العدد 4991 - الجمعة 06 مايو 2016م الموافق 29 رجب 1437هـ

«الوسط» تسوح في بوري: أرض النخيل والمـــــساجد والعيون الدلمونية

«بيت آل إبراهيم» تحفة تنتظر الإنقاذ... ودعوات لمتحف خاص بالقرية

بريق عين حويص «الدلمونية» لا يزال باقياً
بريق عين حويص «الدلمونية» لا يزال باقياً

تحتضن قرى ومناطق مملكة البحرين، إرثاً تاريخياً يمتد لآلاف السنوات، ومقومات سياحة داخلية لايزال الجزء الأكبر منها خارج نطاق المعرفة والإعلام، والتوثيق. «الوسط»، تفتح الملف عبر حلقات، تسلط من خلالها الضوء على هذه المقومات المنتشرة، بطول البحرين وعرضها.

وفي قرية بوري كانت البداية. هناك حيث تنتشر النخيل والمساجد والعيون الدلمونية، ظلت «الوسط» برفقة ملتقى بوري الثقافي وعدد من الأهالي، تسوح في المنطقة القديمة والتي تعرف بين الأهالي باسم «الديرة»، لتستكشف معالمها بدءاً من المزارع التي تشتهر بها بوري، والتي منحتها مسمى «حوض النخيل» كنايةً عن أعداد النخيل الكثيرة التي تنتشر على رقعة جغرافية ممتدة فيها.

يعلق على ذلك، رئيس الملتقى سيدرياض العلوي، فيقول: «بوري هي قطعة أرض عريقة، وبين جنباتها شواهد لاتزال ماثلة على حضارة الأجداد، وقد تغنى بها الشعراء قديماً، حتى قال فيها الشاعر جعفر الخطي (توفي العام 1618م): عج بالمطي على معالم بوري... لمحل لذاتي وربع سروري... وأطل بها عني الوقوف... فما أرى شوقاً يحركني لها بقصيرِ».

وتمتلك بوري، التي يؤكد الباحث وابن القرية أحمد ربيع أن الاستيطان فيها يعود لما قبل القرن 16م، مزارع عديدة أو «دواليب»، من بين ذلك مزرعة آل إبراهيم التي تقع في الجهة الشرقية للقرية.

سبب التسمية... أكثر من رواية

يتحدث الباحث ربيع عن معنى اسم القرية، مشيراً إلى أكثر من رواية في هذا الجانب، من بينها رواية تذكر أن مسمى بوري هو نوع من أنواع الحصير المصنوع من سعف النخيل والجمع (بواري)، وفي رواية ثانية توضح أن بوري هي الحوض أو الأرض المنخفضة المليئة بالنخيل، وهذه الرواية تكشف عن اسم القرية المرتبط بالنخلة.

ويضيف «بجانب ذلك، توجد روايات ضعيفة في قبال الروايتين السابقتين، من بين ذلك ما ترجع الاسم لمصطلح (الأرض البور) أي الأرض الفقيرة، دون توضيح لمواطن الفقر، علماً بأننا نتحدث عن أرض مليئة في السابق بالكم الكبير من النخيل».

ويتابع «ما يدلل على غنى القرية بالنخيل، ما تضمنه سجل سيدعدنان الموسوي الذي يعود للعام 1925 تقريباً، والذي اشتمل على أسماء أو أنواع النخيل، كما تطرق لطبيعة الجغرافية في بوري وأنواع الأوقاف الموجودة فيها. كذلك، هنالك كتاب «دليل الخليج» للبريطاني لوريمر، والذي جاب عدداً من المناطق في البحرين وحصر الموجودين فيها، وأشار إلى أن بوري من أكثر المناطق على مستوى البحرين، كثافةً في النخيل، وتحدث عن الآلاف».

عطفاً على ذلك، يرى ربيع أن هذا التواتر عن النخلة يؤكد محوريتها لرجالات وأبناء هذه القرية، من بينهم شخصيات لاتزال تعمل في النخلة كالحاج حمزة أبوعلي، والذي يمتلك مهارة تمييز نوع النخلة من شكلها، مضيفاً «ذات مرة، التقيت به وهو منهمك في صعود نخلته، وقد شعرت لحظتها أن بينه وبين النخلة لغة خاصة، فكانت تميل معه حيث مال، وكأن كلاهما يحاول احتضان الآخر».

