العدد 4981 - الثلثاء 26 أبريل 2016م الموافق 19 رجب 1437هـ

نبضاتٌ من مغناطيس نبضاتٌ من حياة

بقلم: أشواق العريبي-باحثة بيولوجية 

26 أبريل 2016

حينما تسمع صوت من تحب فاعلم انها موجات اختلفت أطوالها فنشأت عنها اهتزازات في طبلة أذنك؛ واعلم أيضاً إنك حين تُدير محرك سيارتك فإن التعشيق هو تطبيقٌ مباشرٌ لمعادلة تسارع العجلة. أما حين ارتواءك بشربة ماء تنعش بها أوصالك فتذكر قانون الجاذبية الذي لولاه لما عرف الماء سبيلاً نحو خلاياك.

جمال الكون من حولك، ألوانه الخلابة، صُوره التي تتخاطر أمام عينيك سروراً هي نفاذ للضوء عبر محجريك فانكساره ثم إنعكاسه.

تشاغبك الذكريات بِحلوها ومُرِها.. تصمتُ للحظات تعود فيها لسنين خلت فتشتاق. تلك حتماً كهرباء الدماغ التي سرت شحناتها فيضاً جارفاً عبر أسلاك الماضي لتُحيّ حاضراً أجمل.

إنها الفيزياء في أروع صورها.. تُحيطنا، نتنفسها، تُقيم اعوجاج حياتنا فنسمو بها. ولا غرو أنها قطعاً تُداوينا!

السطور التي بين يديكَ عزيزي القارئ تغزل ثوباً تشابك نسيجه لتصنع خيوطاً من أملٍ لعلاج اضطراب التوحد بأقطاب مغناطيس فيزيائي.

أماط بحث جديد بزغ من بين أروقة جامعة «موناش» في مدينة “ملبورن” الأسترالية اللثام عن إمكانية الاستعانة بالإثارة المغناطيسية (Transcranial Magnetic Stimulation) لتحفيز خلايا المخ غير النشطة في أدمغة مضطربي التوحد حيث يساهم في تحسين مهاراتهم وتفاعلهم الاجتماعي.

علم التشريح يقسم دماغ الإنسان لأربعة فصوص، فصٌ أمامي وفصٌ خلفي وواحد صدغي وآخر جداري. فص الدماغ الأمامي يُعد مسؤولاً عن السلوك وعن الكلام أيضا، وهو يضم عدة مراكز عصبية مهمة كالمنطقة المعروفة باسم (القشرة الأمامية الجبهية) والتي ترتبط وظيفتها بتكوين شخصية الفرد وتفعيل التمييز لديه عبر فهم سلوك الآخرين وتحليل ما يجري في عقولهم من خلال تلميحات بسيطة كتعابير الوجه أو نظرات العين.

المثير هو ما أظهرته التحاليل المختبرية التي خَلُصت إلى أن هذه المنطقة تكون أقل نشاطاً عند المضطربين بالتوحد؛ لذا استخدم معدو هذا البحث آلية التحفيز المغناطيسي المتكرر لهذه المنطقة من خلال إرسال نبضات مغناطيسية إلى داخل المخ في سبيل تعزيز نشاطها الذي يمنح الأشخاص القدرة على إدارك مشاعر وأفكار الآخرين.

نُفذِت هذه التجربة على 27 فرداً بالغاً مصاباً بمتلازمة «إسبرجر» - احدى اضطرابات طيف التوحد المرتبطة بصعوبات في التفاعل الإجتماعي - والذين تم إخضاع بعضهم لجلسات تحفيز مغناطيسي للمخ لمدة 15 دقيقة على مدار عشرة أيام، وأما البعض الآخر المتبقي منهم لم يتلقَ النبضات المغناطيسية. وجاءت نتائج هذا التجربة مفرحة حقاً وإيجابية حيث أن المرضى الذين خضعوا لجلسات التحفيز المغناطيسي للمخ قد تحسنت مهاراتهم الاجتماعية، حتى إن احدى الحالات بدأت تتفهم احتياجات صغارها ومساعدتهم في الاستعداد لامتحاناتهم المدرسية كما قامت أيضا بإعداد الشاي لهم، الأمر الذي يعتبره الباحثون تطوراً جذرياً!

الجدير بالذكر إن تقنية التحفيز المغناطيسي هذه تتم عبر الجمجمة ولا تخترق المخ إذ يمكن إدارتها من خارج رأس المريض وبهذا فهي آمنة وبالإمكان اعتمادها باطمئنان.

ويبقى أن نقول: أننا حين نفهم الفيزياء فإننا نفهم كيف لنا أن نكتشف خيوطاً جديدة نُصلح بها حياتنا ونعزز صحة ذواتنا وسلامة أجسادنا.

العدد 4981 - الثلثاء 26 أبريل 2016م الموافق 19 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً