العدد 4921 - الجمعة 26 فبراير 2016م الموافق 18 جمادى الأولى 1437هـ

البرلمان «الرمادي»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جرت أمس (الجمعة) انتخابات مجلسَيْ الخبراء والنواب في 1062 دائرة انتخابية في أنحاء إيران. المجلس الأول ينتظر 88 عضواً سيشكّلونه لثماني سنوات قادمة، والثاني ينتظر 290 نائباً سَيَلِجُونه من بين 4 آلاف و 844 مرشحاً (لغاية ضحى الخميس الماضي). في كل الأحوال وقبل أن تظهر النتائج النهائية هناك قراءة للخارطة السياسية المتبدلة قد لا تبدو بيّنة وسط جلبة الدعاية الانتخابية.

فقبل أيام من انطلاق عملية التصويت، ظهر تجمّعان انتخابيان رئيسيان في إيران. الأول ضمّ المحافظين وقياداتهم التاريخية كحداد عادل ومنتسبي «روحانيت» التي تجمع رجال الدين اليمينيين بالإضافة إلى محمد نبي حبيبي ومصطفى مير سليم وأسد الله بادامتشيان وحسن بزشكيان ومهدي جولايي من جمعية المؤتلفة الإسلامية وغيرهم كُثُر.

إلاّ أن اللافت هو «مشهد» التجمّع الآخر الذي ظهر أثناء لقائه برئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، حيث جاء في الخبر أن الأخير التقى بمرشحِيْ التياريْن «الإصلاحي والمعتدل» لانتخابات «الدورة العاشرة» للبرلمان، ضمّ 26 شخصاً بينهم ثمان نساء! وهو ما يطرح تساؤلاً مركزياً: ما الفرق بين تيارَيْ الإصلاح والاعتدال؟! هل يوجد فروق جوهرية أو عَرَضيّة بينهما؟ الحقيقة أنه ومنذ يونيو من العام 2013م وعند فوز الرئيس الحالي حسن روحاني بات يُطرَح في إيران أن هذه الحكومة الجديدة هي محافظة ولكن في نسخة معتدلة. وباتت تستقطب إليها الأطراف المحافظة التي تتشاطر معها في الرؤى والأفكار، من داخل البنية التقليدية لليمين الذين أفرزتهم حقبة أحمدي نجاد، بعد أن دأبَ الأخير على شق التيار المحافظ بسبب سياساته الإقصائية للتيار.

لذلك، وعندما التقى ذلك التجمع برفسنجاني، كان من بين الحضور عدد من المحافظين المعروفين كالنائب البرلماني كاظم جلالي المتحدث السابق باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، ورئيس مركز الدراسات البرلمانية الحالي. وهو أحد مؤشرات ذلك التقارب السياسي بين أطراف إصلاحية وأخرى محافظة يجمعها «الاعتدال» في الرؤية السياسية للأحداث.

هذا التقارب كانت له ضريبة واضحة دفعها الطرفان، وبالتحديد الطرف الإصلاحي. رئيس مجلس تخطيط سياسات الإصلاحيين (ونائب الرئيس الإيراني الأسبق) محمد رضا عارف قال خلال اللقاء أن هناك لائحة تضمّ المرشحين الإصلاحيين ومؤيدي الحكومة، وأن الشعار المرفوع بالنسبة لهم هو: «ترسيخ الاستقرار والأمل» رابطاً خيارات التجمّع بـ «بما أنجِزَ بعد الاتفاق النووي».

لكن اللافت في حديثه هو قوله بأن «المشاركة في الانتخابات ستمهد الطريق لتشكيل مجلس يُلبّي حاجات الشباب ويجعل توفير متطلبات العمل والمعيشة اللائقة على سلّم أولوياته» دون أن يشير إلى أيٍّ من المطالب التي كان يرفعها الإصلاحيون التقليديون والمتعلقة بالحريات العامة وتغيير بُنية السلطة عبر نقل صلاحيات المجالس الرقابية إلى البرلمان ولجم المادة 110 من الدستور.

في هذا التجمع الهجين غابت الشخصيات الإصلاحية التي هيمنت على المجلس السادس وأجواء الفترة الأولى من حكم الرئيس الأسبق محمد خاتمي. كما غاب أيّ نوع من أنواع ربط الحراك الإصلاحي بمشروعَيْ مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذان قادا حملة المعارضة ضد نتائج الانتخابات الرئاسية سنة 2009م والتي هُزِمَا فيها أمام أحمدي نجاد.

عندما تحدث عارف قال: «إن الإصلاحيين ولأول مرة يجتمعون تحت مظلة واحدة ما تبشر بمرحلة ترسيخ الاستقرار والازدهار الاقتصادي في البلاد». والذي يبدو من هذا التصريح أنه يؤكد ما كنا نقوله من قبل من أن النظام لم يعد ينظر إلى الإصلاحيين إلاَّ من خلال بعض الوجوه التي يعتبرها «أكثر تعقلاً» في تيارهم كعارف، ومحمود دعائي أوّل سفير إيراني في العراق بعد الثورة وآخرين.

وجميعنا يتذكر أنه وفي العام 2013م وأثناء الانتخابات الرئاسية قال عارف عندما طلب منه الإصلاحيون الترشّح أن: «على الإصلاحيين النزول إلى الساحة، إن أرادوا تحقيق نتيجة» محذّراً إياهم من وضع شروط لخوض الانتخابات. ثم انسحب لتقوية حظوظ حسن روحاني على الرغم من مطالبات إصلاحية تدعوه إلى البقاء في حلبة المنافسة ومحاولة كسب الجولة «لعهد إصلاحي» آخر.

لقد ذهبت الأطراف القوية في السلطة إلى تَخْصِير بطونٍ كانت قد انتَفَخَت بين عامَيْ 1997م و 2002م وإلى ما كنا نشير إليه من «تذوِيب مسارات سياسية كانت قد وَلَّدتها تحرّك القِشرة الصلبة للنظام». وهو أمر لم ينطبق على عارف ودعائي فقط بل حتى على شخصيات أخرى من المحافظين من الذين تموضعوا في وسط اليمين كمحسن رضائي والرئيس الحالي حسن روحاني.

مثل هذا التحرك «قد» يفضي إلى ظهور برلمان «رمادي» خاضع لمعايير سياسية واجتماعية جديدة لم تألفها البرلمانات الإيرانية السابقة، وخصوصاً أن الإصلاحيين سيجدون ما يوصلهم إلى البرلمان وإن بصورتهم المعدّلة حزبياً. وهذا كله في المحصلة سيكون مكسب لحكومة روحاني ومريحاً لها فيما خص القوانين المحالة، وكذلك مَدّاً لعنقها باتجاه مستقبل سياسي مستقر على الأقل على المدى المتوسط، كما حصل لنجاد في الفترة الأولى من حكمه، ولكن وفي الجهة المقابلة سيجعل الإصلاحيين الآخرين من الذين كانوا منضويين تحت لواء جبهة المشاركة في وضع حرج إلاّ إذا كانت لديهم مراجعات سياسية محددة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4921 - الجمعة 26 فبراير 2016م الموافق 18 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:00 ص

      قرأت تحليلات كثيرة عن الانتخابات الايرانية ، لكن لم أجد من تعرض لهذه الفكرة .
      فعلا التغيير سنة الحياة ، و من يحسن التأقلم معه يبقى .... ومن يتشدد ( من أي طرف كان ) يخسر و ينزله التاريخ من قطار الحياة .
      متابع

    • زائر 1 | 12:06 ص

      المهمّ أن لدى الجمهورية الاسلامية انتخابات لكل المناصب من أعلى الهرم وهو المرشد ثم الرئيس ثم مجلس الخبراء ثم البرلمان ثم المجالس البلدية وغيرها .بمعنى أننا وخلال 37 سنة شهدنا عشرات الدورات الانتخابية وجاء رؤساء وذهب آخرون وتبدل اعضاء البرلمان والشورى والمجالس البلدية

اقرأ ايضاً