العدد 4958 - الأحد 03 أبريل 2016م الموافق 25 جمادى الآخرة 1437هـ

علاج الزكام لا يُداوي السرطان يا ساسة العراق!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نسمع كثيراً عن مرض السرطان، وحين نريد أن نُحدّد هويته فإنه وبالإجمال مرضٌ يُصيب خلايا الجسم. كيف؟ تبدأ المشكلة من هنا: يُنتِجُ الجسم خلايا جديدة دون توقف كي تحل محل الخلايا الميّتة أو المتضرّرة نتيجة الإصابات والجروح، بالإضافة إلى دورها (أي الخلايا) في نمو جسد الإنسان. تلك الخلايا وخطوات نشوئها وعملها قائمة على شيء اسمه الجينات.

هذه الجينات حين تتلف خلال مرحلة من مراحل العمر يؤدي إلى ظهور السرطان. وعندما يظهر هذا المرض الخطير نتيجة تلف الجينات، تبدأ الخلايا في النمو والتكاثر بشكل عشوائي وعلى غير ما اعتاد عليه الجسم الطبيعي. وعندما تبدأ الخلايا في النمو بذلك الشكل، تقوم بتكوين كتلةٍ تُسمّى الورم. إذاً فمرض السرطان يضرب العملية الأساس في الجسم، هذا ما يقوله العلماء.

بدأتُ بتلك المقدمة، كي أقتبس منها نتيجة وأنا أتحدث عن شأن سياسي «عراقي». مضى الآن 4746 يوماً على سقوط العاصمة بغداد في يد الأميركيين ومن خلفهم المعارضة العراقية (حينها)، والمستقبل متوقف في ذلك البلد، وكأن عقارب الساعة قد غاصت في وحل الزمن. مستقبلُ كل شيء: السياسة والجيش والثقافة والاجتماع والاقتصاد والفرح والألم وكافة مفردات الحياة.

في الأسابيع الماضية، شهِدَ العراق أزمةً سياسيةً اضطرت رئيس الوزراء حيدر لِعْبَادِي (كما يُنطَق في العراق) لأن يُقدِّم للبرلمان حكومةً وُصِفَت بـ«التكنوقراط». البعض اعتبرَ ذلك فرصةً جيدةً للخلاص من الطائفية والفساد وغيرها من مشاكل البلد. وهو «مأمول» لا أعتقد أن مثل هذه الخطوة قادرة على تحقيقه لهذا البلد الممزّق في مجتمَعَيْه السياسي والديني بشكل لا سابق له.

لستُ متشائماً كَوْن موقفي من العراق كان كذلك منذ اثني عشر عاماً؛ بل لأن الواقع يقول ذلك. فهذه الوصفة الدوائية التي قدّمها لِعْبَادِي لمشكلة العراق لا تتناسب وعِلَّته، فجينات الدولة العراقية ومجتمعها السياسي هي المشكلة والدّاء الذي يجب أن يُعالَج كي يطيب البلد من مرض السرطان المبتلَى به. أما معالجة قرحة هنا، أو نزفٍ هناك، أو تطبّب من حمى آنيّة فلن ينفع أبداً.

هنا يأتي السؤال: ما هي جينات الدولة العراقية التي ضربها السرطان والتي تحتاج لمعالجة؟ إنها باختصار شديد: كافة الصور السياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي نَتَجَت عن التدخل الأميركي في العراق بعد التاسع من أبريل/ نيسان 2003، وتشكّلت من خلالها الدولة في العراق والمستمرة لغاية اليوم. هذا هو الإجمال الذي يُلخِّص حقيقة المشكلة.

أما التفصيل (وهو الأهم) فيجب أن نتحدّث عنه بصراحةٍ لا مجاملة فيها. وعلى الأخوة العراقيين ألاَّ يعتقدوا بأن مَنْ يقول لهم مثل هذا القول هو ضدهم، ومتآمر عليهم. بالعكس، فقلوبنا تتفطّر ونحن نشاهد الإرهاب الأسوَد يضرب في أسواق بغداد ونينوى، ومساجد وكنائس وحسينيات العراق، وندينه.

من هنا أضع الملاحظات التالية التي أرى أن إصلاحها هو الكفيل بإنهاء جزء كبير من مشاكل العراق:

سياسياً: من التبسيط أن يُقال بأن هناك طبقة سياسية حاكمة في العراق يجب أن تتبدّل كي تُصلَح الأمور وتعتدل. المسألة أكبر من ذلك بكثير. إنها تتعلق بتركيبة العملية السياسية القائمة وهويتها. لذلك، فالمعالجة الحقيقية والسليمة تقوم على إنشاء جمعية تأسيسية يشترك فيها جميع العراقيين، وظيفتها صياغة دستور وقانون انتخاب جديديْن. هذا هو الجِيْن السياسي الذي يجب أن يُعالَج كي يموت جانب من الورم.

عسكرياً: إعادة هيكلة الجيش العراقي من رأسه إلى أخمص قدميه. وأول إجرائين ضروريَيْن هما: إبعاد ضباط الدَّمج المرتبطين بالأحزاب السياسية والدينية، والثاني إنتاج عقيدة عسكرية جديدة قائمة على إبعاد الشعارات الدينية وراياتها عن ثكنات الجيش، وتفكيك أي نَفَس طائفي فيها، وجعلها عقيدة مُحكَمة، أساسها الوطن والولاء اللامشروط للحكومة المدنية في بغداد، وإيجاد وحدة متماسكة في القيادة، دون ولاءات خارجية أو موازية، فضلاً عن حصر القوة بمؤسسة الجيش.

ثقافياً: إعادة ضبط الخطاب الديني في العراق والحدّ من مظاهره الفاقعة التي حوَّلته إلى أشبه ما يكون بالتجمّع الصاخب، الذي لا يُسمَع في العراق إلاّ صوته، ولا يُرى في العراق إلاّ صورته، وإزاحة كافة الترميزات الطائفية التي جعلت العراقي يُدمن عليها في الشوارع والمؤسسات، ثم إعادة إحياء الخطاب العام القائم على ما يتخطى تقسيمات العراق الطائفية، عبر العودة إلى مسمّيات بابل وسومر، والهدف هو إعادة الشعور للعراقيين بحضارتهم بدل الانشغال بخلافات دينية وطائفية.

اجتماعياً: مواجهة شعور العراقي بالعزلة الاجتماعية المتأسسة على النقاء الطائفي والعرقي والسياسي في المدن والمحافظات، وجعله قادراً على العيش بحجمه كعراقي وليس كشيعي أو سُني أو كردي أو مسيحي أو صابئي، في أي بقعة عراقية أراد فيها العيش أو العمل أو الممارسة السياسية. وفي نفس الوقت معالجة الظلامات التي حصلت بحق أي عراقي (قتل/ سجن/ تهجير/ اجتثاث إلخ)، عبر تعويضات مجزية من ميزانية الدولة، منذ بداية الاحتلال ولغاية الآن، وإعادة الأسر والأفراد الذين تركوا العراق طيلة السنين الماضية والذين لم تستطع هذه الدولة أن تحتضنهم.

اقتصادياً: تشريع محاسبة الفاسدين أنّى علا مركزهم وذواتهم وانتماءاتهم السياسية، وتطبيقه بشكل صارم. فـ 768 مليار دولار في أربعة أعوام يجب أن يُعلَم أين صُرِفَت وعلى يد مَنْ. يجب أن تُحضَر كافة الكشوف العراقية والأميركية لفهم ضياع 60 مليار دولار! هذه أموال أخرجتها أرض العراق الغنية بالثروات. حتماً إن إجراءً مثل هذا قادرٌ على إعادة الثقة بالدولة العراقية من جديد. أما بغير ذلك، فلا أعتقد شخصياً أن العراق بقادرٍ على معالجة وضعه.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4958 - الأحد 03 أبريل 2016م الموافق 25 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 28 | 6:40 ص

      الكلام سهل أستاذي

      أصلا من سيقوم بالإجراءات التي ذكرتها؟
      العبادي جاء للسلطة من رحم النظام الحالي وهو مقيد بالكتل التي أوصلته للحكم

    • زائر 27 | 5:35 ص

      الحل موجود

      والله الحل حق مشاكل العراق موجود بس هل عندم الجرأه حتي يقرون بهذا الشي ويجربونه ؟
      آنه متأكد 100% إنهم لو تنازلوا عن كبريائهم اشوي وطلبوا من جناب السيد الرئيس أحمدي نجاد يحكمهم ولو لفتره بسيطه إنه ررح يغيّر الحال في العراق الحبيبه الي الأحسن بشكل غير متصور.
      خلال ثلاثة أشهر راح يحل كل مشاكلهم الداخليه والخارجيه بالتمام وراح تشهد العراق نهضه ثقافيه وصناعيه توازي أو تفوق إيران ، وهو نفسه مهندس تطوير إيران العلمي والصناعي

    • زائر 26 | 4:54 ص

      أحسنت أستاذنه

      ولكن لا حياة لمن تنادي

    • زائر 24 | 4:17 ص

      الأحزاب المذهبية هي بلاء المنطقة

    • زائر 23 | 3:39 ص

      مقتبس من زائر خمسة : مقال كبير من شخص كاتب عمود وليس رئيس حزب او جماعة لها اجندتها الخاصة ..لقد شخص الكاتب المرض ووصف العلاج الصائب ولكن هل من مجيب .. ما يجري في العراق ماساة بل ومصيبة وان لم يتدارك ساسة وقادة العراق هذا الامر فعلي عراقهم السلام وجزأ الله الكاتب كل خير وقيل في الأثر الدين النصيحة

    • زائر 21 | 2:33 ص

      الطائفية هي التي مزقت العراق الأحزاب المدنية هي الجامع

    • زائر 20 | 2:29 ص

      زائر 17

      بالعكس ربط جدا قوي ،،، وبدليل الهارب طارق الهاشمي واسلحته وقتل من يريد ،، وبقية جراثيم البعث الفاسق ما زالوا في البرلمان يعطلون كل ما هو صالح للعراق أمثال حيدر الملا وظافر العاني وباقي الزمره.

    • زائر 18 | 1:55 ص

      في العادة لا اتفق مع الكاتب اغلب مقالاته و لكن اليوم انا معه ١٠٠٪‏ فهو.... يشخص المرض العراقي بشكلٍ دقيق الطائفية السياسية من الدستور الطائفي الى الجيش الطائفي الى البرلمان الطائفي. للأسف الردود اغلبها في وادي و الكاتب في وادي آخر اغلبهم يردد ما يقوله الساسه الفاسدون في العراق من ان الاٍرهاب هو سبب فشل العراق بينما الكاتب يُبين لنا بالمنطق ان السياسة الطائفية بعد ٢٠٠٣ هي سبب فشل العراق و تفشي الاٍرهاب

    • زائر 12 | 12:48 ص

      مشكلة العراق الكبرى هي في الحزبية المقيتة، والتي أفسدت قادة الأحزاب، وبعد أن كان لهم هدف مشترك في الاطاحة بحزب البعث، أصبح هدفهم الحالي لكل حزب هو احلال أحزابهم بدلا عن حزب البحث، وكلُ يتشاطر الموارد المالية والمنافع الاقتصادية والمناصب الرئاسية في صفقات سرية تعقد بينهم.
      كانت المشكلة سابقا هي حزب البحث، الآن تعقد الوضع واصبحت الأحزاب هي السرطان واللعنة التي حلت على العراق بطمعهم وجشعهم وتكالبهم على السلطة على حساب الشعب، وهذا هو داء السلطة الذي فل شملاً بعد لمه.

    • زائر 11 | 12:31 ص

      الى الاسف الدكتور صدام كان شاطر في التشخيص وما بعد اعدامه انتشر المرض الخبيث في جميل انحاء الجسم

    • زائر 10 | 12:27 ص

      كاتب أعتقد بأنه محنك لكن اليوم لم يذكر أهم نقطه في هذا السرطان

      عزيزي تناسيت أهم عله في العراق وهي (البرلمان العراقي )هو سبب بلاوي و مأساة العراق ،، برلمان محاصصي طائفي حاقد فاسد ، مليء بالدواعش والبعثيين المجرمين الذين لا هم لهم إلا تدمير العراق

    • زائر 14 زائر 10 | 1:09 ص

      عزيزي زائر 10 ..البرلمان العراقي في النهاية هو محصلة للصراع الموجود بين مختلف الكتل "سمها ما شئت" حزبية طائفية عنصرية الخ الخ

    • زائر 17 زائر 10 | 1:32 ص

      ربطك غير صحيح

      ما دخل الدواعش والتكفيريين والبعثيين بأحزاب العراق الدينية المريضة بدء بالمجلس الاعلى مروراً بالدعوة ومنظمة العمل والتيار الصدري ووووووو حتى آخر حزب وتيار

    • زائر 9 | 12:25 ص

      فعلا السرطان جاء بعد رجوع التكفريين من افغانستان من جبال تورا بوره الذين يعتقدون انهم فقط المسلمون واصحاب
      الجنة والفردوس والاخرين حطب جهنم ويوزعون صكوك الجنة والنار هنا بدا الخراب

    • زائر 8 | 12:20 ص

      العراق بحاجة لرجل شجاع يحسم أموره من دون مجاملة دول التحالف ومداراتها ومداراة مصالحها ومخططاتها والتي لا زالت تلعب على تفتيت العراق وتفجيره وقتل وسفك دماء شعبه.
      ما لم يصل لحكم العراق رجل قوي حازم شجاع نزيه صاحب تاريخ مشرّف وذمّة ماليّة نظيفة فلن يخرج من هذا المستنقع.
      ما أوصل العراق لهذا الحال سببان :
      النظام البائد والذي اهلك الحرث والنسل وخرّب النفوس
      ودول جوار صدّرت الارهاب لكل العالم فكان نصيب العراق نصيب الاسد

    • زائر 6 | 12:07 ص

      زائر واحد (شكرًا )

      أتفق مع زائر واحد وهو فصل الواقع تفصيل دقيق ، العراق أقوى بلد في العالم بالنظر الى ما مر وما يمر به من تحديات (مؤامرات وأرهاب وفتنة وحصار غير معلن) عندما ضرب الأرهاب بروكسل (وهو أرهاب يدغدغ الغرب فقط )بالنسبة لما يحصل من أرهاب للعراق ! حينها توقفت الحياة هناك وتم توقيف الرحلات والحياة هناك وأصبحت أوروبا تتباكى وأولهم فيدريكا موغريني ! أما في العراق الجريح فأطفاله يشعرون بالأمان أكثر من رجالات أوروبا وأطفال العراق برغم الأرهاب الذي يعيش بينهم فهم شامخون والعراق أقوى من ما تتصورون.

    • زائر 5 | 11:24 م

      مقال كبير من شخص كاتب عمود وليس رئيس حزب او جماعة لها اجندتها الخاصة ..لقد شخص الكاتب المرض ووصف العلاج الصائب ولكن هل من مجيب .. ما يجري في العراق ماساة بل ومصيبة وان لم يتدارك ساسة وقادة العراق هذا الامر فعلي عراقهم السلام وجزأ الله الكاتب كل خير وقيل في الأثر الدين النصيحة

    • زائر 4 | 11:18 م

      الاخ محمد السرطان من ايام القرامطه الي سرقوا الحجر الاسود وجابوه المنطقه الشرقيه ماله علاج مثل الايدز

    • زائر 7 زائر 4 | 12:15 ص

      حفظ الله العراق

      لا تتقدم امم ولا تتطور في ظل عدم وجود الامن والامان ٠٠٠ لقد فرضت علي معظم الحكومات العراقية المتعاقبة بعد ٢٠٠٣ بإشغالها بالارهابيين وفتح معظم الدول المجاوره بإرسال الانتحاريين اليها حتي يومنا هذا كل ذلك علي الهوية / كذلك توغل الفساد بأنواعه و تركه بدون معالجة فورية / اعتقد تلك اهم الاسباب التي أخرت العراق كي يكون قويا٠

    • زائر 16 زائر 4 | 1:29 ص

      أخطأت في قولك

      هذا منطق طائفي لا علاقة له بما جاء في المقال

    • زائر 3 | 11:03 م

      السرطان في العراق بداء سنه 2003 والسرطان الايراني في سنه 79 وامتد الي لبنان وصار مكب للنفايات بعد ان كان باريس الشرق

    • زائر 2 | 10:37 م

      عام

      العراق خلاص سبقه الوقت لوبعد مائة سنه ما اعتقد في حل كلامي موبس على العراق عموم الشعب العربي من المحيط الى الخليج على نفس الخط خط الفوضه الكل في الطريق

    • زائر 1 | 10:31 م

      العراق ياعزيزي

      قوي مهما كتبت عن ضعفه الاقلام لماذا لانه ببساطه مازال واقفا كالنخيل رغم الملايين التي تدفع للارهاب ورغم الفتن ورغم الاعلام الطائفي ورغم الازدراء بالملايين والمكون الاكبر من الشعب ووصفهم بابشع الصفات رغم الفقر والجهل الذي خلفتة الحقبة السوداء رغم مخلفات الديكتاتوريه والمقابر الجماعية رغم جريمة سبايكر والدماء التي فاضت على ماء الفرات مازال الشعب العراقي صابر صامد كريم مضياف صاحب ابتسامه وشعب حي عنده اراده للتغير ويعيش الامل في غد افضل

    • زائر 25 زائر 1 | 4:52 ص

      يا أخي بسّك عاد بس

      تري نشّفت دموعي ماني قادر امسك دموعي

اقرأ ايضاً