وبصوت جهوري، يتسلم النخلاوي أبوعلي، وهو مشغول بـ «التكشيم»، زمام الحديث ليضيف «يقول الرسول (ص): (عمتكم النخلة إذا مالت سندوها، وإذا سقطت ابكوا عليها). فالشاهد أن آباءنا الأوليين كانت معيشتهم على الله والنخلة. في بيوتهم وسكنهم ومأكلهم، كل ذلك كان يأتي من النخلة التي هي معيشة الإنسان وبها يستعيض عن كل شيء. أكلها طيب، وعليه يعيش الإنسان. ومنه مواد تستخلص لتعطي الإنسان مناعة عن كل الأمراض والسوء».

ويتابع «من تمر «المرزبانة» كانت تصنع «اللفة» لجبر الكسور، وعلى تمر ورطب «الخنيزية» كان عيشنا، وكان «بسرها» زادنا في الشتاء»، مشدداً على أهمية الحفاظ على النخلة بجميع أنواعها وعدم إهمالها لأي سبب.

وبعد تناول وجبة الفطور، تحت طلال نخيل وأشجار المزرعة، سارت «الوسط» بين «شروب» و «سيبان» مزرعة آل إبراهيم الغناء، برفقة الشاب إسماعيل آل إبراهيم الذي كان يتحدث عن بعض أشجار المزرعة، بما في ذلك «العنبة»، وسدرة الكنار، وشجرة الصبار (المخرخش).

لكل منطقة اسمها الخاص

في بوري، القرية الصغيرة، كان لكل منطقة اسمها، بناءً على طبيعة المنطقة أو نسبة لعين موجودة فيها.

بشأن ذلك، يتحدث الباحث ربيع «حتى العيون كانت تختلف فتختلف التسمية، فلدينا على سبيل المثال، مزرعة «الجمات» التي سميت بذلك نسبة لعين فيها (تجم) الماء أي تسحبه بقوة، فيما تسمى منطقة أخرى بالسافل وعين جراح نسبة لعين تحمل اسم السافل وعين ثانية تحمل اسم جراح، وبحسب حديث الأجداد فإن هاتين العينين كالميزان، إذا امتلأ السافل تختلي جراح والعكس».

ويضيف «مقابل مزرعة آل إبراهيم، تتواجد مزرعة الحاج علي أبوتاكي، وهي مزرعة كبيرة ولكل مكان فيها اسم نسبةً إلى اسم عين، فهذه تسمى المسعودية، وهناك الوسطة حيث يتواجد مسجد القائم، وفي تلك الناحية البريدي».

وباستخدام الحافلة تارة وسيراً على الإقدام تارة أخرى، سارت الرحلة ناحية، فيما ربيع يواصل حديثه «هنا منطقة «البريدي»، وتلك «المخرجة الشرقية» التي هي وقف لمأتم الباقر (ع)، وهذه «الكويلية» نسبة لعين، ومنها كان يخرج ساب «الكويلية» الذي كان يمتلئ بالماء ويصل لمنطقة (المراح) ليسير على مسافة كبيرة، وفي الغرب من «المراح»، توجد منطقة تسمى «تشتش» القرية التي كانت مأهولة بالسكان قبل أن يهجرها أهلها».

بيت آل إبراهيم... تحفة مهددة بالزوال

وقريباً من جامع بوري القديم، يقع بيت المطوع أو المعلم نسبة لاحتضانه دروس القرآن الكريم.

يقول ربيع: «في السابق وقبل إنشاء المدارس كان الأهالي يتعلمون القرآن الكريم هنا، وأغلب الأشخاص الذين يقرأون الحديث في المآتم والذين كانوا معلمين، كانوا يدرسون في هذا البيت، ولهذا فإن المكان يعبر عن خصوصية للقرية حيث تشرف باحتضانه لتدريس القرآن وتخريجه لشخصيات خدمت المجتمع».

وبعد بيتين من بيت المعلم، كانت «التحفة المعمارية» ممثلةً في بيت آل إبراهيم، بانتظار عملية إنقاذ عاجلة. في هذا البيت الذي دخلته «الوسط»، كانت الجدران والغرف تشكو الهجران، حتى تهاوت بعض عتبات سلمه فيما كانت المقتنيات ملقاة هنا وهناك في مشهد اعتبره ربيع «غير لائق»، مطلقاً نداءه للعائلة ولهيئة البحرين للثقافة والآثار، لإنقاذ البيت من خطر السقوط، والعمل على ترميمه وتحويله لبيت تراثي يستقبل السياح.

وفي شرح لأهمية هذا البيت الكبير، يقول ربيع: «هذا البيت يختصر حياة أهل بوري من المزارعين والفلاحين، ممن كانوا يعيشون في مثل هذه البيوت، والتي عكست بساطتها وصفاء النية على من يسكنها، وفيها كانت النسوة تعملن في «السف» في حياة لم تخلُ من كدح مستمر».

الشاب إسماعيل آل إبراهيم، الذي قضى 6 سنوات من عمره، أعاد له البيت شريط الذكريات، فقال: «ذكرياتي هنا لا تنسى، فعلى (الدرج) كنّا نتزحلق، وكان البيت يضم تعليم القرآن الكريم. خالتي كانت تدرسنا القرآن في تلك الزاوية، والصبية يجلسون هنا وهناك المجلس، وبعد أن ينتهوا يتم جلب «العدرة» بعد اختتام الجزء».

جامع بوري... 4 مراحل من البناء

ومن بيت آل إبراهيم، كانت الوجهة لجامع بوري القديم الذي أنقذته أعمال الترميم التي نفذتها هيئة البحرين للثقافة والآثار.

وتحت سقف الجامع المشيد من «الدنجل»، تحدث الباحث ربيع فقال: «في الزاوية اليمنى للجامع، يوجد مسجد علي بن علي، وهو المسجد الذي كشفت عن آثاره أعمال التنقيب، بما في ذلك المِحْراب والأساسات»، مبيناً أن الجامع مر بـ 4 مراحل، وصولاً للعام 1953 حين قرر الأهالي توسعة المسجد ليتحول لجامع كما هو عليه حالياً».

ومرواً بـ «وقف المدرسة»، ومساجد قديمة كمسجد أبوعبيد وأخرى اندثرت، ومعالم أثرية من بينها مجلس المرحوم الحاج علي الحجيري (مختار القرية)، ومأتم الوهابية القديم، ومأتم الطويلة القديم الذي شيد قبل نحو 50 عاماً، والذي ينتظر التسجيل للحفاظ عليه كموقع أثري، ثم سدرة الكنار التي يرجح الأهالي عمرها بأكثر من 120 عاماً، توقفت الرحلة لاستعراض بعض من الذكريات الممتدة مع الأهالي وشقاوة الأيام الخوالي.

وقبيل الختام، كانت الرحلة تسير باتجاه عدد من وديان القرية كوادي «أبوعريان»، والعيون التي تشتهر بها، من بينها عين بوري التي «تعتبر من أقدم العيون في البحرين، حيث تظهر حجارتها امتدادها كما يعتقد، بحقبة دلمون»، على حد قول الباحث ربيع.

حويص... منطقة متنازع عليها

وفي منطقة حويص، «المتنازع عليها بين قريتي بوري وعالي»، كانت «الوسط»، ترصد معالم القرية الموغلة في عمق المنطقة، والتي تضم مسجداً مهدداً هو الآخر بالزوال، والذي يرجح الباحث ربيع عمره بأكثر من 900 عام، إلى جانب عين حويص التي لاتزال تحتفظ ببعض بريقها وبعض ملامحها الأصلية، والتي تشابه عين بوري في امتداد تاريخها كما يعتقد لحقبة دلمون.

ثراء بوري التاريخي، دفع الباحث ربيع الذي بدأ اهتمامه بالتاريخ قبل 8 سنوات، للتأكيد على حاجة تاريخ القرية للتدوين والتوثيق، داعياً في هذا الصدد للحفاظ على المعالم المهددة بالاندثار، وإيلاء أهمية أكبر من فئة الشباب تحديداً لمجال التاريخ، إلى جانب العمل جدياً على إنشاء متحف خاص يضم المقتنيات والمعلومات الخاصة بالقرية وأهاليها.

عين بوري بعد أن أحاط بها الآسيويون
عين بوري بعد أن أحاط بها الآسيويون
جامع بوري بعد الإنقاذ
جامع بوري بعد الإنقاذ
الباحث ربيع متحدثاً إلى «الوسط» من أمام مسجد حويص الثري
الباحث ربيع متحدثاً إلى «الوسط» من أمام مسجد حويص الثري
مسجد الشيخ محمد الدمستاني في منطقة حويص (توفي في القرن 12 هـ)
مسجد الشيخ محمد الدمستاني في منطقة حويص (توفي في القرن 12 هـ)
النخيل الباسقات يستقبلن الزائر لمزرعة آل إبراهيم
النخيل الباسقات يستقبلن الزائر لمزرعة آل إبراهيم
مواقع أثرية (مجلس المختار) وقد تحولت لمخازن
مواقع أثرية (مجلس المختار) وقد تحولت لمخازن
بيت آل إبراهيم... تراث يتهدده الزوال
بيت آل إبراهيم... تراث يتهدده الزوال
سلم بيت آل إبراهيم يتهاوى
سلم بيت آل إبراهيم يتهاوى

العدد 4991 - الجمعة 06 مايو 2016م الموافق 29 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 9:14 ص

      سويتونها قصه

      ياعمي احنا كلنا اهل واخوان وجماعه وحده بوري وعالي والرفاع والجسره والمنامه وجدحفص ولبديع وكل ديره متزوجين من الديره الثانيه وبعضهم انولدوا في قرى وعاشو في اخرى

    • زائر 13 | 6:21 ص

      ههههه

      وين العنصريه في الموضوع خالي اذا احنا كلنا في عالي العائله وفي بوري كل أهلنا اصلهم من عالي اعيالي عمي راح بوري قبل مائة سنه مايمنع اقول اصلهم من عالي

    • زائر 12 | 6:16 ص

      عدل كلامه

      عالي حويص جزء من عالي ماقال شي غلط ولا سب أحد وأهل بوري أهلنا يتشروف اهلهم واصلهم من عالي والساده الكرام تاج على راسنا وعندك علم أغلب سادة عالي اصلهم غريفيه الساده وبعض الساده من أبو صيبع وبعض سادة عالي من سترة مهزة انت ليش زعلان

    • زائر 7 | 4:27 ص

      حويص

      عالي حويص هي جزء من عالي وكل أهلها موجودين في عالي واقاربهم في عالي وبوري كانت فقط مزارع وعيون وأغلب أهل بوري من عالي الأصل والباقي ساده من سار وتوبلي وسترة

    • زائر 9 زائر 7 | 5:52 ص

      الناس في شنو وانت في شنو .. شكلك ما تقرا التاريخ عدي يا اخويي .. اذا مسجد علي بن علي اللي عندنا عمره اكثر من مئتين سنة .. وانت جاي تقول ليي اهل بوري كلهم اصلهم من عالي ؟؟ يا اخويي بدل ما تتكلم عن تراث البلد تقوم تقلب المسالة في الاصل والنسل والعنصرية

    • زائر 10 زائر 7 | 6:04 ص

      ضحكنا اللي فوق يقول بوري اصلهم من عالي وباقي القرى وكانت فقط مزارع وعيون انزين يالخال ما تقول لينا منهو يدير هالمزارع ما تقول لينا هالجامع التاريخي من متى تاريخه - بوري فيها عوائل من قديم الزمان ودخلت فيها عوائل من برة جذي المفروض تسيق الجملة مو ان اصل بوري من عالي - كلنا اهل والارض وحدة بس ما يصير نحرف في التاريخ وهوية الاجداد وعراقة الارض ودمتم ودامت ارضنا والبحرين بخير ❤️

    • زائر 6 | 3:47 ص

      بيت جدي الله يرحمه يمكن أعرضه للبيع

    • زائر 4 | 2:11 ص

      أتمنى أن يتم الاهتمام بالتراث والآثار القديمة التي تمتد لما يزيد عن 100 الف سنة الموجودة في سافرة والرفاع والحد

    • زائر 5 زائر 4 | 3:42 ص

      يا أهل بوري

      حافظوا تراثكم يا أهل بوري بأنفسكم وسواعدكم

    • زائر 3 | 1:35 ص

      حافظوا على العيون الباقية .

    • زائر 2 | 12:42 ص

      شکرا لکم ولکن

      تحبه لکل من یساهم فی حفظ تراث الأجداد وصون التاريخ من التحريف لكن يا إخوان لأحد يكتب توقعات في الكتابه التاريخيه لأن ذلك يساهم في تشويه وبلبلة للمتابع في نظري المتواضع شكلوا لجنه من مختصين وبعدين نشروا الحقائق التاريخيه ولا أحد يكتب من واقع الانتماء والجاه ولنا لقاء بعد قادم

    • زائر 1 | 11:38 م

      الإهتمام بإرث القرية وبناء متحف خاص بأثارها الدلمونية وخلق جيل يهتم بماضيها العتيد في هذا الجانب سيظل حبر على ورق ما لم تكن هناك ارادة حقيقية مدعومة من الجهات الرسمية وأهالي القرية

اقرأ ايضاً