العدد 4942 - الجمعة 18 مارس 2016م الموافق 09 جمادى الآخرة 1437هـ

صنقور مستشهداً بحياة النبي شُعيب: الخاسر هو من يُعرض عن دعوات الإصلاح

الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد صنقور

استشهد الشيخ محمد صنقور في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، أمس الجمعة (18 مارس/ آذار 2016)، بالحركة الإصلاحية التي قادها شعيب (ع)، وخلص إلى أن «الخاسر هو من يعرض عن دعوات الإصلاح».

وفي خطبته، قال صنقور: «تتلخص الحركة الإصلاحية التي قادها شعيب (ع) في قومه بحسب ما أفاده القرآن في الدعوة بعد التوحيد والعبودية الخالصة لله تعالى تتلخص في الدعوة إلى إرساء العدالة الاجتماعية ونبذ الفساد بمختلف صوره والإيفاء للناس بحقوقهم والنهي عن بخسها وانتقاصها، يقول الله تعالى: «وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين» (الأعراف: 85)، فدعوته إلى إرساء العدالة الاجتماعية يمكن استفادتها من الأمر بإقامة الميزان والذي هو تعبير آخر عن العدالة، فهو (ع) وإن كان قد طبق الأمر بإقامة الميزان على موردٍ خاص وهو الوفاء في المكيال والوزن بالقسطاس المستقيم إلا أن الأمر بذلك نشأ عن كونه مظهراً من مظاهر العدل، فملاك الأمر بالوفاء في المكيال هو أن الوفاء في المكيال من مقتضيات العدالة، والبخس فيه ينقض ما يقتضيه العدل، فالدعوة في جوهرها هي الإرساء للعدالة الاجتماعية في مختلف شئون الحياة».

وأضاف «أما الدعوة إلى نبذ الفساد فيستفاد من قوله: «ولا تفسدوا في الأرض» (الأعراف: 56) وقوله في آيةٍ أخرى: «ولا تعثوا في الأرض مفسدين» (البقرة: 60) والفساد له صور ومظاهر، فكل فعلٍ يتنافى مع الفضيلة والصلاح فهو من الفساد، وكل فعلٍ يفضي إلى كسادٍ أو خرابٍ أو تخلفٍ أو اضطرابٍ فهو من الفساد، وشعيب (ع) ينهى عن كل ذلك، فكما أن قطع الطريق وإرهاب المستطرقين الذي كان عليه قومه هو من الفساد، فكذلك مفارقة الفواحش أو تيسير الوصول إليها يعد من الفساد ولكنه من الفساد الأخلاقي، وتعاطي الرشوة والاحتكار والابتزاز والاحتيال من الفساد الأخلاقي والاقتصادي، والمحاباة في إدارة شئون الناس والتمييز بينهم في المعاملة، وتبديد المال العام وانعدام الرقابة أو التراخي فيها، واستغلال الوظيفة لتحصيل مكاسب شخصيةٍ كل ذلك ومثله يعد من الفساد المشمول للنهي الوارد على لسان شعيبٍ (ع): «ولا تفسدوا في الأرض».

وتابع «أما الدعوة إلى الإيفاء بحقوق الناس وعدم الانتقاص منها فمستفاد من قوله: «ولا تبخسوا الناس أشياءهم» فالنهي عن بخس الناس أشياءهم نهي عن انتقاصهم حقوقهم فضلاً عن حرمانهم منها أو من بعضها».

وخلص صنقور إلى أن «العدالة الاجتماعية، ونبذ الفساد، والدعوة إلى الوفاء والرعاية لحقوق الناس، والنهي عن بخسها وانتقاصها هي منظومة القيم التي عمل شعيب (ع) على إرسائها في مجتمعه، والواضح من هذه القيم أن منها ما يتصل بالإصلاح الاقتصادي، ومنها ما يتصل بالإصلاح السياسي، وذلك ما يعبر عن أن الدعوة للإصلاح الاقتصادي والسياسي هي من صلب عمل الأنبياء، فلا يقال إن الدين وحملة الدين لا شأن لهم بالإصلاح السياسي والاقتصادي، والذي يهمنا في المقام هو الوقوف على الكيفية التي قابل بها قوم شعيبٍ دعوته، فقد اتهموه أولاً في نيته وأن له غاياتٍ تكمن وراء دعوته تلك التي يسميها بالإصلاح، ويعبر عن ذلك تصديه للدفاع عن نفسه وأنه لا ينوي ولا يقصد من دعوته إياهم مناكفتهم والشقاق عليهم والخلاف لهم، وكل قصده يتمحض في الدعوة إلى الإصلاح الذي أزمع أن يتحرى له غاية جهده: «وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب» فتلك هي غايتي، وليس من شيءٍ أستند إليه وأتوكل عليه وأرجوه لفلاح سعيي سوى توفيق الله تعالى ومعونته».

وتساءل صنقور: «هل حظي منهم بتصديقٍ أو تقديرٍ أو مراجعةٍ لمؤدى ما يدعو إليه؟»، مجيباً «لم يحظَ بشيءٍ من ذلك، بل كان حظه منهم التهكم والازدراء، واتهامه في عقله «قالوا إنما أنت من المسحرين» أي اتهموه بمس في عقله وأن ثمة من سحره وعبث بعقله فدفعه إلى أن يدعو إلى ما يسميه بالإصلاح، ثم تجاوزوا ذلك فاتهموه بالكذب في مقاصده وما يدعيه من الحرص على صلاحهم أو أنهم اتهموه في صدق ما يعدهم به من نقمات الله تعالى قالوا: «وإن نظنك لمن الكاذبين» ثم كشفوا له عن منشأ إعراضهم عن نصحه، فهم لا يحفلون بنصائحه لأنه ضعيف بينهم «قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيزٍ».

وأضاف «هكذا قابلوا دعوات الإصلاح بالإعراض والتشكيك في النوايا والازدراء والتهكم والاستضعاف والتهديد، لكن ذلك لم يثنه ولم ينل من عزيمته، فخشي المنتفعون من الوضع السائد من أن تلقى دعوات شعيبٍ الإصلاحية قبولاً ولو بعد حينٍ، لذلك تصدوا للتشويش على دعوته والتشويه لها والتحريض عليها بدعوى أن القبول بما جاء به شعيب يفضي إلى الخسران وليس إلى الصلاح كما يدعي، قالوا: «لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذا لخاسرون» فحذروا من الإصغاء إلى شعيبٍ، وغلفوا تحذيرهم بما يظهر منه الإشفاق على مجتمعهم وكبرائهم من أن يقعوا في الخسران، وهم يدركون أنه لو كان ثمة خسران من الاستجابة لدعوات شعيبٍ فهو عليهم دون مجتمعهم، فدعوات الإصلاح تحمي كيان مجتمعهم من الاضطراب والضعف، ودعوات الإصلاح تفضي إلى استقرار مجتمعهم ونموه وتماسكه، ودعوات الإصلاح تمنحهم الفضيلة والنبل، لكنها تسلب المتملقين امتيازاتهم، وذلك هو ما يدفعهم إلى التظاهر بالخشية والإشفاق على مصالح مجتمعهم العامة، وهم في الواقع إنما يخشون على مصالحهم الشخصية، فذلك هو ما يغري بهم إلى التحريض على دعوات شعيبٍ، وهم بذلك يكونون قد فوتوا على مجتمعهم الخير كل الخير الذي حرص شعيب على إرسائه فيهم يقول الله تعالى: «الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين» فالخاسر هو من يعرض عن دعوات الإصلاح، والخاسر هو من يحول دون الاستجابة لدعوات الإصلاح، ولهذا خاطب شعيب قومه ناصحاً لهم بأن لا تحملهم الخصومة على الغفلة عن صلاح ما يدعوهم إليه فيصيبهم بذلك ما قضته سنن الله تعالى في عباده حين أعرضوا عن معالم دينه، يقول الله تعالى على لسان شعيبٍ (ع): «ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوحٍ أو قوم هودٍ أو قوم صالحٍ وما قوم لوطٍ منكم ببعيدٍ»، لكنهم لم يحفلوا بتحذيره بل لم يقبلوا منه الاستمرار بتصديع رؤوسهم بمواعظه، فهل كان عليه أن يسكت فيقنعوا؟، يظهر من الآيات أن سكوته وحده لا يقنعهم حتى يخوض فيما يخوضون فيه، حينذاك سيكون مرضياً عندهم وإلا فهو مسخوط عليه يستحق وأتباعه الطرد أو الإقصاء، قالوا: «لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا» فلن تكون مرضياً عندنا معافى من سخطنا حتى تخوض فيما نخوض، وترضى بما نرضاه لك».

العدد 4942 - الجمعة 18 مارس 2016م الموافق 09 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:13 ص

      مقاربة جميلة جدا

      جميل جدا الاستشهاد بقصص القران الكريم للمطالبة بالاصلاح ولكن توظيفها من اجل خدمة توجهات سياسية معينة سيجلب على الاقل التحفظ

اقرأ ايضاً