العدد 4972 - الأحد 17 أبريل 2016م الموافق 10 رجب 1437هـ

رسالة قارئ... عبء الأمل

د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب 

تحديث: 12 مايو 2017

 أقام المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج في الكويت موسمه الثقافي الحالي بدورته الثالثة والعشرين والتي كانت بعنوان: "مسئولية المدرسة في تنمية الثقافة" تحدّث فيها الوزير البحريني السابق وسفيرها في فرنسا وبلجيكا ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث والكاتب اللامع في "القدس العربي" علي محمد فخرو، في يومها الأول، ومن ثم تحدّث فيها الروائي الكويتي الرائع وأحد أعمدة الأدب الخليجي سليمان الشطي وأنا في اليوم الثاني.

كانت الأمسيتان مفعمتين، نكئت فيها الكثير من الجراح، وبُعث فيها الكثير من الأمل.

تحدث علي فخرو عن هيمنة تراثنا التاريخي التامة علينا، تراث لايزال، على حد قوله "يحكم مكانة المرأة ووظائفها وكل ما تستطيع أن تعمله". نعيش نحن معارك قديمة، يؤكد فخرو، نناقشها ونتحمس لها، بدون أن نقولبها تاريخيّاً؛ لكي نتمكن من عزلها عن حياتنا الحالية. استحضر حديثه هذا فكرة لطالما سيطرت عليَّ، ألا وهي مدى إمكانية تحويل صراعنا الطائفي إلى فكري. هل يمكننا في يوم ما أن نبقي اختلافاتنا في قراءاتنا التاريخية وتصادمنا في التفسيرات العقائدية في إطاري فكري من دون الخروج بها إلى الحيز السياسي وما يستدعيه من عنف ودماء؟ هل سيكون لنا مثلاً أن نجلس ذات يوم فنتبادل ما نعتقده اثباتات ووقائع حول اللحظة التاريخية لانتقال السلطة بعد وفاة النبي، فنستخرج المعلومات ونفتح الكتب، نتناقش ونصرخ ونتحمس ثم ننهض من مجلسنا محملين ليس بأكثر من خلاف فكري؟ هل سنرى اختلافات الرأي في يوم ما كما هي حقيقة، مجرد اختلافات رأي، وليست اغتيالات فكرية ولا تعديات آرائية ولا إهانات شخصية نصوّرها كذلك لمجرد أن للآخر قراءة أو فهماً مختلفين؟

يقول فخرو بإمكانية تحقيق هذه المعادلة في حال ما إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لتفعيل الثقافة في المجتمع، وتغيير أسلوبها من هذا الذي يكدس من خلاله الأشخاص المعلومات لينسوها بعد فترة قصيرة من تلقيها، إلى ذاك الذي تؤثر من خلاله المعلومة والثقافة على سلوكيات الأفراد وطريقة عيشهم لحيواتهم.

لا يمكن أن تقوم ثقافة حقيقية، يؤكد فخرو، في ظل وجود حكم استبدادي، "فحل مشكلة الثقافة يتبدى في حل مشكلة النظام السياسي". ويؤكد فخرو كذلك أهمية الفصل بين التراث والدين لتحقيق النتائج الثقافية المتحضرة المرجوة، فليس كل التراث من الدين، بل مشكلة الدين الكبرى هي في ذلك التراث المريض الذي فرض علينا من اللاعقلانية ما أصبح عبئاً محرجاً لنا أمام العالم، ووضعنا في مواضع جدل ما هي سوى تبديد لوقت وجهد نحن أحوج ما نكون إليهما.

والآن ماذا عن مجتمعات مضروبة من الطرفين، من هيمنة التراث التاريخي وسيطرة الفكر الأصولي الذي يعيش في حالة صراع مستمر مع العلم، ومن أنظمة سياسية استبدادية تمنع مجرد التطلع إلى أي نظام مختلف يشرك الشعوب والأفراد في تقرير مصيرها وتحارب حرية الرأي والبحث العلمي؟ بمن يستنجد مجتمع يسيطر عليه الخوف والذي تنتج عنه حرب مشتعلة دائمة مع كل رأي علمي جديد ومع كل توجه إنساني متحضر، إذا ما كان نظامه السياسي مستبدّاً؟ وبمن يستجير مجتمع يعيش تحت نظام سياسي شمولي، الرأي فيه واحد، والقرار فيه واحد، إذا ما كان قياديو فكره وإعلاميوه والقائمون على التربية والتعليم فيه أصوليين متطرفين؟

هذه مجتمعات تستجير من الرمضاء بالنار، من الشمولية بالأصولية، ومن الأصولية بالشمولية، ولا مصير لها سوى التحول إلى رماد على يد أحد هذين أو كلاهما.

تشاؤم شديد؟ ليس فعليّاً، لايزال هناك أمل، حدثني عنه علي فخرو كثيراً بلهجته البحرينية المحبّبة، وبهدوئه الذي يبث الطمأنينة في القلب، محملاً بتاريخ من نجاحات عديدة، ومسلحاً بتجارب متنوعة. فخرو يؤمن بأن التغيير مقبل ولو بعد حين، وأن قدرنا بين أيدينا، وأن لدينا مخزوناً ثميناً جدّاً لم نستغله بعد، لا يربض تحت أراضينا العربية، بل فوقها، إنها عروبتنا التي يمكنها أن توحّدنا ولا تعزلنا، تقوينا ولا تميّزنا عنصريّاً، تعطينا وزناً وقيمة وتكمل نواقص بعضنا بعضاً. "لم نقل وحدة نظام سياسي أو حكم، بل وحدة اجتماعية ورؤية اقتصادية مترابطة" يقول فخرو، مشيراً إلى نوع من التكاتف القومي الذي يعطي لنا وزناً وقيمة، عوضاً عن تشتتنا وتفرقنا الذي يجعل من دولنا وحدات معزولة مسكينة.

أنظر إلى عيني فخرو تلتمعان وهو يتحدث، يرقُّ قلبي وأنا أراه يحمل هذا الأمل على كتفيه، فالأمل كثيراً ما يثقل وزنه كما الحزن والمعاناة، وها هو يحمله نيابة عن الكثير منا. أنبهر بصلابته وإصراره، أعجب بحياديته وما سمعت منه من آراء تجاه الثورات العربية وتجاه ضياعها وإن اختلفتُ معه في البعض منها. أخجل من يأسي أمام تطلعاته المتأملة، أراود نفسي عن سوداويتها التي تهاجمها كثيراً، أتعلق بحبال آماله، وأنتظر، كلنا في هذه الأمة ننتظر.

د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً