العدد 4935 - الجمعة 11 مارس 2016م الموافق 02 جمادى الآخرة 1437هـ

الفنان العراقي رسمي الخفاجي: العراق بلد الأبيض والأسود... وأحنُّ لماضيه

يستمر معرضه «بديل المكان» في البارح حتى 31 مارس الجاري

الفنان العراقي رسمي الخفاجي
الفنان العراقي رسمي الخفاجي

العدلية - منصورة عبدالأمير 

تحديث: 12 مايو 2017

الحنين وذاكرتان منفصلتان، إحداهما تأخذنا إلى الديوانية في العراق فيما تذهب بنا الأخرى نحو مدينة فلورنسا بإيطاليا، وطنان يسكنان أعمال الفنان العراقي الإيطالي رسمي الخفاجي، المعروضة ضمن معرضه الشخصي «بديل المكان»، المقام حالياً في البارح للفنون التشكيلية ويستمر حتى 31 مارس/ آذار 2016، وهو أحد فعاليات ربيع الثقافة 2016.

يضم المعرض 37 عملاً وهي آخر أعمال الفنان، واحد منها عمل تركيبي، بالإضافة إلى عملين في فن الفيديو. يسيطر على هذه الأعمال اللونان الأبيض والأسود،

وحالة واضحة من الحنين الجارف نحو وطنين لم يتمكن أحدهما من أن يكون بديلاً للآخر.

لنا أن نعرف أولاً بأن الفنان العراقي رسمي الخفاجي غادر العراق العام 1977 لظروف سياسية، حاملاً معه ذاكرة لم توهنها الأيام على رغم انقطاع تام دام 29 عاماً. غادرها إلى فلورنسا بإيطاليا حيث استقر هناك. تخرج من معهد بغداد للفنون الجميلة، وعمل مدرساً للتربية الفنية، اهتم بالغرافيك. وفي إيطاليا درس في أكاديمية فلورنسا للفنون Florence’s Accademia di Belle Arti.

فضاءات «الوسط» التقت الفنان رسمي الخفاجي في حوار حول أعمال معرضه في البارح، حول الحنين الذي يسكنها. حول العراق وإيطاليا والوطن البديل.

سألته بداية عن حالة الحنين والشوق التي تسكن لوحاته، قلت له إنها الأمر الملحوظ منذ الوهلة الأولى لمشاهدة تلك اللوحات، فقال: «في الحقيقة، أنا مرتكز على ذاكرة، وهذه الذاكرة هي مزيج من حنين وآلام وغربة فأنا مواطن عراقي مهاجر تركت العراق العام 1977 ورجعت إليها بعد الغزو الأميركي، وبعد 29 عاماً من الانقطاع التام حتى عن أخبار عائلتي وعن أية صلة بأهلي. لذلك يبقى في أعمالي هاجس الحنين للأشياء التي فقدتها في فترات معينة وأتمنى لو تتاح لي فرصة عيشها مرة أخرى. مجمل عملي يرتكز على الذاكرة الأولى والذاكرة الجديدة، الأولى في العراق والثانية هي إيطاليا التي قضيت فيها ما يقرب من الأربعين عاماً هي كفيلة بأن تركز لدي ذاكرة لإيطاليا.

بشكل عام أعمالي مزيج، شكلياً تبدو تجريدية ولكن تفصيلياً هي واقعية

تحن للبلدين وتعتبرهما وطناً، لكن ألا تجد أن العراق أكثر حضوراً في أعمالك وذاكرتك؟

- عنوان معرضي هو «مكان بديل»، وفي الحقيقة فإن بلدي بالنسبة لي انتهى. ليس لدي بلد الآن، لا قبل التغيير ولا بعده. بلدي انتهى بوجود الحكام الذين سرقوه ونهبوه. الوطن البديل بالنسبة لي هو الوطن العربي، البحرين والأردن وبيروت كلها أوطان بديلة بالنسبة لي، لكن بلا شك يبقى الإنسان متعلقاً بالمكان الذي ولد فيه، والذي توجد فيه جذوره، وجذوري هي العراق.

تتحدث عن العراق ما قبل العام 1977؟

- نعم وهذه مأساة، أتمنى أن يرجع العراق إلى سنوات الستينيات والسبعينيات، وهذه مأساة أن تتمنى أن يرجع بلدك للوراء بدل أن يخطو خطوات نحو المستقبل. أريده أن يعود للوراء، حتى نستطيع أن نعيش فيه عيشة طيبة كبشر.

لوحات معرضك جميعها باللونين الأبيض والأسود، هل جاء هذا بفعل تجربة الغربة، وخصوصاً أنك كنت ترسم بالألوان قبل خروجك من العراق، ثم اكتست لوحاتك بهذين اللونين فقط بعد خروجك.

- ليس بعد خروجي من العراق، بالعكس بعد عودتي إليه من جديد وبعد الاحتلال، وكان ذلك بعد العام 2006، إذ تحولت لوحاتي للأبيض والأسود. كنت اشتغل بالألوان، ولكني أصلاً وقبل أربعين سنة وقبل مغادرتي العراق، كنت غرافيكي اشتغل في الطباعة، وحتى في إيطاليا كنت أدرس الطباعة، ثم انتقلت للألوان لأعود بعدها إلى الأبيض والأسود. حقيقة ليس هناك سبب معين لعودتي تلك، لكن ربما لأني حين عدت للعراق، شاهدت المجتمع العراقي، رجالاً ونساءً باللونين الأبيض والأسود، النساء ترتدي السواد والرجال يرتدون البياض. انتهت الألوان التي كانت موجودة في سنوات الستينيات، لم تعد موجودة وحتى إذا كانت موجودة فهي مخفية.

انتقلت إلى الألوان الزاهية بعد هجرتك إلى إيطاليا، هل كان هذا تأثراً بالمحيط الجديد، وإجمالاً إلى أي حد تأثرت أعمالك وأسلوبك الفني بفلورنسا وإيطاليا والحياة والدراسة فيها.

بعد عودتي للعراق من جديد وبعد الاحتلال تحولت لوحاتي للأبيض والأسود

أعيش في مدينة فلورنسا في إيطاليا، وهي عاصمة عصر النهضة، ولذا فإنه سواء رغبت بهذا أم لا أرغب فإن المدينة تترك تأثيراتها عليّ كفنان بشكل أو بآخر، ثم إن التواجد في بلد مثل إيطاليا وكل المعاصرة الموجودة فيها، يجعل الفنان المهتم والمتابع والمندمج مع المجتمع، يستفيد بشكل كبير من الموروثات ويوظفها في عمله.

بعد العام 2006، دمجتك تجربتيك وذاكرتيك، العراقية والإيطالية، كيف مزجت بين التجربتين والذاكرتين لوطنين منفصلين لتخرج بهذه الذاكرة الجديدة والمختلفة؟

- امتزجت التجربتان وخرجتا بشكل جديد في أعمالي، فإذا نظرتِ لبعض اللوحات هنا ستجدين مثلاً أن الهضاب التي أرسمها هي هضاب مقاطعة توسكانا وهي إحدى مقاطعات مدينة فلورنسا بإيطاليا، وفي الوقت ذاته أجساد لنساء عراقيات.

أي الأساليب الفنية تتبعها في أعمالك؟

- بشكل عام أعمالي مزيج، شكلياً تبدو تجريدية ولكن تفصيلياً هي واقعية. أدوات العمل واقعية لكنه غير واقعي. للرؤية تبدو أعمالي تجريدية لكنها تستند إلى مفردات واقعية. أيضاً تجدين أن بعض الأعمال بالحبر وبعضها ألوان مائية، وهناك حفر على الورق في بعض الأعمال، حتى الدرجات اللونية أعملها بالحفر.

هناك عمل تركيبي وحيد في المعرض، أطلقت عليه عنوان «الربيع»... ما دلالته؟

- العمل تركيبي وعنوانه الربيع العربي الذي أصوره بأنه في حقيقة الأمر خريف، إذ لم يبقَ لدينا شيء. هناك شجرة مورقة في منتصف العمل وهي ترمز إلى طموحات الشباب الذين بدأوا هذا الربيع وكانوا يريدون أن يبنوا، ومن الممكن أن تشير الشجرة المورقة إلى التجربة التونسية وهي الأنجح التي بنيت على أساسها الطموحات.

يضم المعرض أيضاً عملين في فن الفيديو... حدثني عنهما؟

- نعم أنا واحد من بين أشهر خمسة فنانين عرب في فن الفيديو. العملان المعروضان هنا هما «كتاب السفر» و«فنان تحت الماء». العمل الأول فاز في مسابقة دولية متفوقاً على أعمال قدمها 300 فنان أوربي وأميركي وهو معروض في أحد المتاحف. العمل الثاني عملته العام 2011 عن أولئك المهاجرين الذين يفقدون في البحر وهم يحاولون الوصول إلى أوطانهم الجديدة. هذا العمل مدته 3 دقائق، وهو مأخوذ من عمل طويل عملت عليه لمدة 8 أشهر، قمت بتصويره وإخراجه بل وظهرت فيه بشخصيتي. العمل يصور شخصاً يسقط من باخرة، ويظل يصارع الأمواج ثم يغرق ولا يصل منه للساحل سوى قبعته. صورته وهو يصارع الأمواج ويحلم بالحياة في البلد الأوربي وبالنساء الأوربيات والعمل والصحة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً