العدد 5017 - الأربعاء 01 يونيو 2016م الموافق 25 شعبان 1437هـ

تبدأ بالورق وتنتهي بالسقوف المُحْدَوْدَبة والزخارف على الأبواب

كتاب «الدوحة»... «الصين وفنون الإسلام» لزكي محمود...

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

رافق العدد 103 من مجلة «الدوحة» القطرية، الكتاب الشهري «الصين وفنون الإسلام» للباحث في الفنون والموسيقى والآثار زكي محمود حسن، والذي يعتبر واحداً من الباحثين الكبار في هذا المجال، بتأكيده المتكرر بأن العرب لم تكن لهم قبل الإسلام أساليب فنية ناضجة «إلا في أطراف شبه الجزيرة، حيث قامت الممالك والإمارات التي اتصلت بالأمم الأجنبية وتأثرت بأساليبها الفنية تأثراً كبيراً، كما حدث في اليمن والحيرة وبلاد النبط والغساسنة».

يتناول الكتاب في أحد فصوله مظاهر الأثر الصيني في الفنون الإسلامية، التي تبدأ بالورق وتقليد التحف الصينية، مروراً بمحاكاة الطبيعة في رسوم الحيوان والنبات، وانتهاء بالسقوف المُحدودبة، والزخارف على الأبواب. يقدم المؤلف اتجاهات الكتاب في موضوعه الرئيس، مبيناً بأنه يشمل العلاقة بين الصين والشرق الأدنى في العصر الإسلامي، والتطرق إلى وجود التحف الصينية في المدن الإسلامية في العصور الوسطى، وما تحقق من إعجاب المسلمين بإرث ضخم من التحف، والعمل على تقليدها، ومحاكاة بعض أساليبها الفنية، والتطرق إلى الأوجه التي مهَّدت السبيل للتبادل الفني، وأتاحت له الظروف كي يكون سهلاً ومتيسراً.

الكتاب احتوى على مقدمة الأعمال الكاملة لكتابه «تاريخ الفنون»، وحملت عنوان «نشأة الفن الإسلامي»، وفيها يشير إلى أن نصيب العرب في قيام الفنون الإسلامية هو روحي فحسب، «ومن العسير أن ننسب إليهم أي عنصر فني في العمائر والتحف، في بداية العصر الإسلامي، سواء أكان ذلك في الشكل أم كان في الزخرفة أم كان في الأساليب الصناعية».

وبما أن الفن يصنعه التمدن والاستقرار، لم تتح الخاصية تلك لكثير من العرب قبل الإسلام، وحتى مع مجيء الإسلام، ظل الانشغال بالفتوحات والتمدد هو الغالب في الكيان الصاعد، وبروز ضوابط على التحريم حيناً والكراهية وأفضلية النأي عن مثل تلك الفنون، باستثناء الكيان الذي تولَّد خارج المحيط العربي، في الأندلس، والذي برز فيه الاهتمام بالفنون استجلاباً لها من البيئة نفسها دون أن يكون لأبنائها الجدد والذين تعاقبوا من بعد أي يد في تجليات وأشكال وتعابير ذلك الفن على اختلاف ترميزاته.

بحديث زكي محمود حسن عن نصيب العرب الروحي من ذلك الفن، يحدده ظاهراً في جمعهم شتى الأساليب الفنية القديمة «وطبعها بطابع دينهم الجديد، وإنشاء فن إسلامي يتميز عن غيره من الفنون».

توظيف الفنيين بفتح الأمصار

ويشير حسن إلى أن حكمة العرب وما توافر لهم من استعداد في الإقبال على توظيف الفنيين من خلال الأمصار التي تم فتحها في فترات تمددهم الأول، وما نتج عن ارتياح الفنيين أولئك، وهم من أهل الذمة، إلى التسامح والرحمة والاعتراف بالمهارات التي يحملونها، جعل «الفن الإسلامي» يقوم على قواعد من الفنون الغالبة وقتها، المسيحية الشرقية في مصر والشام «ومن الفنون الإيرانية التي نشأت من التقاء الفنون الإيرانية والهيلينية والهندية في إقليم بكتريا (اسم قديم لجزء من آسيا الوسطى)، منذ فتوح الإسكندر، ومن الأساليب الفنية في التركستان، وما يتصل بها من أقاليم آسيا الوسطى».

ويورد حسن في مقدمة كتابه أن الفن الإسلامي هو أوسع انتشاراً، وأطولها أمداً، إذا تم استثناء الفن الصيني، بالنظر إلى امتداد الإمبراطورية الإسلامية ضمن حدودها من الهند وآسيا الوسطى شرقاً إلى الأندلس والمغرب الأقصى غرباً «ومن حوض الطونة وإقليم القوقاز وصقلية شمالاً إلى بلاد اليمن جنوباً».

وعن المرحلة التي تجلى فيها ذلك الفن وبدأ والأطوار التي مر بها، يشير زكي حسن إلى أنه ولد في القرن الأول الهجري، السابع الميلادي، وظل ينمو بلوغاً إلى عنفوانه في القرنين: السابع، والثامن الهجريين، الثالث عشر، والرابع عشر الميلاديين، ويرجع ذلك إلى أن المسلمين تأثروا بما تم إنتاجه من الفنون الغربية، وعمدوا إلى تقليدها، وأصبح تمسكهم بأساليبهم الفنية الموروثة في انحسار، مع شخوص عوامل السرعة في الإنتاج والاقتصاد في النفقات.

وانطلاقاً من التمدن والاستقرار، قُيِّض للفن الإسلامي أن يقوم في عصر بني أمية «وكان الطراز الأموي، الذي يُنسب إليهم، أول الطُّرُز أو المدارس في الفن الإسلامي».

كان للفن الإسلامي في العصر الأموي تأثره بالساسانيين وفنونهم التي كانت مزدهرة في الشرق الأدنى، موضحاً الباحث أن الأساليب الفنية الساسانية تم تثبيتها في الأندلس «حتى بعد أن زال مُلْك بني أمية في الشرق»، أما بالنسبة إلى الفن الإسلامي في ظل الدولة العباسية، فقد اتخذ اتجاهاً جديداً، غلبت عليه الأساليب الفنية الفارسية.

الاتصال بالصين... عهد تنج

تشير معظم المصادر التاريخية إلى أن الاتصال الأول بين الصين والعالم الإسلامي يرجع إلى أسرة تنج والتي «حكمت الصين بين عامي 618 و 906 بعد الميلاد».

يمر الكتاب على البعثات التجارية الأولى ومن بعدها البعثات التي كانت تمثل النبي، بطلب من إمبراطور الصين، واستقرار عدد من المسلمين هناك، متخذين من التجارة مهنة لهم.

ويشير المؤلف، استناداً إلى عدد من المراجع التاريخية من بينها «تاريخ الأمم والملوك» للطبري، و «كتاب البلدان» لليعقوبي، إلى أنه كان في بغداد منذ نهاية القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، سوق خاصة لبيع التحف الصينية. «وقد كتب اليعقوبي في وصف بغداد: وينقسم طرق الجانب الشرقي - وهو معسكر المهدي - خمسة أقسام، فطريق مستقيم إلى الرصافة الذي فيه قصر المهدي والمسجد الجامع، وطريق في السوق التي يقال لها: سوق خضير، وهي معدن طرائف الصين».

كما أنه في المصادر الصينية ما يشير إلى وجود فنانين صينيين بمدينة الكوفة، في منتصف القرن الثامن الميلادي؛ إذ إن «الكاتب الصيني توهوان كان في الأسْر عند العرب سنة 751م، ونجح في الهرب سنة 762م، ففر على سفينة تجارية إلى كنتون، ومنها إلى وطنه سينجان فو، ليتحدث بعد ذلك في كتاب له عن مدينة الكوفة، أشار فيه إلى الصينيين الأسرى لدى المسلمين، وما قاموا بتعليمه المسلمين من نسج الأقمشة الحريرية وصناعة التحف الذهبية والتحف الفضية، والنقش والتصوير».

مورداً المؤلف في هذا المقام، ما أشار إليه المؤرخ والجغرافي أبوالقاسم عبيدالله بن عبدالله ابن خرداذبه (820 - 912م) والذي اشتهر بكتابه «المسالك والممالك»، من بعض ثغور الصين وما يُستورد منها، وما أجمله من قول عن صادرات تلك الأقاليم، كاتباً «والذي يجيء، في هذا البحر الشرقي من الصين، الحرير والفرند (الحرير الملون، تصنع منه الثياب)، والكيمخاو (وأصلها فارسية، وهي الحرير المشجَّر أو المُوشَّى)، والمسك، والعود، والسروج، والسمُّور (دابة يتخذ من جلدها فراء ثمينة، أو هي الفراء نفسه)، والغضار (الخزَف)».

الأثر الصيني في الفنون الإسلامية

يتناول فصل «مظاهر الأثر الصيني في الفنون الإسلامية»، عشرين مظهراً، تبدأ بالورق، والذي اعتمدت عليه المجتمعات الإسلامية اعتماداً كبيراً بعد اتساع رقعة المدنية فيها، وتجلِّي كثير من مظاهرها وتأثيراتها. ويشير المؤلف إلى أن ميدانين من أهم ميادين الفن الإسلامي، تجلَّيا في الخط الجميل والتصوير، ومن هنا كان للورق أهمية كبيرة «وشأن خطير في هذا الفن»، وكانت الصين من أبرع الأمم وأفضلها في إنتاج أفضل وأفخر أنواع الورق، وبالنسبة إلى الصينيين فإن «للخط الجميل عندهم منزلة عظيمة، وقرنوه بالأعمال الإلهية المقدسة».

أتاح ذلك التقارب تعلُّم العرب صناعة الورق على يد صنَّاع مهرة صينيين «أسَرَهم المسلمون حين فتحوا سمرقند في نهاية القرن الأول بعد الهجرة».

ويتجلَّى المظهر الثاني من الأثر الصيني في تقليد التحف الصينية، حيث انكبَّ الفنانون في الشرق الإسلامي على تقليد التحف الصينية «وأصابوا بعض الأحيان، نجاحاً يتفاوت مداه»، ويرجع المؤلف بدء التقليد إلى فجر الإسلام؛ حيث ظل قائماً حتى القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي. فمن سامراء إلى الفسطاط؛ إذ عرف الخزفيون المسلمون في الأولى مزايا الخزف الصيني، وراحوا يصنعون أشكالاً تحاكيه وتشبهه، أما في الفسطاط، وتحديداً في حفائرها، وُجد إلى جانب الخزف الصيني، خزف أنتجه الخزفيون المصريون، وهو على قدر كبير من الشبه بالخزف الصيني.

ويأخذنا الباحث زكي محمود حسن إلى العصر الفاطمي، مشيراً إلى أن تقليد الخزف الصيني يرجع إليه، إلا أن التقليد فيها لم تتسع دائرته في مصر إلا في عصر المماليك.

وبالنسبة إلى الإيرانيين «ولاسيما في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)»، فقد قلَّد الخزفيون منهم بعض ضروب الخزف المصنوع في الشرق الأقصى، على رأسها نوع، امتاز بدهانات متعدِّدة الألوان تُغطِّي سطح الإناء.

العصر الصفوي

يشير الباحث في هذا المجال إلى أن الخزفيين في العصر الصفوي استطاعوا أن يقلدوا الخزف الصيني بشكل ملفت وبارع، «كما صنعوا آنية وأطباقاً كبيرة الحجم فيها اللونان: الأزرق والأبيض، وتبدو - لأول وهلة، في ألوانها وأشكالها وزخارفها كأنها من صناعة الصين».

أما الحرير الصيني، فقد كان واسع الانتشار في شرق العالم الإسلامي، وخصوصاً في عصر المغول، وكان من بين من أبدع تقليد زخارفه، الإيرانيون «فأنتجوا أنواعاً جيدة من الديباج.

أما بالنسبة إلى الصور الصينية فكان تقليدها في العصر المغولي، والعصر التيموري إلى حدِّ أن كثيراً من الصور الإيرانية المغولية كانت تنسب في البداية، إلى مصورين من الصين «لكن ثبت بعد مواصلة الدرس وكشف المخطوطات المصورة أن قسطاً وافراً من الشبه بين الصور الإيرانية المذكورة والصور الصينية يرجع إلى تأثر المصورين المسلمين بالأساليب الفنية الصينية».

من مظاهر الأثر الصيني في الفنون الإسلامية ما يشير إليه حسن بـ «السحنة المغولية» التي غلبت على كثير من الأعمال الفنية، منوهاً إلى أن المسلمين في الشرق الأدنى، لا ينتمون إلى الجنس المغولي الأصفر، إلا أنه بعد اتصالهم بالشرق الأقصى، على أكثر من مستوى ومجال «أقبلوا على السحنة في رسم الأشخاص على تحفهم ومخطوطاتهم»، ولاسيما العيون المستطيلة الضيِّقة.

في المظهر الرابع من ذلك التأثر، يرد موضوع التجاوز عن تحريم التصوير، ووقوفاً عند ما أنجزه الإيرانيون في هذا الصدد، كان أهل إيران من بين أكثر الشعوب الإسلامية التي خالفت كراهية تصوير الكائنات الحية، وذلك بسبب «أنهم شعب ميَّال إلى الفن، وإلى أنهم يشعرون بأن تحريم التصوير في فجر الإسلام كان يقصد به تجنّب عبادة الأوثان»، وحيث أن الإسلام قد ترسَّخت دعائمه لم يعد هناك خطر على المعتقد، من جهة، ومن جهة أخرى أن شعب إيران لم ينسب إلى الصور قوى سحرية، علاوة على أنهم لا يربطون ولا يفهمون «أن في التصوير مضاهاة لخلق الله عز وجل».

ومن بين المظاهر تلك التي عالجها بشكل مركَّز، استناداً إلى شواهد تاريخية وحفرية: الدقة ومحاكاة الطبيعة في رسوم الحيوانات والنبات، رسم الصور الشخصية، من ذلك ما وصل من عصر الخليفة المتوكل العباسي سكّة أو وسام، على أحد وجهيه صورة الخليفة، وعلى الوجه الآخر رسم رجل يقود جملاً. والتعبير عن الحركة والحياة في الرسم، هدوء الألوان، احتمال الفراغ، الموضوعات الزخرفية الصينية، الطريقة الاصطلاحية في رسم الجبال والماء، الأشكال الهندسية متعددة الأضلاع، الهالة ذات اللهب أو النور، الأختام الصينية المربَّعة والخط الكوفي المستطيل، أشكال الأواني، الأساليب الصينية في الملابس وآلات القتال، توزيع الأشخاص في الصورة، السقوف المحدودبة، والزخارف على «اللاكيه»، تلك التي ميَّزت أبواب العمائر.

بدء الفنون الزخرفية... سقوط بغداد

في خاتمة كتابه، يُثبِّت المؤلف حقيقة تمت من خلال المسح وما هو قائم، أو الغالب من أثر الفنون الصينية في شرق العالم الإسلامي، على العكس من غربه، متجليِّاً ذلك في الزخارف ومنتجات الفنون الزخرفية دون العمارة. موضحاً أن سبب ظهوره في شرق الإمبراطورية الإسلامية، كون هذا الجزء من العالم الإسلامي «هو الذي كان وثيق الصلة بالصين»، علاوة على أنه كان أعظم الأقاليم الإسلامية عناية بالفنون «بينما كان غرب العالم الإسلامي شديد الاتصال ببيزنطة وسائر الأساليب الفنية التي قامت في إقليم البحر الأبيض المتوسط».

مذكِّراً المؤلف بصفوة ما تناوله في متن الكتاب، من أن الفنون الزخرفية الإسلامية بدأت منذ سقوط بغداد في يد المغول سنة 656هـ (1258م)، في البعد عن الفنون الهيلينية البيزنطية، وزاد تأثرها بالشرق الأقصى. «وبعد أن كانت الغلبة في الزخارف الإسلامية للعناصر النباتية والهندسية، أقبل المغول، فانتصرت، بمجيئهم، العناصر الزخرفية الحيوانية التي عرفتها إيران منذ العصور القديمة».

بورسلان صيني
بورسلان صيني
خزف إيراني
خزف إيراني




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً