العدد 4936 - السبت 12 مارس 2016م الموافق 03 جمادى الآخرة 1437هـ

المالكية... زيارةٌ بعد عشرة أعوام

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كان ساحل المالكية مختلفاً كثيراً هذه المرة، عمّا كان عليه في آخر زيارة قبل عشرة أعوام.

الكثير من الأمور تغيّرت، والكثير من المياه انسابت فغسلت رمال هذه البقعة الساحلية الصغيرة، التي بقيت متنفساً للأهالي، أمّا القرية نفسها فلا يبدو أنه أصابها شيء كبير من التغيير، عدا التوسّع في بناء الأراضي من حولها. كثيرٌ من أبناء المناطق الأخرى تمكّنوا من اقتناء قطعة أرض هنا، في الدقيقة الأخيرة من فترة الارتفاع الجنوني لأسعار الأراضي.

في الزيارة - بل قل الزيارات الكثيرة - السابقة، كان الساحل يخضع لعملية شد وجذب، بسبب تشييد جدار غير قانوني وسط البحر، كان يهدّد بحرمان الأهالي نهائيّاً من الوصول إلى الساحل، بمن فيهم الصيّادون. وتبنّت الصحيفة حملةً لحماية الساحل وحقّ الناس في الوصول للبحر، وتطبيق القانون. كانت المانشيتات طوال شهر ونصف الشهر، تحمل آخر أخبار «جدار المالكية»، حيث تحوّلت إلى قضية رأي عام. وبعد خمسة وأربعين يوماً، استجابت الدولة للنداء، وفرضت إزالة الجدار، احتراماً للقانون. كانت حملةً صحافيةً ناجحةً، آتت أكلها، بسبب دافعها الوطني، وموقف اللجنة الأهلية والبلديين، وعموم الأهالي الذين تمسّكوا بالمنطق والقانون، فحازوا تعاطف الرأي العام، وتُوّج ذلك باستجابة المسئولين، وسقوط «جدار العزل» في (16 يونيو/ حزيران 2005).

بعد اختراقنا الشارع الضيق المؤدي للساحل، فوجئت بوجود عددٍ كبيرٍ من القوارب الصغيرة (الطرّادات) على البر، مع موقفٍ يتسع لعددٍ من السيّارات. كان مؤشراً إيجابيّاً مفرحاً. وحين نزلنا من السيّارة، كانت هناك أعداد كبيرة من الأهالي، ذات يوم سبت، ثاني أيام الإجازة الأسبوعية للكثيرين.

كانت هناك مجموعةٌ من الشباب يلعبون كرة الطائرة متحمسين، في ملعب رمزي صغير. هؤلاء يستقبلونك على سجيّتهم، ويعاملونك بطيبتهم، وقبل أن تجلس يقدمّون لك «استكانة الشاي». يرافقك أحدهم مشياً على الساحل الرملي، ويبدأ بالحديث معك عن تلك الأيام، فمازالت ذكرياتها طريةً، يحدّثونك عنها وكأنها وقعت أمس. كان بالإمكان أن يضيع هذا الساحل، في غمضة عينٍ من القانون. تشعر بسعادةٍ غامرةٍ وأنت ترى الناس سعداء، وأنك شاركت يوماً ولو بكلماتٍ معدودات، في الحملة الشعبية التي قادت لإنصافهم.

اتصل زميلي المصوّر بأحد أصدقائه، رغبةً بأخذ جولةٍ سريعةٍ في هذا الماء الرقراق. لم يجد صاحبه، ووجدنا شابين ينويان دخول البحر، ورحّبا بفكرة اصطحابنا بقاربهما الصغير من دون تردد. وكان على الساحل رجلان عجوزان، يفردان شباك الصيد، قبل الخروج بقاربهما إلى الأعماق.

ركبنا القارب متجهين غرباً. الماء أنظف مما كان قبل عشرة أعوام، هكذا بدا لي، وارتفاعه لا يزيد عند خط الساحل على قدم واحد، وفي العمق عن قامة رجل، حين وصلنا إلى «الحظرة»، أقدم طرق صيد الأسماك التي كان يستخدمها أهالي البحرين، على سواحل المنامة والمحرق ورأس الرمان وجنوسان وسترة والبديّع والمناطق الغربية. وكان الصيد وافراً، وكانت النسوة يحصلن على الإدام من البحر مباشرةً، بطرق صيدٍ بسيطةٍ وبدائية. هذه الرواية سمعتها من أهالي المحرق كما سمعتها من أهالي مناطق أخرى، ربما استمر الوضع كذلك حتى الخمسينات أو الستينات، حين بدأت أعمال الدفن وتشييد الجسور.

في هذه الجولة التي لم تستمر لأكثر من نصف ساعة، ذهاباً وإياباً، تعرّفنا من خلالها على «الحظرة»، وعرضنا عنها تحقيقاً مصوراً (نُشر أمس السبت ص 4)، مع شرحٍ لطريقة التقاط الصيد، وأوضاعه الحالية، حيث يقلّ العرض وترتفع الأسعار بسبب الجو هذه الأيام. 

ونحن عائدون إلى الساحل، صحت بزميلي: لا يفوتك هذا المنظر الساحر! كانت المالكية تبدو كالصبية الجميلة من بعيد، مختبئةً وراء أشجار النخيل، وكانت الأنوار تتراقص على صفحات الماء الهادئ، فترسم فوقها خطوطاً من الذهب.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4936 - السبت 12 مارس 2016م الموافق 03 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:57 ص

      اهلا وسهلا بكم في ساحل المالكية الساحل الذي يجمع جميع أطياف المجتمع بسنته قبل شيعته بمواطنيه والأجانب. .. لم ولن نسسى وقوف جريدة الوسط معنا ولن ننسى وقوف جميع اهالي البحرين في وجه المتنفذ الذي حاول سرقة هذا المتنفس .. ملاحظة نتمنى ان ياخذ بها بعين الاعتبار وهي نظافة الساحل البعض حين ياتي للساحل ويجلس في مكان نظيف يخرج دون تنظيف ما فعلته ايديهم وهذا الامر يزعج الأهالي ومرتادي الساحل للاسف .. نتمنى من الجميع النحافظة على نظافة المكان .. ولد المالجية

    • زائر 6 | 4:59 ص

      مرفأ وساحل دمستان..

      تم وضع حجر الاساس لمرفأ وساحل دمستان قبل سنتين او اكثر ولم يتم بدء العمل ..الى متى .الله أعلم.

    • زائر 5 | 12:03 ص

      سؤال هو بقت سواحل يرتادهم المواطنون؟ دلّونا عليهم خل نروح
      رحنا ساحل كرباباد يوم الجمعة ورجعنا بسبب شدة الازدحام فلا منفس لأهالي هذه المنطقة الا ساحل لا يتجاوز كيلومتر واحد

    • زائر 4 | 11:42 م

      كان يراد لهذه القرية أن تخنق كباقي قرى وشواطئ البحرين المخنوقة, ولولا وقفة الأهالي بشجاعة ووقوف الوسط معهم وباقي المجتمع ...الذي استنكر الاستيلاء على الشواطئ بالقوّة لما بقي لهم متنفق عبر البحر.

    • زائر 2 | 10:49 م

      طبيعة جميله وانت اجمل

      والله انت الذهب سيدنا الله يحفظك

    • زائر 3 زائر 2 | 11:15 م

      الونيس

      يجب على كل مناطق البحرين السعي لحفظ السواحل وتنظيف السواحل ولاتسمح لأ أحد مصادرة الساحل

    • زائر 1 | 9:37 م

      ماشاءالله

      تسلم سيد عجبتي جدا جدا جدا جدا آخر فقرة في المقال

اقرأ ايضاً