العدد 4963 - الجمعة 08 أبريل 2016م الموافق 30 جمادى الآخرة 1437هـ

علوي شبر... بارعٌ دخل القصور والقلاع والمتاحف بفنّ صناعة العريش والسجم والبرستج

صياد يركب البحر وهاوٍ يبني تاريخ وتراث البحرين الأصيل

سيدعلوي شبر خلال حديثه إلى «الوسط» عن المجسمات التي يصنعها - تصوير : محمد المخرق
سيدعلوي شبر خلال حديثه إلى «الوسط» عن المجسمات التي يصنعها - تصوير : محمد المخرق

كثيرون هم أصحاب الهوايات، غير أن متعتها تكون مميزةً حين تجتمع الهواية مع الحرفة والمهنة معاً، فالنتيجة لا محالة ستكون إبداعيةً، قد ظهر فيها الذوق والدقة والإبداع... هذا تماماً ما يتقنه سيدعلوي شبر علي، ذو العقد السادس من عمره، فهو بحارٌ صياد قضى عقوداً من عمره بين اليابسة والماء، إلا أن مشقة هذه المهنة لم تغنِه عن أن يكون مهندساً ورساماً وحرفيّاً تراثيّاً.

بين «السجم» و»العريش» و»البرستج»، والمسرح البانوش و»البادقير»، وأيضاً بين «السمه» و»الشداد»، أظهر سيدعلوي إبداعات البحريني من خلال خوص النخيل وجدعها، ومكنَّه ذلك من دخول القصور في البحرين وخارجها، فزيّن مجالس الكبار والأمراء، وجدد بعض الملامح التاريخية في القلاع والمتاحف، حتى لفت انتباه أصحاب الذوق من بلدان مجاورة ليشاركهم معارض تراثية وتاريخية مهمة.

مزاجه الصافي، ونفسه حين ترغب، هما الدفة التي تقوده لأي عمل سينتجه، فلا المال يهمه، ولا الوقت كذلك، فلا مشكلة لديه حين يستغرق ذلك أياماً أو أسابيع بل حتى أشهراً. «الوسط» التقت سيدعلوي شبر، وتحدث إليها عن سيرة حياته في صناعة السجم والعريش وغيرهما من المنتوجات التراثية التي تعتمد على جذوع النخيل وخوص سعفها. وفيما يأتي نص اللقاء:

لا أحد يعرفك إلا القريب منك، وأهل قريتك كرانة، فمن أنت؟ وكيف حصلت على هذه الحرفة والمهنة، وأنت تركب البحر لتصطاد السمك بالدرجة الأولى؟

- أنا سيدعلوي شبر علي، من مواليد قرية كرانة، وفي العقد السادس من عمري، أعمل كما كان والدي صياداً في البحر ليعيش هو وأسرته. أعمل في هوايتي إلى جانب عملي ببساطة وتواضع، وقد اكتسبت صناعة المجسمات القديمة التي تعتمد على مكونات النخلة من المرحوم والدي. هي هواية أكثر من أنها عمل، فالمزاج يحكمني، حين أرغب في القيام بأي مشروع صغير أو كبير فيها.

مزاجك هو حكم عملك، هذا يعني أنك غير ملتزم بهذا المجال، صحيح؟

- كما ذكرت، هي هوايتي، وأعمل خلالها من دون التزام بمال أو وقت محدد، ولطالما نفذت مشروعات كبيرة، مثل مسارح على هيئة سفينة (بانوش)، وعريش وسجم وبادقير وغيرها، بنفسي وخلال فترة محدودة، وأخرى خلال فترة طويلة، لكن النتيجة الدقيقة هي ما يلزمني في النهاية.

توليت تطوير دوار قرية كرانة الداخلي من خلال إنشاء مجسمات تقليدية تراثية، حدثنا عن ذلك؟

- بالفعل، بما أن هوايتي صناعة المجسمات القديمة التي أشرت إليها، وتزامناً مع بعض الاحتفالات والفعاليات الاجتماعية والدينية، قمت وأبنائي، وكذلك جمع من أهل القرية، بتطوير الدوار من خلال إنشاء المبنى المعروف سابقاً بـ «البادقير» الذي يستخدم للتهوية والإنارة في المنازل سابقاً، ولم يعد موجوداً حاليّاً بعد توافر وسائل التكييف وتغير حالة العمران، إلا أنه يبقى رمزاً لتراث البحرين، وشاهداً يدير العين مباشرة نحو تاريخها. والتزمت في هذا العمل بإيفاء أدق التفاصيل لهذا النوع من المجسمات التي تحاكي الحقيقة القديمة منها.

كما صنعت من الخشب وجذوع النخل والسعف وغيرها من المواد التقليدية، مجسماً كبيراً للسفينة القديمة (البانوش)، وزيناه بالمصابيح واللمسات الفنية بالألوان، وبذلك جعلنا مدخل القرية أكثر جماليةً ورتابة. ومع ذلك تولد اندفاع من نوع آخر لدى أبناء القرية الذين تولوا بناء المجسمات التي تعكس تاريخهم، مثل توليهم إنشاء نصب السمكة، وتركيب المصابيح وتشجير الدوار.

عملك كما هو واضح من خلال المجسمات دقيق للغاية، ألم يُفتح أمامك الباب للمشاركة في إنجاز مشروعات ومجسمات تقليدية في ميادين أخرى سواء عامة أو خاصة؟

- بالتأكيد، فقد شاركت في جملة من المعارض والأندية والمسابقات، كما عملت في متحف البحرين الوطني خلال سبعينات القرن الماضي حين عملت على تنفيذ منزل للغواص البحريني من مكونات النخلة، وكذلك مجسمات تسهم في تعزيز وإيضاح الصورة القديمة لعمارة وحياة البحرين. كما نفذت عدة أعمال منها إنشاء مسرح على هيئة سفينة (بانوش) لعرس جماعي في قرية كرانة بطول 35 قدما.

عملت في معرض عجائب الذهب قبل نحو 18 عاماً لصالح أحد كبار تجار المجوهرات آنذاك، إذ صممت له مركز عرض على هيئة عريش كلفه 400 دينار فقط، وكان ذلك في فندق المريديان سابقاً (الرتز كارلتون حاليّاً)، وربح حينها جائزة قيمتها كيلوغرام من الذهب الأصفر لأفضل منصة عرض، ثم شارك هذا التاجر بالعريش نفسه بعد أن فككته وأعدت تجميعه في معرض بالكويت، ثم في البحرين مرة أخرى.

معروف أن كبار الشخصيات يهتمون بمجالسهم وملاحق قصورهم ومنازلهم، بأن ينشئوا زاوية تراثية قديمة افتخاراً بالأصالة، وقد سمعنا أنك قمت بمشروعات في كثير من القصور والمنازل لكبار الشخصيات، حدثنا عن ذلك قليلاً؟

- بالفعل، عملت في منازل مسئولين وكبار الشخصيات والقادة في البحرين ودول خليجية أخرى مجاورة، وكان آخر مشروعاتي خلال العام 2015 بإنشاء «برزة» عند البحر لأمير قطر الحالي.

وما يدعوني إلى الفخر أنني نفذت مشروعات بنفسي لصالح قلعة البحرين، والمعروفة بقلعة البرتغال، حيث كانت تتضمن مجموعة من الزوايا التاريخية والأثرية التي تهالكت بسبب عوامل الجو، وتوليت تجديدها وإعادة تأهيلها. كما عملت في إنشاء «سجم» في بيت الجسرة خلال العام 2000 على ثلاث مراحل.

بعد كل هذا، مازلت من دون اهتمام بأن تطور عملك لتحقيق مدخول جيد لك عوضاً عن إرهاق البحر، ما هو نظرك في هذا الشأن؟

- لا تنسَ في البداية أن هذه هواية، وأنا بطبيعتي أحب أن أعمل في هذا المجال بحسب مزاجي ورغبتي بعيداً عن الالتزام. وفي كل الأحوال، قضى مني العمر، ومستعد للمشاركة في أي أعمال، وهدفي الرئيسي هو إحياء التراث من منطلق ما أستطيع إنجازه من مجسمات ومبان وصروح تقليدية باستخدام النخيل والحبال والخوص والأخشاب.

... لفتني سؤال، بعض الأعمال تحتاج إلى طاقة ومساعدة، هل بالفعل تعمل بمفردك؟

- الآن يعمل معي أبنائي، إذ أصبو لأن يتمكنوا جيداً مما أنا أقوم به، فلدي ابن اسمه سيدفيصل عمره نحو (40 عاماً)، يتعلم الحرفة حاليّاً وشاركني في الكثير من الأعمال، وكذلك اثنان آخران من أبنائي هما سيدجعفر وسيدهادي.

بالحديث عن هوايتك، ذكرت مجموعة من المسميات القديمة والتراثية، حبذا لو تعيد ذكرها وشرحها؟

- لدينا السجم، صرح يتكون من أعمدة مصدرها سيقان الأشجار أو جذوع النخل، ومن سياج مصنوع من جريد النخل والحبل بارتفاع متر ونصف. والعريش هو غرفة مكونة بالكامل من سعف النخيل. والسمة هي خوص النخيل المصفوفة أو المحبوكة جنباً إلى جنب، والبادقير هو المبنى الذي يستخدم للتهوية في المنازل القديمة إذ توجد فيه فتحات عليا تسمح بدخول الهواء للمنزل، والشداد هو الحبل الذي يجمع سور السجم والعريش المكون من الخوص، والبرستج هو الغرفة أو المنزل الصغير الذي يصنع من جدول الأشجار والنخيل والسعف.

قصتك بسيطة على رغم أن مخرجاتها كبيرة بالنسبة إلى التراث الذي فقدنا كثيرا منه بفعل متغيرات الحياة اليومية، ولا توجد لدينا أسئلة أخرى، بماذا تود أن تختم؟

- بيننا الكثير من أصحاب المواهب الذين يحتاجون إلى دعم وتشجيع ولو بكلمة فقط، ونحن في أمسّ الحاجة اليوم إلى الحفاظ على ما تبقى من هويتنا التاريخية والتراثية، وأن نوفر للأجيال المستقبلية من أبنائنا وأحفادنا نبذة نظرية وعملية عن تاريخ البحرين الأصيل وما كان يستطيع أن يصنع أهلها. علماً بأن مثل هذه الأعمال تضاهي عمارة وهندسة وابتكارات العالم المتطور الآن، وأنا على ثقة بأن هناك مواهب وقدرات محلية قادرة على أن تقدم كل ما هو متميز.

العدد 4963 - الجمعة 08 أبريل 2016م الموافق 30 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 10:45 ص

      مبدع يابن العمه

    • زائر 2 | 8:38 ص

      رائع جدا

      اعمال حرفية رائعة جدا من أيادي حرفية مهارة شكرا على النشر والسرد الجميل حول هذه الاعمال الزاهية

    • زائر 1 | 2:17 ص

      الله يعطيك العافية سيدنا
      فعلا انت مبدع في ابداعاتك وفي اخلاقك
      نتمنى لك التوفيق

اقرأ ايضاً