَ لا تعني الانتماءَ لدينٍ أو مذهبٍ أو منظومةٍ فكريةٍ وثقافيَّةٍ أو غيرِها، فإنَّ ذلك من التنوعِ الذي تقتضه طبيعةُ الإنسانِ، وأما الطائفيَّةُ فهي التعصُّبُ للانتماءِ الباعثُ على امتهانِ واحتقارِ كلِّ مَن هو خارجٌ عن دائرةِ هذا الانتماءِ، والطائفيَّةُ تعني التوجسَ والخشيةَ الشديدةَ من كلِّ مَن هو خارجٌ عن دائرةِ الانتماءِ، والطائفيةُ تعني سوءَ الظنِّ بكلِّ مَن هو خارجٌ من دائرةِ الانتماء المذهبيِّ أو الدينيِّ، وذلك ما يدعو للتحسُبِ والتحفُّظِ والقطيعةِ لكلِّ طرفٍ أو جماعةٍ لا ينتمي أبناؤها للدينِ أو المذهبِ الذي أنتمي إليه، والطائفيَّةُ تعني الشعورَ الأكيدَ بالفوقيَّةِ وحقِّ الاستعلاءِ على كلِّ فرقةٍ أو جماعةٍ خارجةٍ عن اطار الدائرةِ الدينيَّةِ أو المذهبيَّةِ التي أنتمي إليها، وذلك هو ما يبعثُ على احتكارِ المصالحِ والمنافعِ للطائفةِ التي أنتمي إليها أو تغليبِ مصلحةِ الطائفة التي أنتمي إليها على مصالحِ كلِّ مَنْ هو خارجٌ دائرةِ تلك الطائفةِ، والطائفيَّةُ تعني رفضَ كلِّ اطارٍ خارجِ الاطارِ المذهبيِّ أو الدينيِّ، فالمسكونُ بالحسِّ الطائفيِّ المذهبيِّ مثلاً لا يعبأُ بالانتماءاتِ الأخرى التي هي أوسعُ دائرةً من انتمائِه المذهبيِّ، فهو لا يعبأُ بالانتماءِ الديني الذي يجمعُه ومذاهبَ أُخرى، ولا يكترثُ بالانتماءِ الوطنيِّ الذي يضمُّه وشرائحَ اجتماعيَّةً أخرى لا تشتركُ معه في المذهبِ الذي ينتمي إليه، فهو يرفضُ كلَّ جامعٍ وكلَّ اطارٍ غير الاطارِ المذهبيِّ، لذلك فهو قد يشعرُ بالغُربةِ مع ابنِ عمِّه الذي تربطُه به أواصرُ القرابةِ والدينِ والوطنِ، لأنه لا ينتمي لذاتِ المذهبِ الذي ينتمي إليه، فهو يُفرِّطُ في كلِّ تلكَ الأواصرِ لمجرَّدِ الاختلافِ المذهبيِّ، ويُضمِرُ في قلبِه الغِلَّ والحقدَ والحسَدَ والكيدَ رغم كلِّ تلك الأواصِر، لا لشيءٍ سوى الاختلافِ المذهبيِّ، فمَن كان كذلك فهو رجلٌ طائفي. فالطائفي ليس هو مَن يُحبُّ أبناءَ طائفتِه الذين قد لا يجمعُه بهم وطنٌ أو عِرقٌ أو لُغةٌ، الطائفي هو مَن يبغضُ أبناءَ الطوائفِ الأُخرى وإنْ كان يجمعُه بهم دينٌ ووطنٌ وعِرقٌ ولُغةٌ، ذلك هو الطائفيُّ، وذلك هو الشعورُ الذي إذا تمكَّنَ في النفوسِ كان سبباً في خَرابِ الأوطانِ».

وذكر صنقور أن «الانتماءُ المذهبيُّ أو الدينيُّ أو العِرقيُّ أو اللُّغويُّ إذا تحوَّلَ إلى هويةٍ طاردةٍ لكلِّ هويةٍ أُخرى وغيرِ قابلةٍ للاصطباغِ بأيِّ صبغةٍ أُخرى مقتضيةٍ للانسجامِ والانضواء ضمنَ دائرة وهويةِ أوسعِ مع الاحتفاظِ بتلك الهويَّةِ المذهبيَّةِ أو غيرِها، فذلك الانتماءُ وتلك الهويةُ هي الطائفيَّةُ المقيتةُ، فهذا النحوُ وتلك المرتِبةُ من الانتماءِ هي التي تُلوِّنُ الحياةَ السياسيةَ باللونِ الطائفيِّ، وتَصبغُ المواقفَ بالصِبغةِ الطائفيَّةِ، ويكونُ معها منطلقُ الرفضِ والقبولِ واللينِ والتشدُّدِ والحرمانِ والمحاباةِ هو الهاجسَ الطائفيَّ، ومن ذلك تبدأُ الانقساماتُ والفرزُ والتمايزُ في المجتمعِ الواحدِ الواقعِ في اطارِ دولةٍ واحدةٍ، ويتعقَّبُ الانقسامَ والفرْزَ قطيعةٌ تشتدُّ كلما تعمَّقَ الهاجسُ الطائفيُّ وتلوَّنتْ به المواقفُ السياسيَّةُ، ويتعقَّبُ القطيعةَ تراشُقٌ وتقاذُفٌ ورجمٌ بالغيبِ قد يؤولُ إلى الاحترابِ والاقتتالِ، وقد يقفُ عندَ حدِّ القابليَّةِ للاحترابِ والاقتتالِ بحسبِ ما تقتضيه الظروفُ».

ونبه إلى أنه «من هنا تكونُ مسئوليَّةُ الدولةِ ذاتِ التنوعِ المذهبيِّ أو الدينيِّ أو العِرقيِّ ثقيلةً جدَّاً تسترعي اليقظةَ والحذرَ مِن أنْ يتحوَّلَ التنوعُ المذهبيُّ أو الدينيُّ إلى انقسامٍ طائفي، وتسترعي الحذرَ أكثرَ من أنْ تكونَ هي السببَ أو جزءًا من الاسبابِ المنتجةِ للانقساماتِ الطائفيَّةِ في مجتمعِها».

ورأى صنقور أن «الدولة الرشيدة هي التي تفتخرُ بقدرتِها على إدارة مجتمعٍ يتميَّزُ بالتنوعِ المذهبيِّ أو الدينيِّ ثم لا تكونُ سبباً في انقسامِه إلى مكوناتٍ ذات صِبغةٍ طائفيَّةٍ، وتفتخرُ بقدرتِها على تذويبِ كلِّ ما من شأنِه تعميقُ أو خلقُ الروحِ الطائفيةِ في الأوساطِ الاجتماعيَّةِ، فهي تفتخرُ بذلك لأنَّ خطابَها جامعٌ لمكوِّناتٍ مجتمعِها المتنوعِ، وتفتخرُ بذلك لأنَّها تُساهمُ في تأصيلِ المبادئِ والثقافةِ الجامعةِ لمكوِّناتِ مجتمعِها، وتفتخرُ بذلك لأنَّها تأخذُ بحزمٍ على يدِ كلِّ من يعملُ على تقسيمِ المجتمعِ على أساسٍ طائفيٍّ، وتفتخرُ بذلك لأنَّها تحولُ دون انعكاسِ أثرِ الانقساماتِ الطائفيَّةِ التي تقعُ خارجَ حدودِها، وتفتخرُ بذلك لأنَّها تتعاطى مع أفرادِ مجتمعِها على أساسِ المواطنةِ المتساويةِ بعيداً عن كلِّ حسٍّ طائفيٍّ مهما كان باهتاً».

وبين أن «الدولةُ التي ترعى مجتمعاً متنوِّعاً يتعينُ أنْ ينعكسَ هذا التنوعُ على أجهزتِها وموظفيها ومؤسساتِها وإجراءاتها ومواقفِها وسياساتِها وطبيعةِ علاقتِها بمجتمعِها المتنوعِ، فموظفُ الدولةِ قد يكونُ منتمياً لهذا المذهبِ أو ذاك، لكنَّه مسئولٌ عن رعايةِ مصالحِ كلِّ أبناءِ وطنِه بقطعِ النظرِ عن المذهبِ أو الدينِ الذي ينتمونَ إليه، ومؤسساتُ الدولةِ على اختلافِ مسئولياتِها تتشكلُ دوائرُها من مختلفِ أبناءِ تلك الدولةِ بقطعِ النظرِ عن انتماءاتِهم المذهبيَّةِ، ويُكلَّفونَ بخدمةِ ورعايةِ أبناءِ تلك الدولةِ بصفتِهمُ الوطنيَّة وبقطعِ النظرِ عن تنوُّعِهم المذهبيِّ، وهكذا هو الشأنُ في المواقفِ والإجراءاتِ والقراراتِ وطبيعةِ العلاقة بمختلفِ فئاتِ المجتمع، حينذاك وحينَ نتجاوزُ مرحلةَ الشعارِ إلى مرحلةِ التطبيقِ والفعليَّةِ، ويكونُ ذلك هو السياسيةَ العمليَّةَ الجاريةَ والماضيةَ، حينذاك لا يكونُ التنوعُ المذهبيُّ أو الدينيُّ عبئاً على الدولةِ ولا يكونُ عبئاً على أيِّ مكوِّنٍ من مكوِّناتِ المجتمعِ الذي ترعاه تلك الدولةُ، وحينذاك ينعمُ المجتمعُ بالتعايشِ الكريمِ في إطار المواطنةِ المتساويةِ، وينعمُ بالرضا، ويكونُ التنوعُ باعثاً على الحيويَّةِ والتكاملِ في ظلِّ احترامٍ متكافئٍ لشعائرِ ومشاعرِ مكوِّناتِ المجتمع واحترامٍ متكافئٍ للخصوصيَّات الدينيَّة أو المذهبيَّة لمختلفِ المكوِّناتِ الاجتماعيَّةِ».

جموعٌ أدت الصلاة في الدراز أمس
جموعٌ أدت الصلاة في الدراز أمس
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد صنقور

العدد 4921 - الجمعة 26 فبراير 2016م الموافق 18 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:53 ص

      لا أحد يبرئ ا....في ماوصلنا إليه من انقسام الشعب طاءفين ونحنوا كذلك عملنا جمعيات تمثل تياراتنا المذهبية ولم نقبل بعضنا بعضا فيها والنتيجة وقف الشعب ضد بعضه طاءفين وحل الخوف بين بعضنا وهذا لايزال إلا بمشاركتنا السياسية مع بعضنا البعض في جمعيات تجمعنا ولا تفرقنا

    • زائر 2 | 10:13 م

      هذا كلام الشيخ الذي مُنع الناس من الصلاة خلفه فهل فيه تحريض على غير دين وعقل ومنطق؟
      فالطائفية يغذيها المستفيد منها، والتمييز والتهميش لأي جماعة في المجتمع هو منطق غير سوي. الدولة القوية ترعى الجميع، وإذا أخطأ شخص تحاكمه في قضاء عادل ولا تعمم العقوبة على جماعته أو طائفته.

اقرأ ايضاً