العدد 4972 - الأحد 17 أبريل 2016م الموافق 10 رجب 1437هـ

علاء الأسواني: كنت يائساً لأنَّ الناشرين رفضوا أعمالي ثلاث مرات

في حوار مع «الغارديان»... باعت «عمارة يعقوبيان» مليون نسخة...

علاء الأسواني
علاء الأسواني

الروائي المصري علاء الأسواني، وضمن جولة ترويجية لروايته «نادي السيارات» تأخذه إلى هولندا وفرنسا، كانت العاصمة البريطانية (لندن) ضمن جولته، حيث التقته سوزانا روستين، من صحيفة «الغارديان»، ودار حوار عن أهم أعماله، وتناول بالضرورة الذكرى السنوية الخامسة لاندلاع التظاهرات في ميدان التحرير في العاصمة المصرية (القاهرة) (ثورة يناير). قال في الحوار، إنه كان يائساً لأن الناشرين رفضوا أعماله ثلاث مرات. كما أعرب عن عدم اعتقاده بأن الثورة تغيُّر سياسي بل هي تغيُّر إنساني. تضمَّن الحوار استنطاقاً ومروراً على أهم عملين له: «عمارة يعقوبيان»، و «نادي السيارات». لم يتم نشر مضمون اللقاء على شكل حوار؛ بل أخذ طابع التقرير نشرته الصحيفة يوم السبت (23 يناير/ كانون الثاني 2016)، نورد أهم ما جاء فيه.

«كانت الثمانية عشر يوماً، من أجمل أيام حياتي»، ذلك ما قاله الروائي المصري علاء الأسواني عن تظاهرات ميدان التحرير التي اندلعت في يناير 2011، لتتحوَّل بلاده إلى الثورة، وأجبرت الدكتاتور الرئيس حسني مبارك على التنحِّي في مرحلة غير عادية، كانت في الذروة من الربيع العربي.

وقال الأسواني بصوت رخيم، أثناء تناولنا مشروب الشوكولاته الساخنة في مقهى على شارع إيدجور بالعاصمة البريطانية (لندن): «عندما تعيش تجربة مثل هذا الحدث الكبير، لا تقدر - أو أنا لا أقدر - على كتابة رواية عنها مباشرة. يجب أن تكون بينك وبينها مسافة. تحققت لي هذه المسافة الآن وأنا أكتب رواية عن الثورة».

للوهلة الأولى، تبدو روايته «نادي السيارات» - والتي تأخَّرت ترجمتها إلى الإنجليزية، بعد أن تم نشرها في مصر قبل ثلاث سنوات - وكأنها شيء مختلف تماماً: ثنائية الازدهار والتدهور في الشرق الأوسط. فهي تحمل نكبات الحاضر في مصر. تدور أحداثها في أربعينات القرن الماضي بنادي السيارات في مصر، من خلال حكاية الخدم والأسياد... المصريين والأجانب، العائلة المالكة المنحلّة والعائلة المصرية.

مشاهد لعبة الرهان

النادي الذي حمل اسمه عنوان الرواية، مثلها مثل روايته الأولى «عمارة يعقوبيان»، تدور أحداثها في مكان حقيقي، وعندما كان الأسواني طفلاً، كان والده محامياً للنادي. وكصبي رأى علاء الملك فاروق وهو يلعب الورق «الكوتشينة»، واحتفظ ببعض بقايا المشاهد عن الأيام التي كان فيها الملك مستغرقاً في لعبة الرهان، والقصص التي رواها الخدم ظلت مقيمة في ذاكرته. لكن الرواية التي تستخدم وتتخذ من نشاطات حركة الاستقلال كخلفية لها، بكل ما تحمله من أحداث درامية فترة تمرُّد عمَّال النظافة والطهاة وعاملي المنهل ضد مشرفهم المستبد، تستخدم المعنى المجازي الذي حرص الكاتب على الإشارة إليه.

السؤال الكبير في الرواية وفي مصر، كما يُوضح الأسواني نفسه «هل كل شخص على استعداد حقاً لدفع ثمن الحرية؟ هل الناس الذين كانوا يعيشون في ظل الديكتاتورية لعقود يفتقدون الحرية، أم أنهم تكيَّفوا؟ من جانبه، وصف أحد النقاد الرواية بأنها «رواية الربيع العربي». إجابته على تساؤل: هل الناس مُستعدون لدفع ثمن الحرية؟ لم تكن صادمة أو مدوية: «لا».

فبينما قامت ثلة من المتمرِّدين، قادهم موظف بتشكيل خليَّة وطنية، عاينوا بذور ذلك التمرُّد في النادي الذي يُروَّع العاملون فيه، فضّل معظمهم البقاء على وضعهم: «كانوا يأملون أيضاً بأن يضع الكوو (كبير خدم الملك في الرواية) حدَّاً للضرب الذي يتعرَّضون له، ولكنهم كانوا على يقين من أن ذلك لن يحدث أبداً. كانوا يعلمون بأنهم لن يروا العدالة تحكم. عبدون (المتمرِّد) قال الحقيقة، ولكن ما قيمة ذلك؟ منذ متى استطاعت الحقيقة أن تغيِّر شيئاً في حياتهم. كانوا يودُّون أن يروا عبدون يتلقَّى نصيبه من الضرب بالعصا، فيما يصرخ متوسِّلاً طلباً للغفران من «الكوو»، فمن شأن ذلك أن يُشعرهم بالأمان مجدَّداً».

وظيفتي أن أفهم الناس

تلك نظرة مُحبِطة لمواطنيه، وربما للوحشية والسادية الإنسانية عموماً. لكن الأسواني وهو في الثامنة والخمسين من عمره، يصرِّح بأنه مفعم بالأمل في المستقبل، وهو يرى أن الثورة - ويقصد بها حركة تنادي وتسعى إلى دولة علمانية، ليبرالية وديمقراطية - تتمتَّع حالياً بدعم أقل من 20 في المئة من السكَّان، يتوقع أن تكون حقيقة ماثلة قبل موته.

في الصباح الباكر يكون له حضور في الراديو كجزء من جولة ترويجية تأخذه أيضاً إلى هولندا وفرنسا، الأسواني شخصية متمدِّنة: عالمية، يُجيد اللغات: الإسبانية والعربية والفرنسية والإنجليزية، والأمثلة التاريخية بين يديه.

هناك فقط ألق عرضي من رجل لا يتوقع أن يتم تجاوزه. عندما سألتُه كيف يمكن له أن يكون على يقين من أن «المصريين في الوقت الحالي يختلفون عن المصريين الذين كانوا يعيشون في ظل حكم مبارك»، نظراً إلى أن البلاد لديها أكثر من 90 مليون نسمة، فيجيب: «لأنني روائي، وظيفتي هي أن أفهم الناس». وعن تعريف «القيم الإنسانية»، ومن أين أتت، رفض السؤال وردَّ بالقول: «لا أعتقد أن القيم الإنسانية في حاجة إلى تعريف»؛ على رغم أنه أسهب في ذكر الكرامة والحرية والعدالة، زاعماً بأنه «لدينا قيم إنسانية امتدادها لقرون قبل أوروبا منذ تاريخنا الفرعوني القديم».

وعلَّق على الفشل الذي تم إحرازه في السنوات الخمس الماضية بالقول «بالطبع، لم نحقق شيئاً سياسياً»، مُستدركاً بنبرة تفاؤل ملحوظة «لكنني لا أعتقد أن الثورة هي تغيُّر سياسي. أعتقد بأنها تغيُّر إنساني. تغلّب الناس على حاجز الخوف وهذا أمر لا رجعة فيه. وبناء على ذلك، أنا متفائل جداً، وما نعيشه الآن حدث في جميع الثورات من دون استثناء. يُمكن للثورة المضادَّة أن تحدث حين تُصبح الثورة أقل جاذبية للشعب».

إدمان القراءة

ولد الأسواني في العام 1957، وكان الطفل الوحيد لوالدين ثريين ومتعلمين ممن لهما أقارب من المسئولين الحكوميين (كانت أمه زينب من عائلة أرستقراطية حيث كان عمُّها وزيراً للتعليم قبل ثورة يوليو/ تموز. أما والده عباس الأسواني، فجاء من أسوان إلى القاهرة في العام 1950، حيث كان كاتباً، روائياً ومحامياً، وكان يكتب مقالات في مجلة «روز اليوسف» تحت عنوان «أسوانيات»، وحصل العام 1972 على جائزة الدولة التقديرية للرواية والأدب). التحق بمدرسة الليسيه الفرنسية في القاهرة، وحين كان في الحادية عشرة من عمره قرَّر أن يُصبح كاتباً، ودفع والدته ذات مرة إلى البكاء بسبب قلقها عليه لإفراطه في القراءة لساعات بصورة مستمرة تصل إلى أكثر من 24 ساعة.

يتحدَّث الأسواني عن والديه بمحبَّة كبيرة، ولكنه يفتقد وجود أشقاء، يقول: «بادئ الأمر تشعر بالوحدة، ثم تتعلَّم كيفية اكتساب أصدقاء بشكل جيد (أفضل من الآخرين) لأنك في حاجة إلى أصدقائك أكثر من أي شخص آخر؛ علاوة على مجالسة الكبار والاستماع منهم إلى أشياء مفيدة، وربما لو حظيت بأخوات وإخوة لما استمعت إلى مثل تلك الأشياء».

بناء على نصيحة والده، ولتيقُّنه من أنه سيكون من المستحيل كسب عيشه من العمل كمؤلف (حتى الكاتب المصري الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ كانت له وظيفة)، عمل كطبيب أسنان، حيث قام بتشريح الصراصير وكذلك دراسة الأسنان كجزء من المنهج الذي وضع من قبل البريطانيين، ومازال يحتفظ بعيادته في القاهرة، ويقول إنها ساعدته بشكل جيد، موضحاً «لقد كنت قادراً على كسب رزقي من خلال طب الأسنان. لم أتقاضَ جنيهاً واحداً من قبل أي حكومة في بلدي، وذلك ما مكّنني من قول ما أعتقد به؛ ذلك أولاً، ثانياً، أن الوظيفة وسيلة رائعة للتواصل مع الناس. قال لروستين: أرى في عينيك سؤالاً! تسأل روستين: «كيف يُمكنك التواصل مع الناس الجالسين (على مقعد الفحص في العيادة) وأفواههم مفتوحة»؟ بضحكة خافتة أجاب «أنا لست طبيب أسنان نموذجياً. أستمع فيصبحون أصدقائي».

الإحباط... الهجرة إلى نيوزيلندا

على امتداد 6 سنوات، عمل الأسواني طبيب أسنان في مصنع للأسمنت، إذ يحب أن يرتاد عوالم أخرى، ومثل تلك الذكريات يُمكن لها أن تظهر إلى جانب عمله كطبيب أسنان في القادم من رواياته.

تزوَّج من محاسِبة، وله منها الآن ثلاثة أطفال، وظل مستمراً في القراءة والكتابة - ومثل كثيرين من كتَّاب الموجة الجديدة في الشرق العربي - ظل الأسواني يُفضّل روايات أميركا الجنوبية على الروايات الفرنسية، تلك التي تعلَّمها في المدرسة. وقد أصيبت طموحاته الأدبية بالإحباط، ومع ذلك، كان على وشك الهجرة إلى نيوزيلندا، وفي تلك الفترة حققت حياته نجاحاً في عديد الأعمال التي أصدرها.

يقول: «كنت يائساً، لأن الناشرين رفضوا أعمالي ثلاث مرات. في تسعينات القرن الماضي قلت لزوجتي: لقد اكتفيت من الكتابة الأدبية، لقد عملت بجدٍّ لمدّة 10 سنوات، ولا يُمكنني نشر أعمالي. قلت، سأنهي الرواية التي أعمل عليها، وكالمعتاد، سأدفع نظير طباعة 500 نسخة، لتوزيعها على الأصدقاء والنقاد، ومن ثم سأتوقف».

كانت تلك رواية «عمارة يعقوبيان»، وحين قام صديق وُصف بأنه (شيوعي طليعي) بنشرها في العام 2002، نفذت الطبعة الأولى. وقال الأسواني: «أنا لست متأكداً إن كنت قادراً على التوقف عن الكتابة، ولكني كنت غاضباً جداً... لقد أنقذتني الرواية (عمارة يعقوبيان)». تعرض الرواية صورة الحياة والحب لأهل القاهرة الحديثة. بما في ذلك اغتصاب طفل يبلغ من العمر 9 سنوات، من قبل خادم العائلة. تحوّل شخصية أخرى في الرواية من شرطي إلى جهادي منحها ضجَّة وزخماً كبيراً؛ إذ تم بيع أكثر من مليون طبعة في نحو 35 لغة، فيما تجاوز الفيلم السينمائي المقتبس من الرواية، الأرقام القياسية.

يقول الأسواني، إن أكثر اهتمامه يكمن في القصص الشخصية والفردية؛ إذ «يوجد في أي عمل روائي ما نطلق عليه (عنصر الآنية)، وهو تناول مشاكل الحاضر؛ من خلال العنصر الأهم في الأعمال الروائية، وهو العنصر البشري، وذلك هو ما يجعلنا قادرين على قراءة دوستويفسكي، ديكنز، وبلزاك، وعلى رغم أننا لسنا متصلين بعنصر ذلك الزمن، إلا أن العنصر الإنساني مازال موجودًا».

مضيفاً «بالنسبة لي يجب أن تكون الرواية مُمتعة - يجب أن تحتوي على شخصيات، وبالنسبة لي هذا هو التحدِّي: فحين ينتهي القارئ منها، عليه أن يشعر بأنه أصبح - إلى حدٍّ ما - شخصاً آخر، بانتقال التجربة الإنسانية إليه».

الأسواني المُؤيِّد للعلمانية، والذي قدَّم دعمه للمرشح اليساري في الانتخابات الرئاسية العام 2012، حمدين صبَّاحي، يعارض باستماتة أي شكل من أشكال الإسلام السياسي الذي يعتقد أنه يتنافى مع الديمقراطية.

وبالنسبة إلى الذعر من أولئك الذين أخذوا وجهة النظر المقابلة، جادل الأسواني في العام 2013 بأن العودة إلى الحكم العسكري كان أهون الشرَّين، داعماً تنحية الرئيس السابق محمد مُرسي من منصبه.

والأسواني أحد أشدِّ منتقدي النظام الحالي، وخلال الأشهر الـ 15 الماضية، تم منع كتاباته المنتظمة والمعتادة؛ إذ كان له عمود رأي في إحدى الصحف المصرية، وفي شهر ديسمبر/ كانون الأول 2015، تم منع ندوة له كان مقرراً إقامتها في الإسكندرية.

وعلى رغم أن الأدب هو الأولوية بالنسبة له، إلا أن ذلك لا يعفيه من المسئوليات الأخرى؛ اقتفاء لأثر بطله غابرييل غارسيا ماركيز، ويعتقد الأسواني أن الكاتب وخصوصاً الثري والناجح، عليه واجب الكلام: «مفهومي عن الأدب أنه بمثابة دفاع عن القيم الإنسانية؛ إذ لا يمكن أن تلتزم بالدفاع عن تلك القيم، إن كنت ستمكث في البيت؛ بينما الملايين من الناس يتظاهرون في الشارع ويموت آخرون. ولا أعتقد بأنني استثناء، فهناك تاريخ طويل من الروائيين الذين بادروا للدفاع عن الثورات والقيم الإنسانية في الكتابة وفي الشارع أيضاً».





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً