العدد 4925 - الثلثاء 01 مارس 2016م الموافق 22 جمادى الأولى 1437هـ

أين من الجميع الوطن والوطنية

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

يبتسر البعض ويُصْغّر الوطن والوطنية، إلى درجة التشويه والابتذال، فيرى الوطنية ليست انتماءً بالروح والوجدان، وانصهار الفرد في مجموع أفراد المجتمع، لتتشكل تلك الوحدة ذات القوة الوطنية الشعبية الموحَدة، التي تمتاز بالعلاقة الإيجابية، حين يتكامل فيها الجهد الفردي بالعمل الجمعي، عبر التنافس على العطاء، بوسيلته بذل الغالي والنفيس، من المال والعمل والفكر وتسخير العلم والخبرة، لخدمة المجتمع الذي هو العنصر البشري للوطن، لرفعته الداخلية في المساواة بين أفراده في الحقوق والوجبات، وتوزيع الثروة الوطنية بالعدل والقسطاس، لتنشأ تلك العلاقة السوية بين أفراده، بلا ضرر ولا ضرار.

وكذلك نتيجة للعمل الوطني وواجب الانتماء للوطن، يجعل المواطن حريصاً على سمعة وطنه على الصُعُد الإقليمية والعربية والدولية، وفي جميع المضامير، بدءًا بالحقوقية والسياسية وليس آخرها الرياضية، من واقع حرصه على تشجيع المبادرين من المختصين والممارسين في جميع المجالات، على الظهور كما القدوة للآخرين على المستوى العالمي، وفي ذات الوقت، يتصدى كونه مواطناً، لأي زلل يسيء إلى سمعة البلاد، خاصة بما يعارض القانون الدولي، الحقوقي والسياسي، وكذلك القوانين الفرعية المتعلقة بالاختصاص والممارسة، سواءً كانت علمية أو ثقافية أو سياسية أو اقتصادية وحتى الرياضية.

وهذه الروح الوطنية الجامعة، لا تقوم على التبجيل أو التحقير الزائف، لتصوير الظلم عدلاً والباطل حقاً، والمؤدي عبر سَلْك دروب التشتت والفرقة السلبية، المتضادة والهادمة لأسس بنية المجتمع، بما مؤداه الاحتراب الطائفي، إلى درجة أن ينحدر فيها المرء إلى سوء الأدب في التعامل والتواصل والتفاعل، بمثل وصف قول للآخر أو موقف، على أنه «قمة في الوقاحة»، في حين أن الواصف لو درى، ومن أين له أن يدري، فقد ختمت طائفيته على عقله وقلبه، بأنه أسوأ في الأصل ممن وَصَفَ.

فيتحوّل الموقف السياسي والحقوقي، من معيار العدالة الشاملة لجميع المكوّن البشري للدولة، إلى معيار الحق المطلق للطائفة، ومعيار الباطل المطلق للطائفة الأخرى، بناء على صراع تفتعله الفئات المسيطرة، خشية أن تفقد ميزاتها وتسهيلاتها القائمة على معيار التَمَكُّن السياسي.

وللفئة المتمكنة سياسياً، أتباع من العامة الصغار، يطيب لهم ما لا يستَطيِبوه لغيرهم، يستحثهم بالتشجيع كبارهم، على القذف والقدح بمن وبما يجهلون ولا يعلمون له مصدراً، سوى مواءمته لهوى النفس المريضة بالطائفية لديهم، وبما يعتقدونه تقرباً لأصحاب الجاه، فيحلوا لهم وربما يَدرُّ عليهم، إلصاقه بالآخر المختلف.

لكل عمل تخصصي لفئة بشرية تتوسّل العلم، والدراية النظرية والعملية، لها إعلامها الخاص، الذي يتشكل من إعلام جميعها إعلام الدولة من حيث الإفادة المجتمعية أو سوء الأداء، فهناك الإعلام السياسي والإعلام الحقوقي، والإعلام الاجتماعي والإعلام الاقتصادي إلى الإعلام الرياضي، وما لم ينهج كل إعلام مؤدى التعامل مع شعب واحد، برسالة إعلامية واحدة، فإن الشقاق المجتمعي متأتٍ لا محالة، وبهذا الوصف لأي سياسة إعلامية من حيث توجيه الرسالة، تتحدّد جهته من حيث وطنيتها وطائفيتها.

ثم الازدواجية في المعايير المبدئية، من حال التبني لنظرية ما في مرحلة، وتبني ضدها في مرحلة غيرها، والخلط بين متضادات المواقف والتنظيرات، بحسب الحال من باب الاستفادة الذاتية ورديفها الضر بالآخر، أو بأسوئها الضر بالآخر وكفى! فهي إذاً شكل من أشكال التمييز، وإلا فإن ما يحق لهذا الفريق يحق أيضاً لذاك، وبنفس القدر وفي ذات الوقت، وليس هناك من صاحب عقل ودين وأخلاق وإنسانية، يطالب لذاته وطائفته، ما لا يطالب به للمواطن الآخر وطائفته، لكي تكون المحصلة المساواة في الحقوق وأمام القانون وتكافؤ الفرص.

لذلك فإن الحكومات، سواء جاءت عبر الانتخاب المباشر أو غيره من الإجراءات الديمقراطية، يتوجب أن تكون خادمة لجميع مكونات المجتمع على قدم المساواة، والمكون الذي يرضى من الحكومة تميّزه في نيل أكثر من حقّه كمواطن، أو تمكينه من الإفلات من العقاب لتجاوزه القانون، ويضيف بالمجاهرة بأن الآخر لا حق له، حينما يطالب برفع الظلم عنه، ويجاهد في سبيل ذلك من خلال الوسائل القانونية المحلية والوسائل القانونية الدولية، وذلك نتيجة سوء التقدير بأن الجهات التنفيذية ستدوم على حالها في تمييزه، فإن الحراكات المطلبية الشعبية لا تتوقف، طالما كان هناك عدم عدالة، وحكومات الغد في العالم وسياساتها لن تكون كما هي حكومات اليوم وسياساتها، حتى وإن استمرت آليات تشكيلها على ما جاءت به الحكومات قبلها.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4925 - الثلثاء 01 مارس 2016م الموافق 22 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:09 ص

      قد يقول البعض أن الحساب يوم الحساب وينسى أن يحاسب نفسه قبل ذلك اليوم...

    • زائر 3 | 12:19 ص

      أصحاب الجشع والطمع لا يعرفون وطنية ولا دين ولا قيم إلا بما يملأ جيوبهم ، يحوّرون كل شيء ويبدّلون جلدهم ويتلونون حيث يوجد المال وحيث يمكنهم الهبش والنبش والاستيلاء على المال والجاه.
      هذه النوعية انتشرت في البحرين بل وشجّعت حتى نمت وكبرت وتكاثرت واصيبت بقصر النظر فأصبحت لا ترى الجياع ولا تحسّ بمعاناتهم

    • زائر 1 | 9:38 م

      أستاذنا العزيز كلامك درر والمقطع الآخير كأنك تقول لهم دوام الحال من المحال فل يفهموا عديمي الفهم.

    • زائر 2 زائر 1 | 11:42 م

      أفلاطون

      يكفي إنّك إنت فهمت يا أفلاطون

اقرأ ايضاً