العدد 5001 - الإثنين 16 مايو 2016م الموافق 09 شعبان 1437هـ

خرق دستوري واضح

جميل المحاري jameel.almahari [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من المتوقع تماماً أن يمرّر مجلس النواب اليوم التعديلات التي أقرّها مجلس الشورى سابقاً بشأن المادة الخامسة من قانون الجمعيات السياسية، والتي تحظر على رجال الدين الجمع بين عضوية الجمعية السياسية واعتلاء المنبر الديني أو الاشتغال بالوعظ والإرشاد.

كما يمنع رجال الدين من تبوّء مناصب قيادية في الجمعيات السياسية، رغم ما يشوب هذه التعديلات من خروقات دستورية وخصوصاً المادتين (4) و(18) من الدستور، والتي تنص الأولى أن «العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة»، فيما تؤكد المادة (18) من الدستور أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة، حيث تنص على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة»، فيما شدّدت المذكرة التفسيرية لدستور 2002 على أن «الدين الإسلامي الحنيف هو القيد الأساسي على ممارسة هذه الحريات والحقوق جميعها». وبذلك فإن هذه التعديلات لا تخرق فقط مواد دستورية وإنّما تتعارض معها تماماً. وفيما تشير المذكرة التفسيرية إلى أن الدين الإسلامي هو القيد الأساسي على ممارسة الحريات، تحرم التعديلات المقترحة رجال الدين المسلمين من ممارسة حقوقهم القانونية وتعيق حريتهم في الانتماء للجمعيات السياسية وبالتالي الاهتمام بالشأن العام.

قد يرى البعض أن هناك تناقضاً بين ما طرحناه في عمودين سابقين بشأن الدعوة للعلمانية بوصف الدولة العلمانية هي الضامنة لحقوق الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وبين الدفاع عن أحقية رجال الدين في العمل بالمجال السياسي، في حين أن ما يبدو تعارضاً هنا هو في حقيقة الأمر جوهر الحرية والمساواة بين جميع المواطنين، وذلك إن تسامحنا في نزع حقوق فئةٍ من المواطنين «ولأسباب سياسية»، كونهم من رجال الدين، فلا مسوّغ للدفاع عن فئةٍ أخرى إن دعت الحاجة السياسية لذلك، فالحقوق هنا لا تتجزأ .

لقد أشرت في عمود سابق إلى أن تصوير منع رجال الدين من الانضمام للجمعيات السياسة وكأنه انحيازٌ إلى مبدأ الفصل بين الدين والسياسة وتطبيقاً للتعاليم العلمانية في البحرين، يبدو أنه بعيدٌ جداً عن الواقعية والصحة، فالعلمانية بوصفها نظام حكم تعني فصل المؤسسات الدينية عن السلطة السياسية، وهي طريقة للحكم ترفض وضع الدين كمرجع رئيس للحياة السياسية والقانونية، وبذلك فإن الأولى في الحالة البحرينية إن صنفت هذه الخطوة بأنها انحياز للفصل بين الدين والسياسة، هي منع رجال الدين من العمل السياسي بما في ذلك عضوية المجالس التشريعية «كمجلسي الشورى والنواب»، اللتين تعتبران المؤسستين الرئيسيتين للتشريع والرقابة. في حين أن الواقع هو العكس من ذلك تماماً، فهناك عددٌ لا بأس به من رجال الدين في هاتين المؤسستين.

من الخطأ الاعتقاد بأن فرض المزيد من القيود على العمل السياسي والجمعيات المعارضة، حتى ومن خلال القوانين والتشريعات، يمكن أن ينهي المطالب الشعبية بالمزيد من الإصلاحات والديمقراطية ومحاربة الفساد، إنما يمكن أن يكون هذا التضييق حاجز أمان وهمي لفترة قصيرة لن تطول.

إقرأ أيضا لـ "جميل المحاري"

العدد 5001 - الإثنين 16 مايو 2016م الموافق 09 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:23 ص

      رجال الكهنوت هم سبب بلاوينا أتفق و بشدة مع منعهم من التدخل في الشأن العام سواء كانوا من هذا الطرف او الطرف بدون هذا القانون سنبقى في صراع لن ينتهي أبداً

    • زائر 4 | 1:22 ص

      انظر العجائب النواب ليس لديهم ما يطرحونه رغم ان البلد تعجّ بالمشاكل والمصائب بينما هم جاهزون كل الجهوزيّة لتمرير أي قانون تريده السلطة التنفيذية وبالطبع السلطة التنفيذية تجدها فرصة سانحة لتمرّر كل مشاريعها فوجود مثل هذا المجلس هي فرصة لتمرير قوانين تضرب بها صلاحيات المجلس ومصالح الشعب

    • زائر 3 | 1:19 ص

      اذا لم يكن هذا المجلس هو من يمرّر هذه الخروقات فمن غيرها يفعلها؟
      مجلس جاء من خلال عزوف شعبي تام عن المشاركة فيه حتى اصبح صوت الشعب مغيبا تماما عن المجلس فتوقّع منه الاسوأ

    • زائر 2 | 1:10 ص

      عالم الدين لا يختلف عن الطبيب ولا اللاعب الرياضي ولا المهندس ولا اللاديني ولا غيرهم، فكلهم مواطنون يحق لهم الاشتغال في الشأن السياسي لأنه شأن يؤثر على حياة كل واحد منهم. وما القرار المذكور إلا صورة جديدة لتعزيز .... ورفض الآخر.

اقرأ ايضاً