العدد 4965 - الأحد 10 أبريل 2016م الموافق 03 رجب 1437هـ

الأساطير والحكايات الشعبية المرتبطة بمخلوقات البحر في البحرين

«الثقافة الشعبية» في عددها الثالث والثلاثين...

تحضر الأسطورة لتشبع نهم العقل. أن يشبع الإنسان جوعه المعرفي. يُعمِل خياله كي يطمئن إلى أنه ليس في مهب القلق والبحث عن الإجابة. من هذا المدخل تأتي الدراسة التحليلية للباحث والكاتب البحريني حسين محمد حسين، التي حملت عنوان «الأساطير والحكايات الشعبية المرتبطة بمخلوقات البحر في البحرين»، التي يتتبَّع من خلالها عدداً من المخلوقات البحرية، وما نُسج حولها من أساطير وقصص، قرَّت في الوعي الجمعي، وبالضرورة جلُّها على مبعدة من التفسير الحقيقي لبعض تلك المخلوقات والظواهر المرتبطة بها.

قسَّم الباحث الأساطير والحكايات إلى ثلاثة أقسام، بحسب ما جاء في مُستهلِّ دراسته، الأول: حول المخلوقات الأسطورية البحرية، والثاني يتناول الأساطير والحكايات الشعبية المرتبطة بالأسماك، أما القسم الثالث فخصصه لنقاش أسطورة حديثة نسبياً، ترتبط بالمحَّار العملاق.

في ما هو متعارف عليه بين الباحثين تظل المخلوقات الأسطورية لا وجود لها «لأن وجودها يفتقد إلى الدليل الفيزيائي»، وتلك سمة عامة تشترك فيها المجتمعات البشرية، بغض النظر عن مدى تقدُّمها أو تخلُّفها؛ إذ هي في الأولى لا تتجاوز توظيفها في الأعمال الإبداعية التي تكاد تفتقدها مجتمعات بعينها بحكم انشغالها المستمر بتراكم المنجز المديني الذي يتحدد في الاكتشافات والمعارف والاختراعات، وكل ما له ارتباط بالمادي والمحسوس، فيتم اللجوء إلى التوظيف الأسطوري في الأعمال الإبداعية تعبيراً عن تفعيل وتنشيط المخيلة، وإن جاءت التوظيفات مغايرة تماماً بالإضافات التي تطرأ عليها، بحيث تتحول إلى أسطورة بحد ذاتها.

يرجعنا الباحث حسين محمد حسين إلى كتب التراث العربي، وهو يتناول المخلوقات الأسطورية البحرية، على رغم ورودها بأسماء مختلفة في مصادر التراث العربي، مثل بنات الماء وإنسان الماء «وفي التراث الفارسي ملك درياه»، ويقابلها في الثقافة الغربية فتاة البحر، ورجل البحر «وأصل هذه الأساطير كلها الأطوم والفقمة، وبالتحديد الفقمة الراهبة».

من فضاء الكتابات القصصية، تولَّدت «أساطير ثانوية» من الأساطير القديمة: عروس البحر، وحورية البحر.

أبودريا... إنسان الماء

من بين المخلوقات الأسطورية التي تتناولها دراسة حسين، أبودريا وإنسان الماء، والذي كانت العامة تعتقد بوجوده في البحرين والخليج العربي، مبيِّناً أن أصل الأسطورة له امتداد بمخلوق أسطوري في الفارسية يُعرف بـ «ملك دريا»؛ أي ملك البحر، وهو «كائن خرافي يعيش في البحر، قيل إنه يظهر على شكل إنسان مخيف الخلقة، يسمعون صياحه في البحر كأنه غريق فإذا أنقذوه أكل طعامهم وربما أتلف شيئاً في السفينة، ولذا فإنهم إذا ما عرفوا أنه أبودريا تصايحوا: هاتوا الجدُّوم والمنشار، فإذا سمعهم خاف وعاد إلى البحر».

ومن بين المخلوقات الأسطورية التي تستعرضها الدراسة الأطوم وأسطورة بنات الماء، وهو كائن بحري ينتمي إلى الثدييات. وفي ما سجَّلته كتب التراث عن بنات الماء، يستند الباحث إلى ما ورد في كتاب «عجايب الهند بره وبحره وجزائره»، لبزرك بن شهريار الرامهرمزي، في تبيان جوانب من هيئة المخلوق بوجهه وجسمه الآدمي بيدين ورجلين (...).

وينتقل الباحث إلى تناول الأساطير والحكايات الشعبية المرتبطة بالأسماك، وأكثر الشرائح التي ترتبط بهذا النوع من الأساطير والحكايات هم الصيادون التي ينسجونها بعد مشاهدتهم لظاهرة يعجزون عن تفسيرها فيبدأ الخيال يلعب دوره سواء على مستوى التفسير أو مستوى تضمينها لعدد من الأمثال الشعبية. من بين تلك الأساطير سمك موسى، أو «خوفعة وأرزجه أو أرزيه وهي من الأسماك المفلطحة، ولها عينان تكونان على جهة واحدة؛ إذ «زعمت العامة في البحرين إنه لما ضرب نبي الله موسى عليه السلام البحر بعصاه فانشق، قُطعت هذه السمكة إلى نصفين»، ويرى الباحث بحسب المصادر التي استند إليها، أن هذا الاعتقاد سائد في الإمارات والأردن ودول عربية أخرى.

وهنالك أسطورة عصب الكنعد ويبدأ تناولها بالروايات الشفهية التي سمعها من أحد الصيادين ومفادها «أن سمك الكنعد به عصب (أي أعصاب) فإذا اقترب من الشبك لا يستطيع الرجوع إلى الخلف، وما أن تلامس مقدمة رأسه الشبك يقوم الكنعد بقتل نفسه»، ومما قيل أيضاً اعتداد أسماك الكنعد بنفسها، معتقدة أنها عصيٌّة على الصيد بسهولة، وحين يتم صيدها تموت قهراً!، ويقدم الباحث حسين تفسيراً في هذا الشأن ملخصه أن أسماك الكنعد يتوجب عليها أن تسبح باستمرار كي تتمكَّن من تحصيل الأوكسجين الذائب في الماء، وفي حال توقفت عن السباحة بسبب وقوعها في الشبك، فإن تدفق الأوكسجين يتوقف هو الآخر؛ ما يؤدي إلى اختناق هذه النوعية من الأسماك.

أسطورة قشور سمك الصافي

يقدم الباحث نبذة لأصل التسمية الثابتة في عدد من معاجم اللغة، وشواهد من نصوص شعرية ذكرت سمك الصافي بالاسم، ويشير الباحث إلى ما ذكره محمد علي الناصري في كتابه «من تراث البحرين»، من أنه سمي بالصافي لأنه لا يكدِّر صفوه شيء كغيره فليس عليه سفط (قشور)، ولا شوك ولا جلد سميك. ومما يتداوله العامة عن هذا السمك، هو أن سمك الصافي يغضب عندما يتم صيده فيلقي فلسه في الماء قبل إخراجه».

وتتضمن الدراسة حكاية شوك «الجواف» و «الحف»، والأمثال الشعبية التي ارتبطت بهما. وعن سبب تسميته الجواف، يعود الباحث حسين إلى الناصري في الكتاب نفسه، لكون الشوك يملأ جوفه، وخاصة في الظهر وقرب الرأس. أما الحف ففضية اللون تعلوها زرقة ولحمها كثير العظام. ويورد الباحث بعضاً من الأمثال الشعبية القديمة المرتبطة بهذه النوعية من الأسماك، ومنها «لايمو للحف سلة يا بنات الكنعدة».

ويختم الباحث دراسته بأسطورة المحار العملاق القاتل، وهذا النوع من المحار مرتبط بأساطير شرق آسيا وصُوِّر «على أنه وحش ضخم»، عاطفاً ذلك بتوظيف المحار القاتل في عدد من الأفلام.

ملاحظات مسامح على «معجم الألفاظ»

الباحث البحريني عبدالرحمن مسامح، استعرض وراجع كتاب الباحث والموسيقي محمد أحمد جمال «معجم الألفاظ والتعابير الشعبية» الذي جاء في 482 صفحة، مُتتبِّعاً فيه أصول بعض المفردات التي وردت في الأمثال الشعبية وغيرها، إلى اللغة العربية. المعجم لم يكتفِ بتتبُّع المفردات وأصولها العربية، من حيث المطالعة باللغة الأم؛ بل شمل ذلك اللغات: الهندية والفارسية والتركية والإنجليزية. وعلى رغم إشادة مسامح بالكتاب، مورداً جوانب من أهميته، لم يحل ذلك دون تسجيل عدد من الملاحظات ستأتي في ثنايا استعراض الورقة.

الباحث جمال له جهود أيضاً في ضبط عدد من الفنون والألعاب والرقصات الشعبية التي تحضر بشكل كبير من خلال الأهازيج المرتبطة بها.

ويرى مسامح أن تخصص محمد جمال في مجال الموسيقى واهتمامه الكبير به، نفعه في هذا المجال، منوهاً إلى أهمية برنامجه الإذاعي الذي حمل الكتاب عنوانه.

مشيراً إلى أن الكتاب يبحث جانباً من ظواهر اللهجة البحرينية، وبعض الرموز والاصطلاحات اللغوية واستعمالاتها. كما يحوي بحثاً عن لغة الأطفال، وشرحاً لبعض الألعاب الشعبية، وجانباً من الحِرَف والمهن، وأسماء الأمراض والظواهر الصحية.

يتناول الفصل الثاني من الكتاب مصطلحات الغوص والبحر، مع دراسة للتعابير والأمثال البحرية، وأسماء الرياح ومواسم الفصول، والأسماء والكائنات البحرية. كما يدرس أسماء السفن الخشبية التقليدية في البحرين.

مراجعة مسامح قدَّمت 6 ملاحظات على الكتاب، علاوة على ملاحظتين هي ضمن الإشادة بالجهد المبذول في المعجم نوجزها في الآتي:

1 - مسألة (التقعيد) المبسطة فيما يتعلق برسم ونطق الأسماء، المفرد منها والمثنَّى والجمع، وكذلك رسم ونطق الأفعال وصيَغ تصغير الأسماء والغاية منها. ورأى مسامح أن ما اعتبره الباحث رموزاً، هي في الحقيقة أفعال ناقصة؛ على سبيل المثال (أح) فهو اسم فعل ناقص بمعنى أتوجَّع، قياساً لاسم الفعل «صه» في اللغة العربية والتي تعني اسكت أو اصمت.

2 - جاء فصل الأمراض تلخيصاً مخلَّاً لموضوع كبير ومهم في مجال الطب الشعبي التقليدي والتداوي بالأعشاب. ورأى أن الباحث كان قادراً على التفصيل فيه أكثر، وأن يتطرق إلى ذكر عدد من الأطباء والمعالجين الشعبيين المشهورين في البحرين قديماً وحديثاً.

3 - الكتاب تنقصه الهوامش التي كان ينبغي أن تُدوَّن بأسفل صفحات المتن.

4 - لم يأخذ موضوع الألعاب الشعبية حظه من اهتمام المؤلف، فكان الأوْلى به أن يخصص باباً من كتابه أو فصلاً .

5 - كان من الممكن تعزيز الكتاب بعدد من الصور واللوحات - وهو ما لم يحدث - لتبيان وتوضيح بعض الأسماء والألفاظ والتعابير الشعبية.

6 - فيما يتعلق بالمثل الشعبي، كان من الأجدر بالباحث أن يخصص له باباً خاصاً به، ويأتي على ترتيب الأمثال على النحو الآتي: أقوال الحكمة فالأمثال العربية الفصيحة التي تداولتها العامة، ثم الأمثال الشعبية، فالأقوال السائرة على الألسن، ثم التشبيهات الشعبية المشهورة، والتي أخذت منحى المثل، وأصبحت شائعة بين الناس.

التحولات الثقافية في الخليج

كما احتوى العدد مساهمات لكل من: عبدالله يتيم «راهن التحولات الثقافية في الخليج العربي: مشروع أجندة دراسية»، خلص في ورقته إلى أن التحولات في المعالم الرئيسة للثقافة عموماً والثقافة الشعبية خصوصاً، ودول الخليج العربي، يتطلَّب من الباحثين في ميادين علوم الأنثروبولوجيا والفلكلور التوقف أمامه بعناية كبيرة جداً، بل وعدم التقليل من آثاره على واقع عمليات تشكُّل وإعادة إنتاج الهويات الوطنية والثقافية لهذه المجتمعات، وتأثيره كذلك على المعالم العامة للشخصية الوطنية لشعوب المنطقة.

وتحت عنوان «إشكالية الثقافة العالمة والثقافة العضوية للشعب... نحو مشروع تدريس الثقافة الشعبية بالمغرب»، تناول الأكاديمي محمد معروف مفهوم الثقافة، والكيفية التي تم بها تعريفها منذ بدايات القرن التاسع عشر في أوروبا من جهة، ومفهوم الثقافة الشعبية، والتعريف الذي أُعطي لمصطلح «شعبي»، مُعرِّجاً على نظريات التقسيم الثنائي للثقافة، والكيفية التي تم بها تصنيف الثقافة نظرياً إلى ثقافة عالمة وأخرى شعبية، مع طرحه عدداً من الأسئلة حول مصير السياسة الثقافية واللغوية في المغرب، في ضوء التجربة الأوروبية في هذا المجال.

وخلص معروف إلى أنه من دون اعتماد البحث الأثنوغرافي والأنثروبولوجي، فلن يتمكَّن المغاربة من تدوين ثقافتهم، وفهم ذواتهم ولغاتهم، ومن أجل إنجاز دراسات علمية جادَّة حول الثقافة الشعبية؛ لابد أن يطلع الباحثون المغاربة على ما قدَّمه الدارسون في الغرب من آليات ومناهج لدراسة الثقافة الشعبية، لأنهم كانوا سبَّاقين إلى اقتحام هذا المجال.

ورقة الأكاديمي العراقي صفاء ذياب «الفضاء العجيب... بنْية الفضاء في سيرة الملك سيف بن ذي يزن»، استهلَّها بالتصورات التي قُدِّمت عن الفضاء، بدءاً بخطة عمل غاستون باشلار، التي اقترح فيها «إنشائية الفضاء»، أو علم النفس النسقي لمواقع حياتنا الحميمة؛ حيث درس القيم الرمزية والمرتبطة إما بما يراه الراوي أو شخصياته من مشاهد، وإما بأمكنة الإقامة كالمنزل والغرفة المغلقة والسرداب والسجن. يتناول ذياب في ورقته «الفضاء والمكان»، «الفضاء والزمن»، «الفضاء العجيب»، ذلك الذي يتشكل من ارتباط الواقعي بالمُتخيَّل. وصولاً لتحديده للفضاء العام للسيرة الذي يبدأ من حمراء الحبشة. كما يتناول «تولُّد الفضاء في السيرة، وهنالك «الفضاءات الوردية» و «الفضاء المُهلك والفضاء غير المُهلك»، انتهاء بـ «الفضاء المختفي»، وهنا يتوقف تشكُّل هذا الفضاء واختفاؤه مرهون بقارورة لم توضح السيرة طبيعتها «لكن رؤية شخصيات السيرة لقلاع الضباب بعد أن كانت مختفية، وخوفهم من ميَلان القارورة مرة أخرى يجعل من هذا الفضاء مختلفاً عن جميع الفضاءات في سيرة الملك سيف بن ذي يزن».

رمزية المرأة في الثقافة الشعبية الجزائرية

«رمزية المرأة في الثقافة الشعبية الجزائرية... قراءة وتحليل أنثروبولوجي»، عنوان ورقة الأكاديمي مختار رحاب، استهلَّها بتناول أهمية دراسة الثقافة الشعبية، متوغِّلاً في استعراض عدد من المفاهيم والتعريفات، من بينها: المثل الشعبي، تعريف الرمز، توليد الرمز والغرض من توظيفه، مروراً بالرمزية في الثقافة الشعبية، ويتفرَّع عن ذلك تناول للمحاور التي طرقتها الدراسات الدلالية الحديثة: الدلالة، العلاقات الدلالية، التغيُّر الدلالي، وصولاً إلى تناوله محور المرأة والرموز الحيوانية من خلال الثقافة الشعبية، ويتفرَّع عن ذلك: المرأة رمز الشؤم والخدعة (تشبيه المرأة بالأفعى)، العقرب، مختتماً إياه بالتأويل الأنثروبولوجي. إلى جانب تناول الباحث المرأة والرموز الطبيعية: المرأة ورمز الماء، يختمه بالتأويل الأنثروبولوجي، والمرأة رمز الخصب والنماء، والمرأة رمز الشرف.

كما احتوى العدد ورقة للأكاديمي الجزائري جلول دواجي عبدالقادر، حملت عنوان «قراءة في سيرة الشاعر الشعبي... سيد الأخضر بن خلوف»، و «سردية الطقوس في سيرة بني هلال... رحلة خضرا الشريفة إلى بلاد العلامات»، لعضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للفنون الشعبية، أكاديمية الفنون بالقاهرة، محمد عبدالحافظ، و «الأضرحة ومزارات الأولياء بالمغرب»، للكاتب المغربي أوسرار مصطفى، و «مدخل لفهم فنَّيْ الصَّوْت والصُّوتْ... مدلول المصطلحين وخصوصيات الممارسة الموسيقية بين الخليج العربي وتونس»، للأكاديمية التونسية علياء العربي، و «مُغنِّي الربابة في الجزيرة الفراتية»، للباحث السوري عبد محمد بركو، «السبحة... أو المسبحة أيقونة الذكر والتذكُّر... من الغراند بازار بإسطنبول إلى قصر الشوق بالقاهرة»، لعضو هيئة التدريس بأكاديمية الفنون بالقاهرة، إيمان مهران، «من تاريخ الحليِّ في الإسلام، للباحثة اللبنانية حنان قرقوتي، «إنتاج الخزف التقليدي في جبال النوبة السودانية... الملامح والمميزات»، للكاتبة ليلى مختار آدم، و «دراسات عربية متنوعة حول الرعي والثقافة الشفهية وغير المادية والقهوة وحكايات الحوريات»، مراجعة للباحثة المصرية أحلام أبوزيد، سلّطت فيها الضوء على عدد من الإصدارات التي تُعنى بالثقافة الشعبية.

حسين محمد حسين
حسين محمد حسين




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً