العدد 5014 - الأحد 29 مايو 2016م الموافق 22 شعبان 1437هـ

ستيفن سبيلبيرغ: شعرت وقتها بأننا كنّا على أعتاب اختراع الروح

في حوار مع «نيويورك تايمز» وفيلمه «العملاق الودود الضخم»...

ستيفن سبيلبيرغ
ستيفن سبيلبيرغ

اللقاء الذي أجرته مانوهلا دارغيس، من صحيفة «نيويورك تايمز»، يوم الأحد (15 مايو/ أيار 2016)، مع المخرج الأميركي العالمي ستيفن سبيلبيرغ، على هامش مشاركته في مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته السادسة والستين، والذي ترأس لجنة تحكيمه، تطرَّق إلى موضوعات عديدة، حول تجربته في الإخراج، وموضوعات مثل الثقة، التي قال عنها: «إنها تخيفني»، وما نُسب من اتهامات بمعاداة السامية إلى كاتب الرواية التي تم تحويلها إلى فيلم، روالد دال، كما تناول بتركيز أكثر فيلمه الأخير الذي تم إطلاقه في الأول من مايو/ أيار، وكان ضمن أفلام العرض العالمي في المهرجان، ويحمل عنوان الرواية نفسها، العمل الفنتازي الأول، اعتماداً على شخصيات الرسوم المتحركة، في التجربة الأولى له من حيث الإخراج، ومن حيث توجُّهه إلى الأطفال. الفيلم الذي بلغت كلفة إنتاجه نحو 130 مليون دولار، من بطولة كل من: مارك رايلانس، ريبيكا هول، بيل هادر، وجيماين كليمان.

الحوار المنشور حمل عنوان «كلمة مع ستيفن سبيلبيرغ»، ونظراً لأهمية كثير مما أدلى به المخرج العالمي، ارتأى محرِّر «الوسط»، استلال بعض مما ذكره في الحوار ليكون عنواناً هنا، ومن بينه حديثه عن الشعور الذي انتابه وقت تصوير الفيلم، وقوله «شعرت وقتها بأننا كنَّا على أعتاب اختراع الروح». هنا جانب من المقدمة التي سبقت الحوار، مع هوامش ترتبط ببعض تفاصيلها، علاوة على الهوامش التي لا غنى عنها في ثنايا الحوار نفسه.

«العملاق الودود الضخم»، BFG) Big Friendly Giant)، هو آخر أفلام المخرج الأميركي العالمي ستيفن سبيلبيرغ، الذي يستند إلى كتاب يعود إلى العام 1982، ويحمل العنوان نفسه، وهو من تأليف روالد دال. الرواية تحكي قصة الفتاة صوفي، التي تتصف بالحذر الشديد؛ ما يدفعها إلى الانكفاء على نفسها، إلاَّ أنها تُصادف في يوم من الأيام العملاق الودود الضخم الذي يتضح مع مرور الوقت أن مظهره يختلف تماماً عن جوهره، وعلى رغم مظهره المُخيف، إلا أنه طيِّب وودود للغاية على خلاف أقرانه من العمالقة الذين يمقتونه بسبب رفضه التهام الصبْية والفتيات مثلهم، وتتوثق العلاقة أكثر فأكثر بين صوفي والعملاق.

السحْر الرقمي

تشير دارغيس في مقدمتها إلى أنه باستخدام مزيج من التحضيرات الشاخصة، والإمساك بالأداء والسحْر الرقمي، يخلق سبيلبيرغ عالماً بصرياً سلساً، بحيث يبدو حقيقياً وبشكل مُذهل. ويُعدُّ فيلم «العملاق الودود الضخم» أحد أفلام الحبِّ التي أخرجها سبيلبيرغ، والأكثر تأثيراً من حيث تعبيره، كونه واضحاً في تركيزه على الأحلام.

تم تكييف هذا الفيلم للعرض على الشاشة بواسطة مليسا ماثيسون، التي تُوفيت في العام 2015، والتي اكتسبت شهرتها بكتابة سيناريو فيلم «إي.تي»، أحد الأفلام التي وجدت طريقها إلى العرض العالمي في مهرجان كان العام 1982. ويُعدُّ هذا هو الظهور الثاني لسبيلبيرغ كمخرج في المسابقة الرسمية لمهرجان كان، بعد فيلمه «The Sugarland Express» في العام 1974، الذي يحكي قصة زوجين يفرَّان من الشرطة أثناء محاولاتهما استعادة حضانة طفلهما. وعلى رغم أن الفيلم لم يسجِّل حضوراً جيداً في شباك التذاكر، وعانى من إصدار محدود، إلا أنه فاز بجائزة أفضل سيناريو في العام نفسه. منذ ذلك الحين، وظهوره نادر في مهرجان كان، وعلينا أن نُذكِّر هنا أن فيلمه «اللون الأرجواني» تم اختياره للعرض العالمي ضمن مجموعة من الأفلام في العام 1986. كذلك تم عرض فيلمه (موضوع اللقاء) «العملاق الودود الضخم» ضمن العرض العالمي، مع التنويه إلى أن سبيلبيرغ تولَّى رئاسة لجنة تحكيم المهرجان في العام 2013، كما قبِل رئاسة لجنة التحكيم في دورة المهرجان السادسة والستين (2016)، خلفاً للإيطالي ناني موريتي، بحسب ما صرَّح به رئيس مهرجان كان، جيل جاكوب.

قدِّر لي أن التقي سبيلبيرغ بفندق كارلتون، وتحدَّثت معه حول فيلمه الجديد، وتطرَّق الحوار إلى الاتهامات بمعاداة السامية التي وجهت إلى كاتب القصة (روالد دال) وما الذي يريد سبيلبيرغ تحقيقه من تغيير في صناعة السينما، وفيما يأتي مقتطفات من الحوار:

كيف تبادر إليك مشروع الفيلم؟

- من خلال كاثي كينيدي؛ حيث حصلت على الحقوق من ترِكة دال قبل نحو 9 أو 10 سنوات. وأسندت إلى ميليسا كتابة السيناريو. قرأت السيناريو وأحببته. كان هناك الكثير من العمل الذي يتعيَّن القيام به، ولكنه كان مشروعاً رائعاً في مسوَّدته الأولى. ارتباطي بإخراج الفيلم كان بسبب أنني وميليسا على علاقة وطيدة جداً طوال سنوات. عملياً، قمنا بتنشئة عائلتيْنا معاً.

هل كان المزج بين التكنولوجيا والإنسان جزءاً من اهتمامك؟

- ليس حقاً، اعتقدت أول الأمر أننا سنقوم بذلك مع ممثلي»Darby O›Gill and the Little People»، بالمنظور القسْري، وما يتطلَّبه من عملية تنظيم. ولكن بعد ذلك أدركت بأنه إذا كان عليَّ أن أصوِّر الفيلم بهذه الطريقة فلن يكون مختلفاً عن فيلم Tom Thumb»، «Thumbelina، و «Jack and the Beanstalk» ولن يكون ذلك عملاً سحرياً. لذلك رأيت أن الشيء الأهم الذي يُمكن أن أسهم به هو محاولة خلق سحر سينمائي حقيقي. لا السحر الذي يتحقق نتيجة خبرة الجمهور ولكنه السحر المتجسِّد، والكيمياء الحِرفية على الشاشة التي كانت على نحو أو آخر مماثلة لأشياء رأيناها من قبل، ولكنها مختلفة جداً، بطريقة ما.

للقيام بذلك، رأيتُ، أنني بحاجة إلى كل عمالقة المخلوقات. الآن، يُمكنني أن أجعلهم بالتأكيد مخلوقات من خلال الماكياج الاصطناعي. ولكن، ألن يكون رائعاً لو كانت لدينا الحرية الكاملة في أن نوجد تلك المخلوقات رقمياً؟ شعرت وقتها بأننا كنا على أعتاب اختراع الروح، وأنه يمكننا أن نشكِّل إنساناً وهبه الله الروح من خلال شخصية بالرسوم المتحركة. عديدون كانوا على مقربة من ذلك في أفلام كثيرة مثل: «أفاتار» وحتى «كوكب القردة».

لم أكن أريد للتكنولوجيا أن تُخرِّب أداء مارك الصادق، وكانت تلك هي المجازفة الكبرى التي اتخذناها. هل كانوا قادرين على أن يحصلوا على روح مارك في وجه «العملاق الودود الضخم» وجسمه؟ مارك مسئول مسئولية كاملة عن أدائه. تكنولوجيا التقاط الحركة مع البزَّة التي يرتديها، والنقاط على وجهه كل ذلك قدَّم 80 في المئة من الأداء الخالص، والأداء الحنون للشخصيات المتحركة، أما كاميرات الفيديو التي سجَّلت أداءه من ست زوايا مختلفة، فمنحت شخصيات الرسوم المتحركة 20 في المئة المتبقية.

عند هذه النقطة، هل تشعر وكأن هناك عقبات جديدة ومثيرة للاهتمام بالنسبة لك؟

- إنجاز فيلم «العملاق الودود الضخم»، كان عقبة كبيرة بالنسبة لي؛ إذ لم يسبق لي أن أخرجت قصة خرافية من قبل. كل فيلم أقوم به تكتنفه عقبة ما. أنا ابحث عن الأشياء التي ستُخيفني. الخوف هو وَقودي. أصل إلى حدِّ أنني لا أعرف حقاً ما الذي يجب القيام به، ومن هناك أتحصَّل على أفضل أفكاري. تظل الثقة عدوِّي وقد كانت كذلك دائماً.

تتمَّاتي ليست جيدة مثلما هي عليه الأمور التي أبتغيها، أو هي موجودة بشكل أصليٍّ في داخلي؛ لأنني أذهب إلى كل تتمَّة قدَّمتها وأنا واثق جداً. أنفق على الفيلم ملايين من الدولارات؛ الأمر الذي يُبرِّر تتمَّة، لذلك أقدمت عليه وكأنَّ الأمر سيكون بمثابة الضربة القاضية وأنا اختتم صنع فيلم أدنى من اللذين سبقاه. أنا أتحدَّث هنا عن فيلميْ «العالم المفقود» و«الحديقة الجوراسية».

هل الخوف من الفشل... الخوف من أن تخيب آمالك... من نقادك... المعجبين بك؟ ما هو الخوف؟

- إنه الخوف من التخبُّط (التيه)، ثم تبقى ضائعاً في مستنقع بعد أن قدَّمتَ خياراً سيئاً. الآن أنا عالق للستين يوماً المقبلة من أجل التصوير. راودني مثل هذا الشعور في فيلم «الفك المفترس» فقط لأنه كان من الصعب جداً تحقيقه، ليس لأنني لم أكن أعرف كيفية تحقيق ذلك. فقط كنت تائهاً.

بالنسبة إلى فيلم أصبح ناجحاً بشكل مُذهل، ومنحني حرية شخصية مكتملة بشكل خلاق، ما زلت أنظر إلى الوراء... إلى ما تحقق وحتى الآن أردِّد، إنها اللحظات الأكثر تعاسة في حياتي كمخرج، لأن الأيام جميعها ستذهب ونحن لمَّا نحظى بالوقت الكافي للقيام بالتصوير.

أريد أن أستحضر السؤال الذي طرحه أحدهم في المؤتمر الصحافي بشأن روالد دال ومن بينهم، كاتب سيرته الذي قال إنه معادٍ للسامية. هل يُمكنك الاستمتاع بالعمل من دون التفكير في الفنان؟ كيف نتعامل مع هذا الأمر؟

- أعتقد أن كلَّ واحد منا يقف على أكتاف العمالقة الذين بدءوا هذه الصناعة. واجهت بنفسي هذا اللغز. عندما نتحدَّث عن أفلام «ولادة أمة» ودي. دبليو غريفيث، وتمجيده حركة كو كلوكس كلان العنصرية. (ولادة أمة فيلم سينمائي صامت صدر في العام 1915، من إخراج ديفيد يولين أرك، وكتبه كل من: ديفيد يولين أرك، توماس فريدريك ديكسون، وفرانك وودز. ويُعدُّ الفيلم الأكثر عنصرية في تاريخ السينما العالمية، وعلينا هنا أن نعود إلى ما ورد في كتاب «الحقوق المدنية في السينما» لإيلين سكوت، حيث قالت: «الفيلم هو أحد أكثر الأفلام التي أنتجت عنصرية، بل أكثرها عنصرية على الإطلاق. هذا الفيلم في الواقع يصوِّر الإعدام خارج القانون كأمر إيجابي. كما يشير المضمون السياسي للفيلم إلى أن بعض السود يستحقون الإعدام. وبهذا يكون الفيلم مغرقاً في العنصرية» سبيلبيرغ لم يدخل في التفاصيل كما نوردها هنا، ولأهمية الإضاءة هذه وهو يتحدَّث عن عمالقة السينما الأوائل الذين تورطوا في مضامين عنصرية في بعض أعمالهم، ودي. دبليو غريفيث أحدهم، ومن الذين لم يتردَّدوا في تمجيد الحركة العنصرية «كو كلوكس كلان». وكما يشير الكاتب الفني توك بروك في مراجعة له على موقع «بي بي سي»، إلى أن فيلم «تمجيد أمة»، يعود له الفضل في إحياء حركة كو كلوكس كلان العنصرية التي تبنَّت الفيلم كأداة لتجنيد الأعضاء». ويوضح بروك بأنه مهما كان الدور الذي لعبه دي دبليو غريفيث في تقديم فيلم عنصري إلى الشاشة، فإننا يمكن تتبُّع جذور التعصُّب الأعمى في المصادر التي اعتمد عليها، وهو نص عنصري يطلق عليه اسم «رجل العشيرة» والذي كتبه ثوماس ديكسون)، الآن، لا أعرف ما الذي كنت سأفعل لو علمْتُ أن الرجل له تصريحات تؤكِّد معاداته للسامية، قبل الشروع في فيلم «العملاق الودود الضخم»، ولم أبحث كثيراً حول دال، وهذا ليس عذراً. كنت مُستعْبداً تماماً بكتاباته، في روايته «تشارلي ومصنع الشوكولاتة»، و «جيمس والخوخ العملاق»، وخصوصاً «العملاق الودود الضخم»، وهو العمل المفضَّل لديَّ من بين كتبه. قرأته لأطفالي. وبالتالي علاقتي بالأمر تتحدَّد في تفسير الكتاب من خلال الشاشة.

ولكنني قلت هذا في المؤتمر الصحافي، وأنا أعني ما قلت حقاً: بالنسبة إلى شخص أعلن نفسه معادياً للسامية، ويروي قصصاً، فإنه بذلك يقوم بالأمر المعاكس تماماً، فاحتضان الاختلافات بين الأجناس والأعراق والثقافات واللغة، كما فعل دال مع روايته «العملاق الودود الضخم»، يعدُّ مفارقة.

في وقت لاحق، عندما بدأتُ طرح أسئلة الناس الذين عرفوا دال، قالوا لي بأنه يحب أن يقول أموراً لا يعنيها، فقط للحصول على رد فعل. وكثير من التعليقات المعادية للسامية التي قالها، لم تكن أموراً يؤمن بها بشكل متحمّس، لأن جميع من هم جزء من حياته، وبشكل أساسي، الفريق الذي يدعمه، هو من اليهود. وجميع تعليقاته، التي قرأت عنها الآن - عن المصرفيين، كل الصور النمطية القديمة التي كنا نسمعها من ألمانيا في منتصف ثلاثينات القرن الماضي - كان يقولها فقط من أجل التأثير، حتى ولو كانت أشياء وأموراً مُرعبة. أنا فقط مُعجب بـ «العملاق الودود الضخم» ومعجب بالقيم التي احتوتها، ومن الصعب حتى بالنسبة لي أن أؤمن أن الشخص الذي يمكن أن يكتب شيئاً من هذا القبيل، يمكن أن يقول أشياء فظيعة تم نقلها.

في العام 2013، كنت وصديقك جورج لوكاس في جامعة كاليفورنيا، وقد قلت بعض الأمور البليغة حول صناعة السينما.

- مازلت متمسّكِّاً بما قلته وقتها. ما قلته هو أن الأمر يحتاج إلى ثلاثة أو أربعة من الأفلام الممتازة لتدمير المحصِّلة النهائية، لأن هذه الأفلام كلُّها تكلِّف الآن ما بين 225 مليوناً و 300 مليون دولار. إذا وجد الجمهور نوعاً آخر من الأفلام - ربما سيتمكَّن بعض المخرجين الشباب من اختراع هذا النوع - يمكن له أن يحل محل الأفلام «الخارقة»، فيمكن للأمر أن يحدث.

حدث ذلك تقريباً قبل صيفين، ولكن ليس إلى الحد الذي يمكن له أن يضرَّ هوليوود. ولكن لا أعتقد أن هذا النوع الخارق من الأبطال لديه ساقان في أفلام الغرب، كما لا أعتقد بأن لديه ساقين في أفلام الخيال العلمي. أعتقد أن هناك جدارَ حماية بين الخيال العلمي والخيال الخارق - لا أحب أن أمزج بينهما لاعتقادي أن ذلك نوعاً من التدنيس. (يطلق ضحكة)، وفي الوقت نفسه، إذا أتيحت لي الفرصة لتقديم فيلم من نوع قصص الأبطال الخارقين، فسأقوم بذلك لأنه عمل جيد في الوقت الحالي، وإذا كان بإمكاني إيجاد امتياز ضخم وخارق، فلمَ لا؟. لديَّ عمل من إنتاجي اسمه «المتحوِّلون».

يُذكر أن فيلم «المتحوِّلون»، هو فيلم إثارة أنتج العام 2007، من إخراج مايكل باي، وإنتاج ستيفن سبيلبيرغ. الفيلم مُقتبس من مجموعة ألعاب للأطفال ظهرت في العام 1984، وشكَّلت نقلة تكنولوجية هائلة، وصدر حولها العديد من الكتب والقصص والرسوم المتحركة. الفيلم من بطولة شيا لابوف، ميغان فوكس، جوش دوهامل.

ملصق الفيلم
ملصق الفيلم




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً