العدد 4983 - الخميس 28 أبريل 2016م الموافق 21 رجب 1437هـ

التعايش العماني في مرصد «الوسط»: مساجد مشتركة بلا طائفية وزيجات مختلطة بلا طلاق

تجربة تمتد لقرون... و«قراءة المستقبل» حمتها من تداعيات الربيع العربي

تمتلك سلطنة عمان، تجربة ملفتة، قوامها التعايش والتسامح بين جميع أبناء المذاهب التي يؤمن بها العمانيون، وهي تجربة «تمتد لقرون، وليست وليدة السنوات الفائتة»، كما يؤكد الباحث العماني سعيد الهاشمي.

الهاشمي الذي التقته «الوسط» ضمن رصدها للتجربة العمانية، عبر عن سلطنة عمان بـ «المنظومة المتكاملة من القوانين والأعراف والتقاليد والمبادئ، والتي وقتها شر الوقوع في أفخاخ الإقصاء والتمييز والطائفية»، مؤكداً في الوقت ذاته قدرة أبناء السلطنة على النأي ببلادهم عن أية صراعات مذهبية داخلية.

وعدد الهاشمي بعضاً من علامات التعايش والتسامح العماني، فقال: «التعليم لدينا لا وجود فيه لمحسوبيات، ولا فرق بين ابن السلطان وابن الوزير عن بقية المواطنين في القبول في الجامعات، والفيصل في ذلك لنسب التخرج»، مضيفاً «كذلك، لن تجد وزيراً يمشي في عمان والحراس تحيط به من كل جانب، حرصاً على نبذ الطبقية، كما لن تجد ابن لوزير «يكسر» إشارة ضوئية حمراء، أو يتجاوز السرعة المحددة، قناعةً منه بحصوله على الجزاء حال ارتكب ذلك».

وفي الحديث عن امتدادات التجربة العمانية، قال الهاشمي: «تنطلق هذه التجربة من قناعة مفادها أن الآراء والأفكار وحتى المذاهب تختلف، لكن على الدولة استيعاب كل ذلك، تحقيقاً لعنوان التسامح شريطة الانضباط وفق حدود معينة وفي الوقت نفسه تلتزم الدولة بمبدأ العدالة للجميع».

وأضاف «منذ تأسست دولة البوسعيدية حتى اليوم، لو لم يكن التسامح لما وجد أصحاب المذاهب المختلفة، الإباضية، الشوافع، الشيعة، وغيرها، وقد ساهم وجود القضاة من كل هذه المذاهب لسيادة التسامح بين الناس، واستمر الحال على ذلك، ففي عمان لم نجد الحروب الداخلية أو الأهلية، لأسباب مذهبية أو عرقية».

وتابع «ما يهمنا هو في نهاية المطاف العدالة والتسامح بين الجميع، وذلك وفق منظومة متكاملة من الحقوق والواجبات شريطة عدم التعدي على الآخر وعدم إثارة النعرات وفرض رأي على آخر، والقول إن هذا مسجدي وذاك مسجدك، ودون الانتقاص من عقائد الآخرين، فكل طرف أو فرد بنى مذهبه على عقيدة ما ولزاماً علينا احترام هذه العقيدة ما داموا يؤمنون بالله ورسوله وكتابه... فليس مطلوب مني أن أؤمن بفلان من الناس بعد الرسول (ص)، فالاختلاف رحمة».

ورداً على سؤال بشأن ما اعتمدته عمان في حالتها الخاصة، قال: «لو نقرأ المخطوطات التي تعود لبداية القرن الثالث الهجري، سنجد أن غالبية المناطق الساحلية كانت تضم أفكاراً مختلفة، كالقدرية، والقضاة أو الولاة الموجودين على الساحل حين سمعوا بذلك كانوا يكتبون للأئمة بالداخل بما معناه (ظهر لنا كذا وكذا، فهل يحق لنا أن نوقفهم أو نطردهم أو نسكتهم)، فكان الجواب من الإمام بـ (لا، اتركوهم كما كانوا والناس تقتنع بأنفسها)».

وأضاف «كذلك، حين جاءت فكرة خلق القرآن الكريم وانتشرت، اجتمع علماء الاباضية في بيت الرباة (العسكر)، وحين نشأ نوع من الخلاف بينهم، بين من يقول إن القرآن مخلوق وبين من يقول غير ذلك، اجتمع العلماء وقرروا الاكتفاء بالقول إن (القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى ووحيه، أنزله جبرائيل على النبي (ص)، وعلينا أن نتعبد به، دون أن نقول إنه مخلوق أو غير مخلوق، ونخرج من هذه الفتنة)، ولذلك اتفقوا على هذا الكلام».

وتابع أن «هذا يدلنا على أن التسامح موجود منذ القدم، والمفتي في السلطنة أو القضاة، حين يأتيه السني ويأتيه الاباضي، ليحكم بينهما، لا يخرج الحكم أو الفتوى في النهاية عن رأي الآخرين، وتوج ذلك مفتي السلطنة الحالي، وإذا كان لدى شخص إشكالية يتم الجلوس معه في جلسة خاصة وتنتهي بالإفتاء له وفق مذهبه، وقد عزز هذا الأمر من حالة التسامح فلم يشعر الناس بالفرق، حتى بات الاباضي يصلي عند السني والسني يصلي عند الاباضي، والأمر كذلك بالنسبة للزيجات».

ونفى الهاشمي، مواجهتهم في سبيل ذلك لأية عوائق فقهية، وقال: «لدينا المسجد في عمان يصلي فيه الاباضي جنباً إلى جنب السني والشيعي في صلاة جماعة واحدة، والمساجد مفتوحة على هذا النحو في جميع أرجاء السلطنة، فهي بيوت الله وتستقبل جميع المسلمين، فالصلاة لا خلاف فيها بين المسلمين ينتهي ببطلان الصلاة»، مضيفاً أن «السلطنة على هذا الحال منذ أن وعينا على هذه الدنيا، والمسألة مستمرة منذ عقود».

وبحسب حديث الهاشمي، فإن حالة التعايش والتسامح في سلطنة عمان امتدت لأبعد من ذلك، ووصلت للزيجات المختلطة بين أبناء المذاهب المختلفة.

وأضاف «أنا سني ومتزوج من أباضية، وولدي أيضاً، وهكذا هو الحال بالنسبة لكثير من الأسر العمانية، ولا وجود لمشاكل داخل هذه الأسر فلكل شخص مذهبه الفقهي وصلاته، أما الأبناء فتترك لهم حرية الاختيار وإن كانت الغالبية تتبع مذهب الأب».

واعتبر الهاشمي القول بضرورة المذهب الواحد في عملية المصاهرة، قولاً لـ «المتنطعين» على حد وصفه، مؤكداً أن السلطنة كسرت هذا الحاجز، وتساءل: «على أي مذهب كان ابني، من سيضمن له الجنة أو النار؟».

وأضاف «هكذا تفكر الناس في عمان، وبالمناسبة فإن هذا التفكير أوصل بلادنا لحالة استقرار، دون أن ندعي أننا أنموذج ينبغي للآخرين الاحتذاء به، فالأهم هو عناوين التسامح والتعايش».

ورداً على سؤال بشأن السر في قدرة عمان على الحفاظ على تجربتها هذه في خضم تحديات عاصفة، قال: «يعود ذلك للأصل، فمن تحول للمذهب السني هو في الأصل أباضي، فأنا على سبيل المثال، جدي تحول للمذهب السني، ولديه أخ استمر على أباضيته فلم يعيبوا عليه»، وأردف «ما المهم، بيني وبينك كمواطنين، في الاختلاف بشأن ما إذا كان القرآن الكريم مخلوقاً أو غير مخلوق؟ فالدين يقول بني الإسلام على خمس، وهذه الخمس يتمسك فيها جميع المسلمين، وعطفاً على ذلك ليس مهماً شكل الصلاة، بل المهم هو الحساب، بين الجنة أو النار».

وبشأن مستقبل عمان فيما خص استمرار حالة التعايش هذه، قال: «القلق حالة موجودة، لكن ذلك يعود للمجتمع، فإذا فسد هذا المجتمع فسد كل شيء، وكل ما يحدث في العالم الناس في عمان على وعي به، وحين اندلعت ثورات الربيع العربي قام بعض الشباب في سلطنة عمان نتيجة ظروف معيشية معينة، حتى جاء جلالة السلطان فحرص على الاستماع لمطالبهم بشكل مباشر دون دبلجة أو تغيير، وبالفعل ظل يستمع للمطالب عبر النقل المباشر المصور الذي لم يكن يعلم به المتحاورين أنفسهم، ولذلك كان يؤكد السلطان على اتضاح الصورة لديه، فأقال الوزراء وأطفئت النار بسرعة».

وعن السر في هذه المناعة العمانية ضد داء الصراعات الداخلية، قال الهاشمي: «لأن الناس قرأت المستقبل مبكراً، وقد عزز من ذلك ما حصل في بلدان الربيع العربي من دمار وفوضى. العمانيون أخذوا العبرة مما حصل من حولهم لهذا اتقوا شر الفتنة التي نراها اليوم في أكثر من دولة».

العدد 4983 - الخميس 28 أبريل 2016م الموافق 21 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً