العدد 4985 - السبت 30 أبريل 2016م الموافق 23 رجب 1437هـ

الاعتراف… لم يعد سيد الأدلة

عقيلة أبوإدريس

خبير علم جنائي في إدارة الأدلة المادية بالنيابة العامة

استوقفتني تلك اللحظات التي مر بها الأميركي بلود وورث لتجعلني أفكر لوهلة، كم من بريء خلف القضبان، وكم من مدان طليق، وكم من مجني عليه لم يجد السبيل والتوجيه لاسترداد حقه.

أدين بلود وورث في العام 1985 بوجود 5 شهود عيان بالقتل العمد واغتصاب فتاة تبلغ من العمر 9 سنوات، وفي العام 1992 بينما كان مسجوناً، طلب بلود وورث أن يتم فحص العينات والآثار المادية المتعلقة بالقضية بالطريقة العلمية الجديدة التي ظهرت في حينها، آملاً أن تكون النتيجة منفذاً للبراءة.

وبالفعل أعيد فتح ملف هذه القضية وتم البحث عن أي دليل يمكن أن يثبت مدى صدقه، إلى أن تم الحصول على ملابس المجني عليها وبها آثار لسائل منوي. وبفحص البصمة الوراثية تم إثبات براءته وأن تلك الآثار تعود لذكر آخر تم التعرف عليه لاحقاً في العام 2003. ويكون بلود وورث بذلك قد أضاع 9 سنين من حياته خلف القضبان دون وجه حق.

قد تكون تلك الأحداث حصلت في حقبة زمنية مضت، وبتنا أمام تكنولوجيا علمية عالية رفعت من قيمة الدليل المادي إلى أن اقترن بأهميته مع الدليل القولي أمام جهات التحقيق. إلا أن الحاجة تكمن في الوعي بمدى أهمية أي أثر مقترن بالقضية أو الجريمة في كونه مصدر إثبات أو نفي.

فمسرح الجريمة عموماً يعتبر مستودعاً غنياً لأسرار أية جريمة كانت، يحتضن جميع الأدلة المادية ويعتبر الشاهد الصامت الذي لا يعرف الكذب والذي يقود المحقق والخبير الفني إلى معلومات مؤكدة مبنية على قواعد علمية تساعد بشكل كبير في حل الجريمة. والآثار المرفوعة تحتفظ بذاتية مصدرها. فالحفاظ على أي دليل مادي يعتبر أهم عامل للوصول للجاني، وهذا الأمر يتطلب الوعي الكافي من جميع الأطراف.

فالعلوم الجنائية المتخصصة بفحص تلك الأدلة بدت ظاهرة ومعتمدة بشكل أوضح في عالمنا العربي مع بدايات القرن العشرين مع انتقال نظام الطب الشرعي إلى جمهورية مصر الشقيقة عن طريق الحملات الفرنسية والبريطانية.

ومنها برزت الأهمية لإدخال العلوم الأخرى المساندة في الإثبات الجنائي وإبراز أدلة الإقناع أمام المحاكم، بدايةً بالاستعراف عن طريق فصائل الدم وبصمات الأصابع، وفحص السموم بالدم مروراً بالبصمة الوراثية ودراسة الخصائص الفيزيائية للأجسام والمستندات ففحص الأدلة الإلكترونية وغيرها.

ومع التطور الكبير في مجالات الفحص والكشف عن الجريمة أصبحت جميع الأدلة إن كانت قوليه أو مادية أمام تقسيمين جديدين، في كون الدليل إما موضوعي أو شخصي. فالأخير يعتمد على مدى اقتناع المحقق بالشهادة والاعتراف وهو معرض للصواب والخطأ ويختلف من شخص للآخر، بينما الموضوعي فهو مبني على أسس علمية ونتائج يمكن رؤيتها ولمسها فبذلك تكون أصدق وأقوى تأثيراً على شخصية المستمع، فتلك الأدلة ملموسة ولا يختلف على هويتها اثنان.

يعتبر علم الجريمة عموماً علماً متجدداً، وأصبحنا نواجه جرائم ذكية وشخصيات إجرامية مبتكرة قد لا تترك آثاراً ترى بالعين المجردة، إلا أن التطور العلمي بالمجال تفوق على تلك العقليات فضمن بذلك حق المجني عليه في إثبات الجريمة على الجاني. لذا فأي دليل قد يترك أو أي حدث وإن كان صغيراً ويتعلق بالواقعة، يعتبر عاملاً مساعداً كبيراً يعتمد على المدعي والمحقق بشكل كبير.

فلم يعد الاعتراف كما كان متعارفاً عليه لوحده سيد الأدلة.

إقرأ أيضا لـ "عقيلة أبوإدريس"

العدد 4985 - السبت 30 أبريل 2016م الموافق 23 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 7:34 ص

      زائر 11 مافى شى تصرف شخصى هى اوامر تاتيهم لتعذيب المساجين للاعتراف ولا كل مرة اجودون علينه تصرف شخصى 4 شهداء قتلو بسبب التعذيب وهى اوامر عجل هدم المساجد تصرف شخصى انصحك ان تقول الحق او تسكت..

    • زائر 16 زائر 14 | 9:35 ص

      كما يحدث

      في سوريه والعراق وإيران طبعاً

    • زائر 13 | 5:51 ص

      إضافه

      نوعيه لكتاب الوسط

    • زائر 10 | 4:38 ص

      I honestly do not know what to write .
      Every day I discover new things and cadres in my holy kingdom . God bless you sisters and saves all your efforts and your work

    • زائر 9 | 4:28 ص

      عجبني المقال لأنه يدمج المتعة في القراءة و كذلك الفائدة
      كثرو من هلمقالات

    • زائر 8 | 4:17 ص

      والاعتراف تحت الضرب والطراقات والحرمان من النوم ولسع الاماكن الحساسة بالكهرباء هذا ويش يسمونه بعلم القانون؟

    • زائر 11 زائر 8 | 5:08 ص

      اخي العزيز.. ضمنت المملكه حقوق الجميع.. فمن هم تحت التعذيب لهم جهات خاصه للتحقيق والتثبت من الاصابات ان كانت حقيقيه او مفتعله وذلك بالاساليب العلميه وفحوصات الطب الشرعي.. يمكنهم اللجوء إليها.. فالتصرفات الشخصيه لبعض منتسبي الجهات الامنيه لا تمثل احد سوى مفتعلها... ولكم الشكر الجزيل..

    • زائر 7 | 3:33 ص

      الأسلوب وطريقه الطرح جدا مشوقه وتحقق الهدف المطلوب من المقاله ابدعتي.

    • زائر 6 | 3:00 ص

      مقال قيم جدير بالإهتمام.. يخلق لدينا تحريك للطاقه الإنسانيه الكامنه في ذاتنا .. قريبه من العداله .. بعيده عن تصديق السطحيات والظواهر .. شكرا أختي العزيزه على طرح المفيد..

    • زائر 5 | 1:33 ص

      لم أكن أهتم ابدا بالعلوم الجنائية،
      لكن هذا المقال جدير بالقراءة و التشجيع للإطلاع اكثر لمثل هذا المجال، سلمت يداك أستاذة عقيلة

    • زائر 4 | 1:25 ص

      مقال لموضوع مختلف- مقال اكثر من رائع
      نفخر بوجود من يهتم بهذا المجال، حيث انه مجال معقد و يحتاج لدراسة و دقة.

    • زائر 3 | 1:19 ص

      مقال جميل و مصاغ بأسلوب بعيد عن الرتابة

    • زائر 2 | 11:04 م

      الاعتراف (تحت التعذيب و التنكيل و السب و الاهانة و التهديد) سيد الأدلة!!!!!

    • زائر 12 زائر 2 | 5:19 ص

      لهذا فكما قالت الاستاذه.. ان الاعتراف عامل شخصي.. والدليل المادي المقترن بالواقعه له اثر اكبر ووقع اكبر في الاثبات والنفي.. والله المستعان..

    • زائر 1 | 10:49 م

      جميل جدا ..
      إضافة نوعية لي ولمعلوماتي

اقرأ ايضاً