العدد 5033 - الجمعة 17 يونيو 2016م الموافق 12 رمضان 1437هـ

القطان: رمضان فرصة للتغيير... فالأبواب مشرعة وما بقي إلا العزيمة الصادقة

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

الجفير - محرر الشئون المحلية 

17 يونيو 2016

أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن شهر رمضان يعتبر فرصة للتغير، إذ حصل فيه من الأحداث التي غيرت مسار التاريخ، وقلبت ظهر المجن، فنقلت الأمة من مواقع الغبراء، إلى مواكب الجوزاء، ورفعتها من مؤخرة الركب، لتكون في محل الصدارة والريادة.

وفي خطبته يوم أمس الجمعة (17 يونيو/ حزيران 2016)، أشار القطان إلى أن شهر رمضان فرصة سانحة وغنيمة جاهزة، لمن أراد التغير والتغيير في حياته، فالأسباب مهيأة، والأبواب مشرعة وما بقي إلا العزيمة الصادقة، والصحبة الصالحة، والاستعانة بالله في أن يوفقك للخير والهداية.

وأوضح أن «التغيُّر والتغيير سُنةٌ كونيَّة، وإرادةٌ إلهيَّة؛ فطبيعة الحياة في تقلُّب وتبدُّل، وتغير وتلوُّن، تأمَّلْ في الكون، في طبيعته، ومناخه وأحواله، ترَى أن الحال لا تدوم فيه على حال واحدة، وكذلك سُنَّة التغيُّر في بني الإنسان، هي واقعٌ مشهود، وحالٌ منشود، فأنتَ لستَ أنت قبلَ خمسة أعوام، وأنت اليوم لستَ أنت بعد عامين إن طالتْ بك الأيَّام، فالإنسان في دنياه متغيِّر من حالٍ إلى حال، متغيِّرٌ في صحته وقدراته، متغيرٌ في تفكيره وعقلِه، متغيرٌ في عملِه وعلمه وإيمانِه».

وأضاف «فليس في هذا الكون وقوف، الكلُّ يسعى؛ إما إلى الأحسن، وإمَّا إلى الأسوأ»، لافتاً إلى أن «الكثير من الناس يبحث عن تطوير النفس، وتقدُّم الذات، وقد يُنفق المالَ والوقت؛ للحصول على دوراتٍ في التغيير، وتربية الذات، وفنِّ التعامل، وهذا شيءٌ حسنٌ يدلُّ على الوعي، ونُضْج العقل، ولكن هل سألْنا أنفسَنا عن أمر التغيُّر المتعلِّق بالتديُّن والاستقامة».

وتساءل: «هل استقامتُك - أخي المبارك - هي هي استقامتك قبلَ أشهر أو سنوات؟! هل تديُّنُك وطاعتُك وقرباتُك في ازدياد، أم إلى نقصان؟! وهل علاقتُك مع ربِّك في تقدُّمٍ، أمْ في تأخُّر؟! ماذا عن تعظيمك لشعائر الله عز وجل؟! وماذا عن وقوفك عندَ حدود الله تعالى؟! أسئلة وأسئلة، يحملُ كلُّ واحد منَّا إجابتَه، وكلٌّ أدرَى بعيوب نفسه وتقصيرها وتفريطها؟».

وقال: «إنَّ خطاب التغيير أوَّل ما يُوجَّه إلى ذلكم الشخص - رجلاً كان أو امرأة - وكلنا واللهِ هو ذاك الشخص، الذي أثقلتْه الذنوب والآثام، وكبَّلتْه الغفلة، وأقعدتْه نفسُه الأمَّارة بالسوء، فلايزال للهوى متَّبِعاً، وللذته الطائشة طالباً، ذاك الشخص الذي ربَّما أدمن على المحرمات، وهَجَر الباقيات الصالحات، ربما تلصَّص على المحارم، وارتكب ما شاء مِن الفواحش والمآثم، ربَّما عاش بعيداً عن ربِّه، متعرِّضاً لسخطه، مُيمِّماً وجهَه نحوَ الهوى والشيطان، ومع ذلك كلِّه، فذاك الشخص - رجلاً كان أو امرأة - يتمنَّى ويتمنَّى، يتمنَّى ماذا؟! يتمنَّى أن يُغيِّر حالةَ الشقاء التي يعيشها، وشؤم المعصية التي جثمتْ على حياته، كم فكَّر وفكَّر، أن يُغيِّر وضعَه ويتغيَّر، فيلحقُ بركْب الطائعين، ويُذلِّل وجهَه لله رب العالمين مع القانتين الساجدين! كم تمنَّى أن ينامَ قريرَ الجَفْن، وقد أدَّى حقَّ الله تعالى عليه! وكم تاقتْ نفسُه أن يكون حاملاً للقرآن، تالياً له آناءَ الليل، وأطرافَ النهار! كم تمنَّى أن يُحافظ على فرائضِ المكتوبات، ويستكثرَ من نوافل العبادات، ويعيشَ الحياة الطيِّبة المرغوبة».

وتابع «إنَّها أمنياتٌ وأمنيات يا عباد الله تدلُّ على أنَّ في النفوس بقايا من الخير، وخبايا من الإيمان. ولكن هل فكَّر ذاك الشخص بجِدٍّ، وقرَّر بحزم، أن يعيشَ هذه الأمنياتِ واقعاً ملموساً، وشاهداً محسوساً؟!».

ورأى القطان أن هذه الأمنيات «سهلةٌ ويسيرة على من يسَّرها الله عليه، نَعمْ نستطيع أن نتغيَّر؛ فالطائع يزداد طاعةً وإيماناً، والعاصي يكفُّ عن خطيئاته، ويهجُرُ ماضيَه، نعمْ نستطيع أن نتغيَّر، ونتأقلَم بعد ذلك على الطاعة والسلوك الحسن، نستطيع أن نتغيَّر إلى الأحسن، ونتطوَّر إلى الأفضل، في سلوكنا ومعاملاتنا، وأخلاقنا وطاعاتنا».

وأردف «إذا اقتنعنا أولاً: بأهمِّيَّة التغيُّر، وإمكانية التغيير، فلنعلم ثانياً: أنَّ وسائل الوصول إلى هذا الهدف متعدِّدة؛ فأول ما نبدأ به في تغيير النفس: (تصحيحُ النية)، أن نُغيِّر أوضاعَنا، ونُصحِّح أحوالنا؛ ابتغاءَ مرضات الله عز وجل، ورجاءَ نواله وأعطياتِه. وإذا صَحَّح العبدُ نيتَه، وأراد وجهَ ربِّه، أُجِر على هذه النية الخَيِّرة، والبداية الصالحة».

وذكر أن «هذه النيَّة الطيِّبة لها دَورُها في إصلاح النفس، وأثرُها في تكفير الخطايا وإن كَبُرتْ».

وأفاد بأن «من المعالم الدالة على إرادة التغيير: أن يكون العبدُ كثيرَ الندم، شديدَ التأسُّف على ما مضى وكان، في أيَّام الغفلة والعصيان، إذا تذكَّر حالَه الأولى تلجلجتِ الحسرة بين جَنباتِه، وظهر الأسى على مُحيَّاه. وهذه هي هي التوبة».

وواصل القطان حديثه عن التغيير، مبيناً أن «هذا الندم يفعلُ فِعلَه في حال العبد، فيَظهرُ أثرُ التغيُّر فيه، فتراه رقيقَ القلب، عظيمَ الخشية، سريعَ الدمعة، كثيرَ الاستكثار مِن فعل الحسنة، والحسنة بعدها، فكان بندمِه هذا كمَن لا ذنبَ له، وكان بعد ذلك قريباً من ربِّه، حائزاً محبَّتَه».

وعدد القطان علامات صدق التغيير نحو الأفضل، وهي أن «يكون العبد لوَّاماً لنفسه، كثيرَ المحاسبة لذَاتِه، إذا نظرتْ عينُه لحرام، عادَ لنفسه وحاسبَها على هذه النظرة المحرمة، وإذا امتدت يده إلى حرام، أو سَلَق لسانُه الأعراض، عاتبَ نفسَه على هذه الكبيرة، وإذا قصَّر في النوافل فيما فات، عاهدَ نفسَه على اغتنامها فيما هو آتٍ، وهكذا تكون المحاسبةُ والمعاتبة للنفس قريبةً من شعورِه، لا تنفكُّ عن أحاسيسه، وأن يكونَ العبدُ عاليَ الهِمَّة، قويَّ العزيمة في طلب مرضاة ربِّه».

وقال أيضاً: «ترى هذا العبد المتغيِّر يملك نفساً توَّاقةً نحوَ المعالي، يُنافس في خير، ويُزاحم نحو كلِّ معروف، يَضرِب بسَهْم في كلِّ ألوان الطاعات، يرتاح مع الصلاة، ويعشق الصيام، ويَحِنُّ للقرآن، ينشرح مع الذِّكْر، ويتلذَّذ بصلة الرَّحَم، ويسعد بزيارةِ المريض، يأنس بمسح رأس يتيم، ويتحسَّس لسدِّ فاقة كلِّ كسير، يُسارِع لِجَنَّة عرضُها السموات والأرض، من خلال تلمُّس الأعمال التي يدخل من أبوابها، وهكذا هي أيَّامُه وأحوالُه، هو مِن تقدُّمٍ إلى تقدُّم، ومن حَسن إلى أحسن».

وخلص إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، إلى أن «التغير والتغيير في النفوس والأمم والشعوب قضية بالغة الأهمية، سنة من سنن الله في الكون، وضع الله جل وعلا أساسها ومحورها الرئيس لكي لا نذهب بعيداً باحثين عن حلول»، موضحاً أن «أصناف الناس الطالبين للتغيير كثير، فمنهم من يبحث عن التوبة والإنابة، ويحدث نفسه بترك المحرمات التي يرتكبها، ومنهم من يتمنى أن يحافظ على الصلوات، ومنهم من يشكو من سوء الخلق، وبذاءة اللسان، ويتمنى لو استقام لسانه، وحسن بين الناس قوله وطبعه. ومنهم من ابتلي بالبخل والشح ويتمنى لو تحررت نفسه من هذه الصفة الرذيلة، ومنهم من يبحث عن سلامة الصدر وصفاء النفس، والعيش مع الناس بنفس رضية، وقلب نقي على المسلمين، ومنهم من يبحث عن علاج قضايا أخلاقية تعب في علاجها أشد التعب، وعانى منها أشد المعاناة».

العدد 5033 - الجمعة 17 يونيو 2016م الموافق 12 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً