العدد 4932 - الثلثاء 08 مارس 2016م الموافق 29 جمادى الأولى 1437هـ

ما للإعلام والرأي من القواعد والأخلاق

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

استقامت مهنة الصحافة، وأبدع فيها جهابذتها من الصحافيين والكتّاب، عبر نشوء الأجيال وتتاليها جيلاً بعد جيل، على مقولة إن «الصحافة مرآة المجتمع»، الى الدرجة من المصداقية والعطاء النقي، المعيارين اللذين إذا ما حرص عليهما صحافيو اليوم والكتاب، لَوَضَحت حال المجتمع في تلك المرآة، بما يخدم تطور إيجابيات حاضره الى إبداعات مستقبله، أو انتشاله من مغبات الحال المَرَضِيّة والتَرَدّي، الى حال الشفاء والتَرَقِّي.

وذلك بما تعكس تلك المرآة، ما يموج به المجتمع من تَوادٍّ، في حال العلاقة السليمة، الحافظة لحقوق جميع مكوناته، بمختلف أديانهم وتفرعاتهم المذهبية، وبمختلف معتقداتهم الفكرية، وفي معيشتهم العامة المتوافرة لها أسباب الأود وسد الحاجة، ولكلٍّ له ما لغيره، وعليه ما على الآخر، تجمعهم سمة المواطنة وهي الأساس.

أو في حال غابت تلك العدالة المجتمعية وسادت سياسات التمييز، على أية قاعدة كانت، دينية أو مذهبية أو فكرية أو عرقية ...الخ، فهي، أي الصحافة أيضا مرآة، لتلك الحالة المجتمعية المريضة، وهي بهذا تقوم مقام الطبيب المُشخّص للأورام المجتمعية الخبيثة، لتتكامل تعاوناً مع بناة المجتمع، من السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين وجميع التخصصات الأخرى في المجتمع، على مستوى الهيكلين الإداريين للدولة، الأجهزة الرسمية المتمثلة في السلطات الثلاث، وأجهزة المجتمع المدني، من الأحزاب والمؤسسات والأفراد، لاستكمال دور الطبابة لمعالجة تلك الأورام المجتمعية الخبيثة.

إنَّ تلك المهنية المعطاءة النقية في العمل الصحافي، هي التي جعلت فيما مضى من الصحافة حقّاً مرآة، لحقيقة واقع المجتمع، في تعدد صفحاتها المتخصصة، بمجالاتها وصحافييها، وبأدواتها الإخبارية والبحثية والمعرفية، عبر تغطياتها متعددة المساحات، المتكونة منها تفاصيل حياة وتفاعلات مكونات المجتمع، لتتنوع صفحاتها، وتتناول بالمعايير ذاتها من المصداقية والنقاء الإنساني، الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتخصصات القانونية والحقوقية والعلمية والمعرفية العامة، وشئون المرأة والأمومة والطفولة، والرياضة والشباب، كل ذلك وأكثر، بمهنية الباني والمُحَصِّن للمجتمع الواحد، القائم على معيار الانتماء الجمعي الوحيد الى الوطن، ألا وهو معيار المواطنة المتساوية.

كان وراء تلك الصحافة، التي عكست صورة وحالة المجتمع الحقيقية، وساهمت بفعالية مع بناة المجتمع، ودَفَعَ محرروها وكتابها أثمان تصديهم لكل المائلات والشطط، كان وراءها صحافيون وكتاب، متسلحون بمؤهلات و/ أو خبرات صحافية تخصصية، بما جعل مهنة الصحافة والتحرير في الصحف، ومقالات الرأي فيها، لا تليق إلا بمتخصصين امتهنوها، وتصعب على العامة مجاراتهم بما تعمقوا فيه من معرفة، وجهدوا فيه من متابعة وتطوير ذات، واستزادة ملكات.

ولم يكن لهم أن يمتهنوا الصحافة، لو لا أنهم نذروا ذاتهم لخدمة الوطن والمواطنين على السواء، بتبيان وإظهار الاعوجاج والاستقامة، ولا تأخذهم في ذلك لومة لائم، أو دافع حلم بأيهما، فإنهم يتناولون الموضوعات من حيث أسبابها ونتائجها، وصولاً الى كشف الحال الراهنة، بما يستلزم إما تصحيح الخلل أو جعل الراهن أساساً لتطوير المستقبل، ولهذا أسميت مهنة الصحافة «بمهنة المتاعب»، من حيث هي لا تؤتي ممتهنها، عن إخلاص ونقاء نفس إنسانية، إلا بالمتاعب من الجهات، متى ما كانت مستأثرة.

أما اليوم وعلى مستوى الوطن العربي خاصة، فللأسف، لقد طغت وسائل التواصل الاجتماعي، بتناقل الأخبار والروايات، وقد سخَّرت لذلك جهوداً ومالاً وتوظيفاً، ولبّى الكثير من مرضى النفوس، من المتمصلحين لذاتهم على حساب عامة المواطنين، باحتساب أنفسهم من المقربين الى السلطات، أو نتيجة بلائهم بالطائفية أو النرجسية الاجتماعية، متشجعين بالحماية والإفلات من العقاب، فيسعون لإبلاء الآخرين، نتيجة جهلهم، أن ما يصيبون به الآخرين اليوم، ليس ببعيد أن يصابوا به وفي وقت أقرب مما يتصورون، أو أن يعُمُّهُم بعض من مصاب الآخرين ممن لا يحبون، ربما في معاش أو دعم أو وظيفة أو خدمات.

وانساق مثلهم كثير من المحسوبين على الصحافة، ممن مرضوا بأمراض الطائفية والنرجسية الاجتماعية، وباتوا لا يعرفون من «اختلاف الرأي الذي لا يفسد للود قضية»، سوى تكفير الآخر، لدينٍ يتفرع متبعوه في أساسه الى فريقين، ويتفرع الفريق الأول الى بضعٍ وتسعين فرقة، وتفرع الثاني الى عدة مراجع، فليس لأحدهم أن يكفر الآخر، إلا وكان تكفيراً لذاته، من باب تعدد فرقه، وكل فريق بما لديهم فرحون.

ولكن للمكاسب الآنية والاحتماء، بريق يعمي عقول بعض الصحافيين، لينحدروا ويتخلوا عن تخصصهم ورقيهم الصحافي المفترض، ويأتوا ما تأتيه جهالة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4932 - الثلثاء 08 مارس 2016م الموافق 29 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:57 ص

      ..

      صباح الخير أستاذ وتسلم الأنامل اللتي خطت هذا المقال الرائع

    • زائر 2 | 12:46 ص

      الانحدار في الأمّة يعكسها اعلامها

    • زائر 1 | 11:10 م

      ابو علي

      للأسف يا استاذ الصحافة الصفراء والكتاب كثرو وسيطرو على هذة المهنة والمراءة العامة لشعوب واستغلو اعمدتهم في نشر الفتن وقلب الحقائق
      فا الخير فيكم والتوفيق من الله وهو حسبكم

اقرأ ايضاً