العدد 4943 - السبت 19 مارس 2016م الموافق 10 جمادى الآخرة 1437هـ

مريضة الوهم!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تذكرت مسرحية موليير «مريض الوهم» وأنا أقرأ تعليقات الجمهور على خبر إيقاف برنامج «الملكة»، على وسائل التواصل الاجتماعي.

المال الوفير، مثله مثل الفراغ، يمهّد الأرضية لتقبل وانتشار مثل هذه البرامج التي يُنتج أغلبها في دولنا الخليجية. والملاحظ أن أغلبها برامج مقلّدة، وليس فيها أي إضافة أو تجديد أو إبداع. حتى برنامج «من سيربح المليون»، الذي حظي بمتابعة جماهيرية كبيرة، اكتشفنا أنه كان نسخةً مقلّدةً عن برامج أخرى، هذا غير برامج «الأخ الأكبر» و»الخاسر الأكبر»، و»الموهوبين»، التي نقلّدها حرفياً، وأحياناً نعجز حتى عن ترجمة عناوينها فنبقيها بأسمائها الأجنبية! فنحن لسنا أمةً مستهلكةً فقط، وإنما نتطفل حتى على برامج الآخرين وإبداعاتهم، ولا نفكّر حتى بإضافة ولو جزء يسير من التغيير!

إيقاف برنامج «الملكة»، استفز شريحةً واسعةً من الجمهور، ولم يمض يوم واحد على إذاعة الحلقة الأولى حتى عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات الآلاف من التعليقات الساخطة. وأهم ما في هذه الانتقادات، تركيزها على جانب الكرامة الإنسانية، التي استباحتها «فنانةٌ» كانت مغمورةً قبل سنوات، أخذت تتدرّج في هذا الطريق حتى أصبح لها أتباع وعشاق، من الجيل الجديد، مستعد بعضهم كما رأينا، إلى اقتراف أي شيء في سبيل الوصول إليها، حتى الخيانة.

هذا الاعتراف الذي صدم الكثيرين، إلى جانب إظهار الضعة والتذلل لـ»الملكة» الموهومة، ونوبات البكاء عند قدميها، أثار مشاعر الاستياء والتقزّز لدى جمهور عريض. فالإنسان أينما كان، لا يقبل بفطرته السليمة، أن يكون عبداً ذليلاً، لا شخصية له ولا كيان، وهو ما اعتبره بعضهم نوعاً من «العبودية» الجديدة. إنه «رقٌّ» حديث، مع فارق أن ضحايا الرق القدماء كانوا يرفضونه، أما «الرقّ» الجديد فيتقمّصونه طواعيةً، وعن طيب خاطر، ويذهبون كالزواحف على ركبهم طمعاً في عطاء أو نظرةٍ من شخصية مضطربة نفسياً، بلغت بها النرجسية وتضخّم الذات، أن تخاطب هؤلاء الأغرار ليكيلوا لها المديح وكلمات الغزل لإرضاء غرورها.

إنصافاً، حالة الافتتان بالنجوم أو أشباه النجوم، الحقيقيين أو المزيّفين، ليست مختصةً بهذا الجيل، ففي السبعينيات، أقدم شبابٌ وشاباتٌ على الانتحار بعد وفاة بعض «عمالقة الفن العربي»، مثل «معبود الجماهير» عبدالحليم حافظ حسب توصيفات إعلام تلك الفترة، ونشرت بعض الصحف حينها أخبارهم بكثيرٍ من المباهاة! وكما قال المعري:

في كلّ جيلٍ أباطيلٌ يُدان بها... فهل تفرّدَ يوماً بالهدى جيلُ؟

فيجب ألا نهوّل على هذا الجيل، فهم أبناؤنا، ونتاج مجتمعنا ومدارسنا وتربيتنا، وثمرة ثقافتنا التي تعلي من شأن المطربات والرقاصات، على حساب المفكّرين والعلماء والمبدعين. فأجر راقصةٍ في ليلةٍ بأحد الملاهي، أعلى من مردود روايةٍ سهر نجيب محفوظ على كتابتها شهوراً.

البعض يرجع إيقاف هذا البرنامج السطحي المسيء، إلى «عقرة» و»غيرة» نساء نافذات، وليس لاعتراض الجمهور، الذي ليس لرأيه وزن في منطقتنا العربية. لكن الأمر يبدو أكبر من ذلك، فهناك حدٌّ للتحمل عند الناس، فبعد تجاوز هذا الحد تنكسر قدرتهم على التحمل، ويتحوّل الأمر إلى صراخ. وهو ما يفسر هذا الغضب العام، احتراماً لمشاعر الناس، التي تصبر على السخافات والتجاوزات كثيراً، ثم تنفجر أخيراً. إنها غضبةٌ من أجل كرامة المشاهد وإنسانيته، وما نشأ عليه من حبٍّ للتواضع والمتواضعين، ونفورٍ من المغرورين والمتكبرين.

ليس هذا هو البرنامج السطحي الوحيد، فما أكثر ما أنتجته ثقافتنا الراهنة، ومهّدنا لها طرق الانتشار والرواج بأموالنا، دولاً وشعوباً، ونخباً ومثقفين. فهذه بضاعتنا الكاسدة الفاسدة... رُدّت إلينا.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4943 - السبت 19 مارس 2016م الموافق 10 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 11:13 ص

      أشفق عليها..

      حققت الشهرة وبالأمس كانت...،فلم تكتفِ،لاحقت الأموال،فهطلت عليها المجوهرات والنفائس والأزياء،أعطيت القصور وكثير من الخدم،وأسطول من السيارات،وربما أهديت طائرة خاصة،فلم تكتفِ.
      لم تقتنع بشكلها،فقامت بمجموعة من العمليات التجميلية ....
      ثم أصرّت بأنها صارت ملكةً، والحق يقال أنها فعلاً عاشت حياة ملكية،فقد إمتلكت كل شئ،لكن الكارثة أنها لم تصدق!فعوضت ذلك بأن أجبرت المشتركين،وربما القناة،بأن ينصبوها (ملكة) !

    • زائر 14 | 9:13 ص

      السراب والميراج بالفرنسي!
      فما أكثر العباد إن أعددتهم في المساجد ولكن كثرتهم لا تعني أنهم عباد ومن عباد الله. فمن عباد الله إبليس ومن عباد الله أيضان عباد الله الصالحين ... فالوهن كما الوهن في بيت الكنكبوت أي المصيدة أو الشرنقة.
      فهل الشبكة الكنكبوتية اليوم بيت من بيوت العناكب؟؟؟

    • زائر 12 | 6:54 ص

      برامج سطحية تخدر الشباب وللأسف. ملايين تضيع على هالبرامج

    • زائر 10 | 4:11 ص

      مرضى نفسيين وعقد نقص ويبرزونهم كفنانين وعباقرة.

    • زائر 9 | 4:03 ص

      ما اكثر هذه البرامج المسيئة والسطحية. وليس هذا هو البرنامج السطحي الوحيد، فما أكثر ما أنتجته ثقافتنا الراهنة، ومهّدنا لها طرق الانتشار والرواج بأموالنا، دولاً وشعوباً، ونخباً ومثقفين. فهذه بضاعتنا الكاسدة الفاسدة... رُدّت إلينا.

    • زائر 8 | 2:46 ص

      مقال بالصميم،، طفح الكيل من هالشخصية المهزوزة والمضطربة..ولا نريد مشاهدة تفاهاتها وتفاهات محبينها..مو ناقصين برامج مسخرة وقلة ادب وانحطاط حتى يزيدونا هذا البرنامج المنحط

    • زائر 7 | 2:11 ص

      نقص بني البشر يحاولون تغطيته من خلال امور لكنها لا تفلح فسرعان ما ينكشف الغطاء وما بني على باطل فهو زهوق لا يصمد

    • زائر 6 | 12:55 ص

      تخريب عقول الشعوب غاية وخطّة مدروسة لتخريج شعوب يمكن التلاعب بمقدراتها وثرواتها وهي تساهم في ذلك دون ان تعي أنها اصبحت أداة تدمّر نفسها بيدها.
      الإعلام يتلاعب بعقول الناس لكي يجعل حالهم أسوأ من البهائم ولكي يصبحوا شعوبا همّها علفها ، لا قيم لديها ولا همّ لديها .

    • زائر 5 | 12:49 ص

      موضوع تضخيم الفنانين الترفيهين مؤامرة خطط لها في امريكا بعد الحرب العالمية الاولي بهدف تغيير وجهة العامة عن الأمور الجدية و التي و بصورة طبيعية كانت تؤدي الي التدخل في السياسة. اما ان تقوم مطربة فاقدة للثقافة بتقديم برنامج ؛ فلا عتب عليها. لان الانسان يطغي ان إستغني. العتب علي الصحافة التي توجه الجمهور نحو الابتذال. اليوم خبر الشاب الذي زرع الزهور و عملها مورد دخل و عمل هزني في العمق. هو النجم الذي بعمله و تقليده بواسطة الشباب يمكن ان يغير حياة الكثيرين. مليون اغنية و رقص لا ينتج لقمة.

    • زائر 3 | 12:19 ص

      ما تكبر متكبر إلا لتغطية نقص ؛؛؛

      مرض نفسي ، عقده شخصيه ، نقص من ماضي مؤلم.

    • زائر 2 | 12:10 ص

      هذه كانت وسوسة الشيطان اللعين لأبينا آدم

      قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملْكٍ لا يبلى

    • زائر 1 | 11:17 م

      المحيطون بهذه المراة والمستفيدون من فلوسها وطول الوقت يمجدونها لم ينصحوها في اختياراتها يأكلون من فلوسها وخلاص ولو وجدت احدا مخلصا ممن حولها لما فعلت ما فعلت ولاخذت بنصيحته ولكن الفلوس اذا نزلت فجأه تغير حال بعض الناس الى الجنون والنفخة الكذابة وعلى الرغم من السقوط المدوي لها لا زالت تقول انا الملكة مسكينة تبغي تصير ملكة بالغصب

اقرأ ايضاً